حديث كثير عن «حياد الإدارة» أثارته التعيينات الأخيرة في سلك الولاة وبعض المراكز الإداريّة، فهل هي رغبة في السيطرة على الإدارة خدمة لمصالح سياسية وانتخابية أم أنّ التعيينات هي في صلب المهام التنفيذية للسلطة القائمة اليوم؟...«الشروق» فتحت الملف.
اتهامات كثيرة لحركة «النهضة» بالرغبة في الاستحواذ على الإدارة ومخاوف من عودة «شبح» الحزب الحاكم الذي يسيطر على كلّ شيء ويتدخّل في هياكل الدّولة بعد أن ظنّ التونسيون أنّ هذا الأمر انقضى وولّى زمانه، وتطمينات من الحركة التي تقود ائتلافا حاكما (ولا تحكم بمفردها) بأنّ الأمر طبيعي وأنّ من يحكم يقوم بالتسميات في الوظائف العامة وأن لا خوف على حياد الإدارة... فماذا يعني حياد الإدارة؟ وما علاقة التعيينات الأخيرة بعدم تدخّل الإدارة في الشأن السياسي؟ وهل تُخفي هذه التعيينات رغبة في التأثير على الانتخابات القادمة وإن أشرفت عليها هيئة مستقلّة؟ «الشروق» تفتح الملف.
الاستقلالية والكفاءة
الوزير المكلّف بالإصلاح الإداري محمد عبو اعتبر أن مسألة ضمان حياد الإدارة «أمر يتجاوز النصوص القانونية ليكون مسألة وعي لدى الموظفين أنفسهم بأهمية دورهم في الدفاع عن حيادهم واستقلاليتهم ووعي مجتمعي بضرورة النأي بالإدارة عن التجاذبات الحزبية».
ونفى عبو، وجود تعيينات في الوظيفة العمومية منطلقاتها سياسية، مؤكدا التمسك في اختيار المسؤولين الإداريين «بشروط النزاهة والكفاءة وعدم التورط مع النظام السابق».
وأبرز الوزير أن الإدارة يجب أن «تصمد اليوم في وجه التجاذبات الحزبية لأنه ليس هناك حزب واحد حاكم بل مجموعة أحزاب» على حد قوله.
تحفّظات واتهامات
في المقابل، أشار عصام الشابي، عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدمي، إلى أنّ هذه التعيينات أثارت احترازاً ليس في أحزاب المعارضة فقط بل كذلك في صلب الأحزاب المكونة للحكومة.
وقال الشابي إنّ «هذه التعيينات لامست قضية على غاية من الأهمية وهي حياد الإدارة في هذه المرحلة الانتقالية التي تمر بها تونس، والحكومة وإن كانت منتخبة فيجب ألا تنسى أنها حكومة مؤقتة، وبالتالي يجب عليها مراعاة خصوصية المرحلة حتى تأخذ هذا في الاعتبار في جميع قراراتها، ولكن للأسف، فإن التعيينات الأخيرة جاءت لتؤكد وجود محاولة للسيطرة على الإدارة التونسية ووضع اليد عليها من قبل أحد الأحزاب المكونة لحكومة الترويكا ولم يتم حتى التشاور مع بقية أحزاب الحكومة التي فوجئت بهذه التعيينات».
وأضاف الشابي: «نحن نتساءل هل أن هذه التعيينات كانت وليدة حاجة ملحة لمتابعة التنمية في الجهات، خاصة وأن هناك عديد الاحتجاجات والفوضى في عدد من الولايات، أم هي لترضية بعض قادة الحزب الذي فاز في الانتخابات الأخيرة؟ وأود أن ألاحظ أنّ المعيّنين الجدد كانوا في القائمات الانتخابية لهذا الحزب ولم يفوزوا، أو كانوا مشرفين على الحملات الانتخابية».
وقد أكد الحزب الديمقراطي التقدمي في بيان له رفضه للأسلوب الذي تم به تعيين الولاة الجدد دون تشاور معربا عن استغرابه لغياب وجوه معروفة من المجتمع المدني والسياسي ضمن قائمة الولاة الجدد مقابل استمرار تكليف عدد من التجمعيين بتسيير الجهات في مرحلة انتقالية تحتاج لضمانات واضحة لبناء الثقة بين الإدارة والمواطن.كما كان السيّد أحمد نجيب الشابي قد أوضح في حديث سابق ل«الشروق» تخوّفه وأكّد أنّ التعيينات الأخيرة تهدّد الحريّة لأنّها تمسّ في اعتقاده بحياد الإدراة.
من جهتها أعربت حركة التجديد عن رفضها «الطريقة التي تم بها تعيين الولاة الجدد» خاصة أن «الأمر يتعلق بمراكز حساسة ترتبط مباشرة بالتنمية العادلة بين الجهات وبين الطبقات الاجتماعية، ومن المفروض أن تجسم القطيعة الواضحة والنهائية مع نظام الحكم البائد»، واعتبرت أن التعيينات الأخيرة لا تستجيب لانتظارات الشعب داعية إلى «إعادة النظر في هذه التسميات وإحداث مجالس جهوية منتخبة تمثل فيها كل الأطراف والحساسيات الفاعلة على الصعيد الجهوي».
ويطالب كثيرون بتعيين الكفاءات المتخرّجة من المدرسة الوطنية للإدارة في المناصب الإدارية العليا بالنظر إلى الكفاءة والاستقلالية التي يتمتّع بها خريجو هذه المدرسة.واعتبر مراقبون أنّ «تجربة النظام السابق أثبتت أن الولاة المعينين من الإدارة المركزية لوزارة الداخلية كانوا الأكثر التزاما بتطبيق القانون والأقل مجاملة للحزب الحاكم السابق، وأن الولاة والمعتمدين القادمين من لجان تنسيق التجمع المنحل وجامعاته كانوا الأكثر تحايلا على القانون وانحيازا لخدمة أنصار حزبهم».