النهضاويّون يبدو انهم مختلفون اليوم حول فرضيتين الاولى مفادها عدم الخضوع لشروط الاحزاب في مشاورات توسيع الائتلاف الحاكم وبالتالي حفظ كرامة الحزب الأغلبي كما يدعو لذلك شق واسع داخل الحركة والثانية مفادها الخضوع لشروط الحليفين، حزبي المؤتمر والتكتل، وشروط بقيّة الاحزاب من خلال التنازل عن الحقائب السياديّة من أجل عدم توريط النهضة في عزلة الحكم وبالتالي الوصول الى الانتخابات القادمة في حال أفضل من الوصول منهكة ومثقلة بمسؤولية الازمة الاقتصادية والاجتماعيّة كما يدعو لذلك الامين العام للحركة حمّادي الجبالي. وقبل أن يحسم النهضاويّون في هاتين الفرضيتين يواجهون في الطرف المقابل التقاء بدأ يتشكّل بين حليفيهما وبين بعض أحزاب المعارضة فهل هي بداية العزلة السياسية للنهضة؟.
تجربة فريدة ولكن...
كانت «الترويكا» تجربة فريدة من نوعها في تاريخ تونس وفي تاريخ المنطقة العربيّة فهي المرة الاولى التي يلتقي فيها إسلاميّون وعلمانيّون لتشكيل حكومة ائتلافيّة وقيادة تونس ما بعد انتفاضة شعبيّة شكّلت أنموذجا عالميّا للاحتجاج السلمي. النهضة كانت تفاخر بهذا التحالف وتعتبره نموذجا للتعايش بين الاسلاميين والعلمانيين ومثالا يمكن تسويقه لبقيّة الدول العربيّة «المهدّدة بالربيع العربي». فيما عانى حزبا التكتل والمؤتمر من هذه الخطوة فتعرّضا للأزمات الداخليّة والاهتزازات التي أدّت الى انقسام في حزب المؤتمر واستقالات في حزب التكتل. العلمانيّون الذين اختاروا التحالف مع الاسلاميين صاروا على قناعة اليوم بأنّ النهضة لا يمكنها بأيّ حال من الاحوال التخلّص منهم وانهم لا يمكن أن يخسروا أكثر ممّا خسروه بل إنّ البحث عن حلفاء جدد من شأنه أن يعزّز أماكنهم في صفوف العلمانيين خاصة وأنّ ما يجمعهم ببقيّة الاحزاب في صفوف المعارضة أكثر ممّا يجمعهم بحليفهم في الترويكا. في المقابل تقتنع حركة النهضة بأنّها قد تخسر الكثير في حال استغنت عن حليفيها وبأنها مهددة بمواجهة عزلة سياسيّة في حال التمسّك بمواقفها وعدم استجابتها لشروط حليفيها أولا ثمّ الاحزاب المرشحة لتعزيز الائتلاف ثانيا.
كما تواجه النهضة ضرورة حسم موقفها خلال هذا الاسبوع وهي المدة الزمنيّة التي منحها إيّاها حزب المؤتمر من أجل الجمهوريّة للاستجابة لشروطه للاستمرار في الائتلاف والقاضية بضرورة أن يشمل التعديل حقيبتي الخارجيّة والعدل. القول بأنّ النهضة قد تخسر الكثير في حال خسرت حليفيها وأنها ستواجه عزلة سياسيّة في حال انفرط عقد الترويكا له دلالات كثيرة أولها كمّ الملفات الذي تواجهه الحركة على المستوى الداخلي من ذلك تفاقم الازمة الاقتصاديّة والاجتماعيّة وتنامي خطر السلفيّة الجهادية والذي تلاقي الحركة صعوبة في تطويقه فحتّى تعزيز حظوظ السلفيّة العلميّة في الساحة من خلال الدعوات المتكررة للدعاة الوهابيين القادمين من الشرق واستقبالهم استقبالا رسميّا يلاقي انتقادات واسعة من قبل جميع التونسيين أحزابا ومنظمات مجتمع مدني وشخصيات وطنيّة.
ضغوطات خارجية أيضاً
وعلى المستوى الخارجي تواجه الحركة ضغطا دوليّا لتأكيد حسن نواياها وتوجّهها السياسي الضامن للديمقراطية والحريات العامة والفرديّة. كما تواجه الحركة صعوبة في إعادة تنشيط العلاقات مع الشركاء التقليديين لتونس وأبرزهم دولتا الجزائر وفرنسا فالبرود يبدو جلّيا في العلاقة التونسيةالجزائريّةوالتونسيّة الفرنسيّة بدليل أننا لا نرى دعما ماليّا جزائريا للحكومة الحالية كما لم نر الرئيس الفرنسي يزور تونس بعد. ملفّات عديدة تطرح على النهضة ضرورة التمسّك بحليفيها وبالتالي التمسك بالترويكا مع التوجّه نحو تنظيم حوار وطني دون إقصاء من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنيّة تنقذها من العزلة السياسية التي إنّ وقعت فيها ستجعل منها ضحيّة التحولات السياسية المنتظرة وربما لاحقا الصندوق الانتخابي.