شهدت جلسات لجان المجلس الوطني التأسيسي وجلساته العامة عديد الصراعات مؤخرا حول عدد من الهيئات الدستورية منها والغير دستورية نظرا لاحتدام الصراع في كثير من الاحيان وهو ما يجعل عديد الأسئلة تطرح نفسها اليوم، فهل أن هذا الصراع وخاصة من قبل الاغلبية هو صراع فرض المبادئ؟ أم هو صراع من اجل بسط سلطتها أو سيطرتها على تلك الهيئات؟ وما هو مستقبل هذا الصراع؟
وقد شهدت اروقة وقاعات المجلس جدلا كبيرا حول الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاعلام ومن المنتظر أن يحتدم الجدل بعد تقديم الحكومة لمشروعها ذلك إلى جانب النقاش الكبير حول مشروع قانون الهيئة المؤقتة للقضاء العدلي ومشروع دسترة هيئة عليا للاعلام وقد تمحور المشكل الاساسي في تقديم الحكومة وكتلة الترويكا لمقترحات رأت فيها باقي الاطراف ضربا لاستقلالية تلك الهيئات.
وفي هذا الاطار انتقد كمال الجندوبي رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المنتهية مهامها، المشروع الذي تقدمت به الحكومة واعتبره مشروعا حرم الهيئة من الاستقلال الإداري اللازم باعتبار أن عملية انتداب أعضائها تتم باقتراح من مجلس الهيئة وبأمر من الحكومة.
قالوا في المشاريع
كما بين الجندوبي أن هذا المشروع يتقاطع مع التجربة السابقة وينزع عن الهيئة عدداً من الصلاحيات التي كانت تتمتع بها في السابق على الرغم من أن الهيئة الجديدة ستتعامل مع حكومة منخرطة في السباق الانتخابي.
ومن جهته اعتبر رفيق الحلواني منسق شبكة «مراقبون» أنه إذا وقع تمرير المشروع في صياغته الحالية المقترحة من طرف الحكومة الديمقراطية ستكون في خطر باعتباره «لا يوفر أدنى الشروط لتكوين هيئة مستقلة فاعتماد طريقة الأغلبية المطلقة لإختيار رئيس الهيئة والأعضاء لا يضمن حصول التوافق الواسع المطلوب للهيئة فتسمح هذه الآلية للأغلبية بفرض مرشحها دون أي عائق».
وأشار إلى أن «آليات الترشيح بالنسبة إلى الأعضاء ال16 تطرح تخوفا من المحاصصة الحزبية فهي تعتمد على معايير غير موضوعية في إطار ما نص عليه المشروع المقترح المستند إلى (مقتضيات حسن أداء الهيئة لمهامها) حسب ما ورد في الفصل الخامس أو معايير غير محددة ومضبوطة بالفصل السادس الذي اقتصر على تحديد مصطلح «الكفاءة في المجال الانتخابي» مما يسمح لأي أغلبية على مستوى المجلس التشريعي اختيار كافة أعضاء الهيئة».
وأضاف الحلواني خلال ندوة صحفية أن الفقرة الثانية من الفصل 21 ستفقد الهيئة المستقلة للانتخابات استقلاليتها وتعطي لرئاسة الحكومة القدرة على التدخل في عمل الهيئة حيث جاء فيه «تحدث على مستوى رئاسة الحكومة بمناسبة الانتخابات أو الاستفتاءات لجنة إدارية للمتابعة والتنسيق تتولى تيسير تعاون جميع الإدارات العمومية مع الهيئة المستقلة للانتخابات»، هذا إلى جانب أن الجهاز التنفيذي يفتقد الصلاحيات التقنية في المسائل الانتخابية فالفصل 26 يقتصر على وصف المهام الإدارية والمالية فقط دون تحديد الجوانب التقنية.
وفي الاتجاه ذاته اعتبر معز بوراوي رئيس جمعية «عتيد» أن إحداث هيئة عليا مستقلة للانتخابات مسألة مصيرية إذ لا يجب أن تكون الهيئة «تحت أي سيطرة سياسية» مؤكدا على أن «هذا المشروع سيمثل خطرا إذا وقع تمريره بهذه الصيغة خاصة فيما يهم تركيبة الهيئة التي ستؤسس لمنظومة انتخابية غير ديمقراطية».
الاستقلالية في خطر
وبالنسبة للهيئة العليا المستقلة للإعلام فقد انتقدت كل من الجمعية الوطنية للصحفيين الشبان التي تقدمت بمشروع في جوان الماضي اقترحت خلاله أن يقوم كل هيكل مهني بانتخاب ممثليه في جلسة عامة اختيار آلية الانتخاب من قبل المجلس الوطني التأسيسي لهيئة تشرف على قطاع من المفروض انه مستقل ولا يمكنه أن يتحمل أن تنعكس عليه التجاذبات السياسية وقد اعلنت الاطراف المتواجدة في القطاع مؤخرا عن رفضها لمقترح الانتخاب من قبل المجلس أو البرلمان.
ومن جهة اخرى تم بعد جدل كبير انهاء النقاش في مشروع قانون للهيئة الوقتية للقضاء العدلي بعد عجزه عن جمع الاصوات اللازمة ليمرر لكن كانت كتلة الترويكا باستثناء نواب من المؤتمر ومن التكتل تدعم مقترح حذف كلمة «المستقلة» من الهيئة.
وحول مستقبل الخلاف حول الهيئات قال الاستاذ عبد الرؤوف العيادي «أكيد ستحصل اشكاليات أولا بالنسبة لمسالة علاقة الهيئات بالإدارة وثانيا الاستقلالية اتصور أن النقاش سيتواصل والاغلبية ستحاول تمرير مواقفها، نحن مع الاستقلالية أما في شأن القضاء فنتمنى أن نزاوج بين امرين فالتطهير يجب أن يتم لكي يصلح القطاع لكن دون التأثير على استقلالية القضاء».
ومن جانبه قال ياسين ابراهيم المدير التنفيذي للحزب الجمهوري أن انتخاب أعضاء الهيئات من قبل المجلس التشريعي وهذا المسار الانتقالي ينتهي بانتخابات «لكن لكي يكون حولهم توافق يجب أن تتوفر فيهم الاستقلالية والحياد ولا يجب بالتالي أن يطبق مبدا الاغلبية، حتى اننا قلنا إن اللجنة إن انتخبت هكذا فيجب أن ينتخب الرئيس بالتوافق وأيضا الاعضاء قلنا ينتخبوا بالاغلبية المطلقة».
وتابع «اذا ضمنا مسألة الثلثين سنضمن الاستقلالية واتصور أن يكون هناك توازن وبالتالي لا يمر الا من تمتع بالسلوك الضامن... الصراع له مبرراته فهناك اغلبية تحاول بالطبع فرض وجهة نظرها لكن في مواضيع مصيرية للبلاد لا يمكن ذلك فهذا مستقبل البلاد والصراع سيكون في التاسيسي وفي المجتمع المدني لأنه لو تم التمسك بالمقترح ولم تفهم الأغلبية أن هاته المواضيع لا يمكن أن تمر هكذا لن نسكت، هذا الموضوع لا يمكن التساهل فيه».