خرج ملف البغدادي المحمودي عن سياقه القضائي وأصبحت تتنازعه أطراف حقوقية تؤكد مخالفة قرار التسليم للمواثيق والمعاهدات الدولية وأطراف سياسية تتهم تونس بإبرام صفقة لبيعه ووصلت التجاذبات حد اتهام محام فرنسي مسؤول في وزارة العدل وقيادي في حركة النهضة بإبرام هذه الصفقة. الشروق اتصلت ب«سيد الفرجاني» عضو المكتب السياسي لحركة النهضة والمستشار لدى وزير العدل الذي تم اتهامه للاستفسار حول حقيقة ما يروّج حول ملف رئيس الحكومة الليبية السابق البغدادي المحمودي ، وكشف السيّد الفرجاني خفايا خطيرة عن هذا الملف الّذي يبدو أنّه على غاية من التعقيد والصعوبة.
ملف البغدادي المحمودي يتداخل فيه البعد السياسي بالحقوقي حتى وصل إلى اتهام تونس ببيعه في إطار «صفقة سياسية» مع ليبيا ..كيف تردون على هذا الاتهام ؟ شخصيا لامست الموضوع من بعض الزوايا ..هناك مشكل موجود بالرغم من أن القضاء قال كلمته في ما يخص التسليم منذ فترة ووقع على ذلك رئيس الحكومة السابق الباجي قائد السبسي إضافة الى وجود مطلب لمحاكمته في المحكمة الجنائية الدولية.
هناك اراء واجتهادات متباينة في هذا الموضوع فهناك من يرى تسليمه بوجود قضاء مستقل وهناك ايضا اتفاقيات دولية وهناك ايضا مسائل تمس جوهر حقوق الانسان إضافة الى مسائل اخرى ذات بعد سياسي ..وعن هذه المسائل فالمنطق يقول ان هناك قوى ردة ضد الثورة وبقايا النظام السابق في ليبيا او في تونس إضافة الى بعض الأطراف الدولية والاقليمية التي تتفاعل معها .
موضوع ليبيا وامنها القومي من الامن القومي لتونس ونحن نريد لليبيا الامن والامان والاستقرار والتمكين لأهداف الثورة الليبية ونحن ضد كل من يستهدف هذه الحكومة التي انبثقت عن ثورة 17 فبراير ونعتبر من يستهدفها في استقرارها او خلق قلاقل سواء اثناء الثورة او بعدها بالنسبة لنا «خط احمر».
وكل الذي يحصل لليبيا هو الذي يحصل لنا وبالتالي فإن المسألة رغم ان احدى التفاصيل الهامة هو موضوع البغدادي لكنه يندرج في سياق ما يمس البلدين.. وفي نظري يجب ان يكون هناك وحدة وطنية تمكن وتعزز الديمقراطية وحقوق الانسان ودون ان يكون على حساب اي طرف ليبي خصوصا القبائل او الجهات المكونة للمكون الليبي، نحن نريد الخير لكل مكونات الشعب الليبي ونريد ان يكون هناك وئام على أساس الديمقراطية وحقوق الانسان.
هناك أطراف تطرح تسليم البغدادي المحمودي لليبيا كفعل مرتبط برغبة تونس في تسلم بن علي من السعودية .. ما هو تقييمك لهذه المقاربة ؟
مثلما نحن عندنا هاربون من العدالة واخذوا اموال بلدنا المنهوبة نسعى الى استرجاعها فإننا نتعاطف مع استرجاع ليبيا لاموالها. ونريد ونسعى لتكوين علاقات وثيقة وتكامل استراتيجي لبلدينا وخصوصا على المستوى الاقليمي فثورتان متجاورتان وحديثتان تحتاجان الى تطوير وتمتين العلاقات ونقطة البغدادي المحمودي مشكل ..لكن تونس ترغب في الانسجام مع التزاماتها بحقوق الانسان والتزاماتها الدولية مع الجيران وأهدافها الإستراتيجية.
نحن ورثنا مشكل البغدادي المحمودي وبصفتي مكلفا بمامورية في وزارة العدل اقول ان البغدادي المحمودي هدد بالانتحار مرات عديدة واضرب عن الطعام وكنا نحاول ثنيه عن هذه المحاولات بالرغم من تفهم الحالة النفسية لكل سجين في وضعه.
عدد كبير من المحامين اصبحوا يتحدثون عن البغدادي بصفته منوبهم ..فمن يمثله قانونيا وفعليا ؟
قدم لنا البغدادي المحمودي وثيقة بخط يده ضمنها اسماء المحامين الذين لم يعد راغبا في ان ينوبوه ومنعهم من زيارته وهم عزالدين العرفاوي والبشير الصيد ومحمد بكار ومهدي بوعواجة ومبروك كورشيد والمنتصر وزوجته آمال وتوفيق وناس..وقال في هذه الوثيقة «امل في اتخاذ الاجراءات لتمكين زيارتي من قبل هذه المجموعة ماهر عمير وليليا المستيري ومحمد الصالح».
ما صحة مقولة امكانية الابقاء على البغدادي في حالة «اقامة جبرية»؟
البغدادي المحمودي أصبح عبءا على تونس فهو وبعض الاطراف الاخرى طالبوا بالاقامة الجبرية له لكن ليس هناك في القانون التونسي الاقامة الجبرية الا في فترة الايقاف وهناك مشكل قانوني لوزارة العدل لإبقائه في الاقامة الجبرية وليس هناك سجون سرية او استثنائية في تونس فاما ان يسجن البغدادي او يُطلق سراحه. واذا ما تم اطلاق سراحه فان حياته مهددة من طرف من يريدون الكيد لتونس او من أطراف أخرى وعند حديثي معه في احدى المرات قلت له انه اذا ما اطلق سراحه فان حياته مهددة وعندما تم قتل شكري غانم قال لي انه تذكر ما قلته له ..فلا يجب ان ننسى ان هناك ما يقارب 400 ألف ليبي في تونس من انتماءات سياسية مختلفة.
المحامي الفرنسي يتهمك بالوساطة في صفقة سياسية لبيع البغدادي الى ليبيا ..ما مدى صحة ما يقول؟
المحامي الفرنسي (مارسيل سيكالدي) جاء الى تونس لزيارة البغدادي المحمودي وقال انه منوبه وباعتبار ان هناك اجراءات يجب القيام بها طلبنا منه القيام بذلك لكن وفي هذه الاثناء تبين لنا ان هذا المحامي في يده ملف كل الزعماء والسياسيين الليبيين خارج ليبيا من لبنان الى فرنسا والجزائر والنيجر ...ونحن نقدر ان كان يهتم بحقوق الانسان او سجين ما اما اذا كان يريد ان يضيف البغدادي الى قائمته فهل ان هذا مفيد لتونس او لليبيا ؟
المحامي الفرنسي هدد بانه يمتلك وثائق ويريد ان يحيلها الى المحكمة الجنائية الدولية ضد ليبيا وضد رشيد عمار واتهم تونس بدعوى انه جمع معطيات حول اناس من ذوي البشرة السوداء والقيام بابادة جماعية ضدهم..
وقال المحامي الفرنسي ان له علاقات في السينغال ومع عناصر سينغالية في المحكمة الجنائية بامكانها ان تضغط لقبول الملف . هذا المحامي يريد القيام بقضية للمس من سمعة تونس وان يبيّن ان ثورتنا لا تحترم حقوق الانسان فطلبت منه ان ارى بعض الملفات ومكنني من رؤية بعضها واصبح يمارس نوعا من الابتزاز ..وفي هذا السياق شعرت كمواطن تونسي انه يجب عليّ ان افعل كل شيء لابعاد الاذى عن تونس وسمعة ثورتها واستهداف شخصيات مرموقة في الدولة بقطع النظر عن انتمائهم .
اما عن اللقاء الذي تحدث عنه المحامي الفرنسي فكان بعد ان طلب مني احدهم لقاءه وبالنسبة لي كنت اسعى الى الاتي ..السعي الى ان يكون حلا للبغدادي وان لا يكون حلا دمويا ولا ينتهك حقوق الانسان في التعذيب وان يقع اتفاق بين بلد كل شخص وايجاد حلول سلمية قضائية ويقع التركيز على مقتضيات الامن القومي لكل بلد واستقرارها وان يعيش البلدان في تناغم في ما بينهما وهذه مصلحة وطنية وامن قومي للبلدين
لماذا يهتم هذا المحامي الى هذا الحد بقضية البغدادي المحمودي؟
الاكذوبة الكبرى كانت عند قول المحامي الفرنسي انني ضغطت عليه من اجل المال وفي الواقع هو من كان يسعى لمقابلة البغدادي لاخذ شيفرات حسابات بنكية وخزائن البغدادي التي يعرفها للاستيلاء عليها .
أنا ما سعيت للضغط عليه واقدر عاليا حتى البغدادي المحمودي نفسه الذي قابل مسؤولين رسميين في ليبيا واعطاهم بعض الشيفرات للحصول على اموال دون ضغط من أي طرف وانا نصحته بان لا يترك البلد في ازمة وسعيت لان ياخذ الشعب الليبي امواله ومن يتهمني بهذا فهو «شرف لي» وليس تهمة.
هناك اطراف في تونس تطابق كلامها مع تصريحات المحامي الفرنسي ..فما هو موقفك منها ؟
احمل المسؤولية للمحامي التونسي مبروك كورشيد الذي تهور وسأتابعه قضائيا فهو اتهمني وقدمني في شكل مصاص دماء وعقدت صفقة دموية واراد النيل من الحكومة عبر هذا الافتراء والكذب العاري من الصحة سواء منه او من المحامي الفرنسي .فانا ذهبت الى ليبيا على نفقاتي الخاصة وذهبت دون اي صفة لا سياسية ولا حزبية لأتحدث مع الطرف الليبي عن الرفق في التعاطي مع هذا الملف وليس هناك من سجناء يعذبون في تونس وانا كنت في مكان البغدادي المحمودي قبل ان يدخل هو السجن وعشت منفيا فهل من المعقول على من عاش هذا ان يبرهن على رجولته امام سجين ؟.
نحن نريد بناء دولة تحترم حقوق الإنسان حتى ولو كان ظالما حتى بن علي الذي عذبني وكسر ظهري ودمر عائلتي وعذب الكثير يجب ان يحاكم محاكمة عادلة وارفض ان اظلمه وانا ارى من كسروا ظهري يجوبون الشوارع لكني رفضت المتابعة والتعويض وتعويضي الوحيد هو ان ارى تونس متوازنة وسالمة وسليمة وديمقراطية وحرة ولا يظلم فيها القوي الضعيف حتى ولو كان ظالما .
وما قاله المحامي التونسي في سياق قضية البغدادي المحمودي «دعوى مقنعة لقتلي» فعدد من كتائب القذافي موجودة في تونس لكني ابشره انني لا اخشى الموت لاني رايته سابقا وأرسلت رسالة الى الاممالمتحدة رسالة كان عنوانها «حينما يصير الموت امنية « وافقوا على اثرها تمكيني وعائلتي من اللجوء السياسي ..وحتى في المهجر أخذت اموال ابنائي لأناضل من اجل تونس ويتهمونني الآن انني اتاجر بسجين عاجز ..هذا ليس من أخلاقنا.