شهدت البلاد التونسية قفزة نوعية في إنتاج الحليب حيث مرت من طور الاستيراد إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وذلك بتظافر مختلف الجهود إذ تمكنت البلاد من توفير الكمية الكافية للاستهلاك المباشر والتحويل إلى منتجات أخرى. وقد لعبت ولاية سيدي بوزيد دورا هاما في ذلك إذ فاق إنتاجها ال100 مليون لتر واحتلت بذلك المرتبة الثانية وطنيا في القطاع كما يوجد بها أكثر من 18 مجمع حليب يقوم بتجميع ما بين 150 ألفا و 200 ألف لتر يوميا ليتم نقلها للمعامل المحولة للحليب بتونس يوميا التي تسهر على تحويلها إلى حليب معقم ودسم ونصف دسم مع استخراج الزبدة وتحويل البعض منها إلى مشتقات أخرى معروفة ومعروضة بالأسواق . وتعتبر معتمدية بئر الحفي من ابرز المعتمديات الناشطة في المجال حيث اتجه اغلب الأهالي بها إلى تربية الأبقار وخيرت العائلات إلى الاقتراض لشراء الأبقار أو تربيتها للغير مع انتفاعها بنصف محصول الحليب وصغار الأبقار في حين اتجه آخرون إلى شراء الأبقار بالطلوق ليدفع ثمنها من منتوجها من الحليب ومن الولد وقد فاق عدد القطيع بالمنطقة ال7 آلف رأس من البقر الحلوب دون اعتبار أبقار وعجول التسمين . وبتزايد عدد الأبقار تزايد معها التهافت على شراء العلف المركب مما جعل سعر الكيس الواحد يرتفع بشكل ملفت للانتباه فتطور في السنوات ال3 الأخيرة من 13 دينارا إلى أكثر من 25 دينارا مما اضر بالمقدرة الشرائية للفلاح وزاد في تفاقم أزمته تمكن مجمعات الحليب من الانتفاع بالامتياز الذي خصصته الدولة له بتمكينه من 30 مليما إضافية عن كل لتر من الحليب لتحفيزهم على إنتاج نوعية جيدة من الحليب مطابقة للمواصفات الاستهلاكية والصحية . ولذلك يطالب الفلاحون بتدخل سريع لحل مختلف الإشكالات القائمة بينهم وبين مجمعات الحليب والتجاوزات كبيرة التي أضرت بمصالحهم. خبير في التلقيح الاصطناعي أشار إلى أن جل عائلات معتمدية بئر الحفي مربية للأبقار واغلبها أبقار حلوب تنتج البقرة الواحدة بمعدل 25 لترا من الحليب على مرحلتين المرحلة الصباحية 60 بالمائة من إنتاجها والبقية بالفترة المسائية كما أن معظم الأبقار المتواجدة بالجهة هي من الفصيلة الأصلية الصالحة للتربية والتي تعطي حليبا ذو قيمة غذائية رفيعة وهذا الحليب بدوره نوعية ممتازة وقيمة من الزبذة . ومن جهته يفيد السيد توفيق وهو مربي للأبقار انه كان في البداية يتمكن من بعض الربح عندما كانت أسعار المواد العلفية تأخذ بعين الاعتبار التكلفة النهائية للحليب وما تستهلكه البقرة وما يتطلبه نقل الحليب من المربي إلى المجمع وعندما كان أيضا المجمع حريصا على تكوين حرفاء وهو ما ساعد على إيجاد أرضية ملائمة لتشجيع العائلات على الزيادة في قطيع الأبقار حتى أصبحت الجهة كلها تعتمد على منتوج الحليب . ويذكر انه بعد تمكن المجمع من تكوين قاعدة كبيرة من الفلاحة أصبح يضع شروطا لقبول الحليب إلى حد أنه استحوذ من تلقاء نفسه على المساهمة التي تقدمها الدولة للفلاح والخاصة بمنحة جودة الحليب المقدرة ب30 مليما عن كل لتر يصل المجمع ولم ينتفع به الفلاح. أما السيد محمد وهو أيضا مربي أبقار فقد أفاد أن الموضوع الآن لم يعد يقتصر على منحة جودة الحليب بل أصبحت أعمق من هذا بكثير حيث عمد المجمع الذي يقبل حليبه إلى إلزام الفلاحين على التنازل عن إنتاج يوم كامل من الحليب لفائدة المجمع وان كل من لا يتنازل فانه لن يقبل حليبه وهذا التنازل أصبح موظفا بدون أي قانون على امتداد أشهر السنة. ويشير عددا آخر من الفلاحين إلى اضطرارهم للتنازل عن العديد من اللترات لفائدة ناقل الحليب حتى ينقل الحليب كما أكدوا أن مجمع الحليب يتاجر أيضا في المواد العلفية ليضيف دينارين آو 3 دنانير عن كل كيس علف يقدمه للمربي كما يضيف الناقل دينار عن الكيس الواحد وبدوره ينتفع من هذه الناحية ليتجاوز ثمن الكيس المعد لعلف البقر الحلوب واحدا وثلاثين دينارا وهذه التجاوزات يدفع ثمنها المربي الذي أصبح غير قادر نهائيا على تربية البقر الحلوب بأي شكل من الأشكال . السيد ( الطيب ن ) من عائلة فلاحية أفاد أن القطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد شهد في المدة الفارطة تجاوزات بالجملة من قبل المسؤولين عن القطاع ذاته بمساهمتهم الواضحة في غلاء العلف ودخولهم مباشرة كمساهمين مع أصحاب رؤوس الأموال لاحتكار مادة النخالة بوصفها ارخص في الأسعار حتى وصلت في السوق السوداء إلى الضعف وفقدت تماما لدى الباعة بالسوق العادية وهذا مرده عدم قيام تفقدية ديوان الحبوب بعملها الروتيني والمتمثل في إجراء تفقد على نقاط البيع والسهر بنفسها على توزيع هذه المادة على صغار الفلاحين أما مادة الشعير المدعومة من الدولة والموزعة مجانا فإنها لا تصل إلى الفلاح بحكم جشع العمد الذين يستحوذون على النصيب الأكبر من هذه المادة لأنفسهم ويقومون بيعها فيما بعد بالسوق السوداء وهي عملية معروفة لدى الجميع فلاحة إداريين مسؤولين في ظل سكوت المعتمدين المشرفين عن هذا النوع من العلف المجاني. ويضيف السيد الطيب أن الفلاح يعاني معاناة كبيرة فسائق السيارة يسرق القليل وصاحب المجمع يسرق أكثر والدولة وظفت اكبر ما يمكن من أنواع الزيادات على المواد العلفية حتى أصبح المربي يفرط بسهولة كبيرة في أبقاره وبدأ هذا عندما دخلت السوق الجزائرية لتسحب من تونس وبالأخص من ولاية سيدي بوزيد آلاف الأبقار الأصيلة والمدرة للحليب وللفلاح الحق طالما انه يعمل ليضخم ثروة الغير وتبقى عائلته في خصاصة ليضطر البعض منهم بيع ما يصنعه من أغطية لتوفير العلف لأبقاره حتى لا يصبح عرضة للإفلاس هذا واقع مرير والجميع يعلمه من وزارات وإدارات واتحاد عام للفلاحة السبب الرئيسي في استفحال أزمة مربي الأبقار على مستوى كامل الولاية خاصة وبعد أن أصبح الاتحاد لا يمثل الفلاحة بل أصبح يمثل مصالحه أما مجمعات الحليب التي انتفعت بمفردها بمنحة جودة الحليب فيرى انه يجب حرمانها من هذه المنحة وعوضا اعتبارها كمنحة وجب إدماج المنحة لثمن لتر الحليب مباشرة حتى لا يقوم مجمع الحليب بسرقة حقوق المربين بدون وجه حق وهذا إجراء لا بد من اتخاذه فورا من قبل الوزارة المعنية وإلا فان الفلاح سيضطر إلى التفويت في الأبقار لمربي القطر الجزائري وتعود البلاد إلى وضعها السابق لتستورد الحليب بالعملة الصعبة التي نحن في حاجة ماسة لها هذه الأيام. ولمعرفة أسعار المواد العلفية بين مصدر رسمي من تفقدية ديوان الحبوب المشرف على توزيع الشعير والنخالة أن سعر الكيس الواحد من العلف رقم 7 المعد لتوفير الحليب 28 دينارا والكيس الأقل نفعا وهو رقم 5 ب26 دينارا أما الكيس العادي فهو ب23 دينارا وهو سعر موحد لدى جميع باعة العلف سعرته الدولة بعد التعديل الأخير إلا انه يصل للفلاح بفارق بين 3 و4 دنانير حسب ما أفاد به كل الفلاحة .