عالجت الجلسة العلمية الاولى للمؤتمر العالمي الثالث عشر لمنتدى الفكر المعاصر الذي تنظمه مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات بزغوان ومؤسسة كونراد أديناور بتونسوالجزائر والتي انعقدت صباح أمس مسائل لها صلة بتكوينات الدول العربية في الفترة الممتدة من سنة 1980 الى 1987 وأجمع المتدخلون والمحاضرون ان هذه الفترة قد جسّدت حقيقة ان الحياة السياسية العربية لم تكن محكومة بمؤسسات مهيكلة وقانونية وشرعية وهو ما أدى الى تأزم أوضاع أنظمة عدد من البلدان العربية. فقد أوضح الدكتور عادل بن يوسف الاستاذ بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية بسوسة ان شخصية وسيلة بن عمار زوجة الرئيس الحبيب بورقيبة كانت الماسكة بعصب دواليب السلطة التونسية على امتداد فترة زمنية متفاوتة وهامة وانها قد تمكنت بفضل سلطانها وذكائها من ازاحة جل خصومها ومن التحكم كما تشاء في سياسات تونس الداخلية والخارجية الى حد بعيد جدا بل انها كانت تقف خلف اهم المنعطفات والمنعرجات السياسية التي عرفتها تونس طيلة العقدين الأخيرين من الحكم البورقيبي وهو الرأي الذي عارضه بشدة الوزير الاسبق السيد الطاهر بلخوجة والذي قلل من شأنه كذلك الوزير السابق البشير بن سلامة، على أن الباحث قد قدم البراهين والحجج على المكانة «الهامة» التي كانت تحتلها وسيلة بن عمار في رسم حدود وخطوط أغلب التوجهات السياسية للبلاد منذ اقترانها بالزعيم بورقيبة (انظر تفاصيل مداخلة الدكتور عادل بن يوسف). وأتى الدكتور مسعود ظاهر الاستاذ بالجامعة اللبنانية على ذكر أهم السمات التي طبعت الحكم في لبنان خلال عقد الثمانينات من القرن العشرين والتي تميزت بوصول رئيسين من أسرة الجميل الى رئاسة الجمهورية اللبنانية وهي سمات قال عنها المحاضر انها تجد جذورها في الوراثة السياسية في لبنان وقدّم الباحث سيرة الرئيس أمين الجميل كنموذج واضح الدلالة على عوامل الصعود والانحدار في تاريخ الزعامة السياسية في لبنان، وقد تضمنت مداخلة الدكتور مسعود ظاهر عدة محاور أبرزها: أضواء تاريخية على الوراثة السياسية في لبنان / أمين الجميل يرث مقعد خاله في البرلمان اللبناني / أمين الجميل يرث شقيقه بشير في رئاسة الجمهورية / رئاسة الدولة في الزمن الصعب بالاضافة الى بعض الملاحظات التي أبرزت كيف بلغت أسرة الجميل قمة الصعود سنة 1982 حين أوصلت اثنين منها الى سدة الحكم فاغتيل الاول وبات الثاني مطرودا من صفوف الحزب وهي الآن في مرحلة انحدار بعد أفول عصرها الذهبي. وعالج الدكتور محمد مجاود من الجزائر اشكالية العنف السياسي في المجتمع الجزائري والتي ادخلت البلاد في دوامة من العنف الوحشي ذهب ضحيتها على حد قوله، أزيد من 100 ألف جزائري، ويرى المحاضر ان العنف السياسي ظهر في الجزائر منذ الاستقلال وان عدم الوصول الى الوفاق بين التوجهات المختلفة أدّت الى تأزم الوضع السياسي في البلاد وفتح المجال الى وقوع تصادمات عنيفة من أجل السلطة، ويؤكد المحاضر ان مسألة العنف في الجزائر تجلت في الواقع كأداة مألوفة في الممارسات السياسية وقد تشخصت في عدة اغتيالات منذ الاستقلال السياسي سواء بهدف الوصول الى الحكم او المحافظة عليه وتطرق المحاضر بالتفصيل الى تحديد مكونات الشرعية التي اعتمد عليها نظام الحكم منذ الاستقلال وكيف بدأت تتلاشى مع مطلع التسعينات عندما اصبحت غير قادرة على المحافظة على الاستقرار الاجتماعي والامن المدني. وكان الاستاذ عبد الجليل التميمي قد ابرز في افتتاح المؤتمر أهمية تنظيم مثل هذه الملتقيات التي قال أنها أبعد ما تكون عن التوظيف السياسي الرخيص وتوقف عند ضرورة منح الباحثين احقية معالجة كل الملفات وبتحرير البحث التاريخي كاملا ورفع الرقابة بما يمكن من رصد ملامح بناء الدولة المغاربية والعربية الحديثة، وأشار الاستاذ التميمي الى ان ما حصل في فجر السابع من نوفمبر شكل بشهادة الجميع تحولات تاريخيا ارجع الهيبة والمكانة للدولة التونسية ووقف حائلا دون تردّي الصورة البائسة التي أصبح عليها الرئيس بورقيبة بان الدولة وقال... بل ان هذا التحول قد حافظ على انسانيته واحترام نضاله وجهاده لبناء الدولة الوطنية منذ الاستقلال... في وقت كانت فيه البلاد عرضة لزلزال اجتماعي خطير جدا... ومن هنا جاءت أهمية دراسة أواخر الحكم البورقيبي كنموذج للمشهد البائس الذي تكرر في عدد من البلدان العربية. ومن جهته أشاد السيد هاردي استراي مدير مؤسسة كونراد ادينا بتونسوالجزائر بالمؤتمر وبالاضافات التي من المنتظر ان يحققها في مجال دعم البحث الأكاديمي المتعلق بمسيرة بناء الدولة العربية الحديثة على اعتبار وحدة المسار في تاريخ مجمل هذه الدول.