ايداع 9 من عناصرها السجن.. تفكيك شبكة معقدة وخطيرة مختصة في تنظيم عمليات "الحرقة"    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    حالة الطقس لهذه الليلة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    مشروع المسلخ البلدي العصري بسليانة معطّل ...التفاصيل    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    الكاف: قاعة الكوفيد ملقاة على الطريق    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في غزوة خيبر (4 +5+6)
نشر في الحوار نت يوم 14 - 08 - 2011


قراءة في غزوة خيبر (4)
دعاء الرسول لأبي اليسر
قال :أبو اليسر كعب بن عمرو: والله إنا لمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر ذات عشية ، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ، ونحن محاصروهم . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من رجل يطعمنا من هذه الغنم ؟ قال أبو اليسر : فقلت : أنا يا رسول الله قال : فافعل ؛ قال : فخرجت أشتد مثل الظليم ( ذكر النعام) ، فلما نظر إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موليا قال : اللهم أمتعنا به قال : فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن ، فأخذت شاتين من أخراها ، فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد ، كأنه ليس معي شيء ، حتى ألقيتهما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذبحوهما ، فأكلوهما ، فكان أبو اليسر من آخر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هلاكا فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال : أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من آخرهم هلكا .
صفية أم المؤمنين
لما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصفية بنت حيي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما بلال ، وهو الذي جاء بهما على قتلى من قتلى يهود ؛ فلما رأتهم التي مع صفية صاحت . وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها ؛ فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أعزبوا عني هذه الشيطانة . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلال ، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى : أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ؟ وأمر بصفية فحيزت خلفه . وألقى عليها رداءه ؛ فعرف المسلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد اصطفاها لنفسه .
وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، أن قمرا وقع حجرها . فعرضت رؤياها على زوجها ؟ فقال : ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمدا ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها . فأتي بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبها أثر منه ، فسألها ما هو ؟ فأخبرته هذا الخبر .
عقوبة كنانة بن الربيع
وأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه . فجحد أن يكون يعرف مكانه ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل من يهود ، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكنانة أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ؟ قال : نعم . فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه ، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزبير بن العوام ، فقال : عذبه حتى تستأصل ما عنده فكان الزبير يقدح بزند في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة .
مصالحة الرسول أهل خيبر
وحاصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد حاز الأموال كلها : الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان من ذينك الحصنين .
فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا ، بعثوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونه أن يسيرهم ، وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل . وكان فيمن مشى بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود ، أخو بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك ، سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا : نحن أعلم بها منكم ، وأعمر لها ؛ فصالحهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ؛ فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئا بين المسلمين ، وكانت فدك خالصة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب .
أمر الشاة المسمومة
فلما اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية ، وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقيل لها : الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت : بها ؛ فلما وضعتها بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تناول الذراع ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فأما بشر فأساغها ؛ وأما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها ، ثم قال : إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ثم دعا بها ، فاعترفت ؛ فقال : ما حملك على ذلك ؟ قال : بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت : إن كان ملكا استرحت منه ، وإن كان نبيا فسيخبر ، قال : فتجاوز عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومات بشر من أكلته التي أكل .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد قال في مرضه الذي توفي فيه ، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده : يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر قال : فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مات شهيدا ، مع ما أكرمه الله به من النبوة
إضاءة :
قد يتساءل أحدنا ، كيف تقترب الأغنام بثغائها وعددها الملفت من الحصن ولا ينتبه المسلمون إليها ابتداءً ، وكيف يجرؤ الرعيان أن يخرجوا من الحصن وهو محاصر ثم يعودون مع أغنامهم وكأن شيئاً لم يكن؟ وأين حرس المسلمين ومقدمتهم؟ وكيف تغيب هذه الأغنام عن عيون المسلمين وهم يحاصرون الحصن ، ثم ينفتل أبو اليسر خلسة فيدخل بين حرس اليهود ورعيانهم ليقتنص شاتين ، وكيف يرضى المسلمون أن يأكلوا شيئاً مسروقاً أو مختلسَاً ؟ ولماذا لم يهجموا فيأخذوا القطيع كله وقد كان بين أيديهم؟ هذه الأسئلة تخطر في الذهن وتتطلب الإجابة قبل التعليق على هذه الحادثة...
الملاحظ من المقدمة أن المسلمين بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يحاصرون أحد الحصون في يوم من أيام الحصار الذي امتد أياماً طويلة والحصار بين مدّ وجزر ، فمرة يهاجمون الحصن ومرة يبتعدون عنه ، وتارة يشتد الحصار وتارة تهدأ الأمور ، وبين هذا وذاك يغتنم الطرفان فرصة تغيب عن الطرف الآخر ، ولعل الرعاة بغنمهم كانوا قبل مباغتة المسلمين في مرعى من المراعي البعيدة أو القريبة ، فلما علموا أن المسلمين على أبواب حصنهم تخفوا في مغارة أو كنف جبل قريب أو كهف ، فلما وجدوا سانحة للدخول إلى الحصن في ابتعاد المسلمين أسرعوا إلى الحصن فرأى المسلمون آخرها يدخل الحصن ، ولم يكن من السهل الهجوم لوجود حرس منتبه ، وهنا يمكن للفرد أن يلج بسرعة واليهود يظنونه – وهو مقبل وحده – فرداً منهم فلا يأبهون له ، فيحمل واحدة أو اثنتين ويغيب بسرعة من بين الرعاة والحرس قبل أن ينتبهوا له . وهذا يُعتبر اختباراً لمهارة المقاتل وشجاعته وحسن تصرفه وتشجيعاً له على المغامرة والتصرف البدهي الإيجابي .
ولأن القوم في حرب فليس الأمر سلباً ولا سرقة وإنما هو غنيمة يغنمها من العدو ونقطة تحسب له في المعركة وتعتبر نكاية بعدوّهم ، كما أن المسلمين وهم في حالة الهجوم لا يودون أن يكون معهم ما يثقل تحركهم ، فلو أخذوا القطيع لأضعف الاعتناء به من حركتهم وصرف جزءاً من اهتمامهم بالحرب إلى ما هم بغنى عنه ولا حاجة لهم به. وانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم " من رجل يطعمنا من هذه الغنم " فهو تدريب ليس إلاّ ، وتحفيز للهمم ، وبذر للتنافس والسباق إلى تنفيذ الأوامر وروعة الجندية .
والجميل في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حين رآه ينطلق بسرعة كالظليم نحو القطيع لا يهاب من يخطِر بينهم ولا يهتم لهم ، وهذه قمة الشجاعة والثقة بالنفس " اللهم متعنا به" احفظه يارب وأعده سالماً غانماً ، فقد حمل الشاتين بقوة وعاد بهما بخفة ورشاقة كأنه لا يحمل شيئاً .. هذا الدعاء من القائد لأحد جنوده دليلٌ على حبه إياهم وهم يبادلونه حباً ، وحين تكون العلاقة بين الرئيس والمرءوس قائمة على العطف والحب والمودة فاعلم أن هذا الجيش منتصر وأنه سيصل إلى هدفه لا ريب. وعاش أبو ياسر طويلاً ببركة دعاء المصطفى له صلى الله عليه وسلم. وتصور شوق هذا الصحابي للنبي صلى الله عليه وسلم ولصحبه الكرام ، فهو يقص ما جرى وهو يبكي لطول عمره ورغبته لقاءَ الأحبة محمداً وصحبه.
صفية رضي الله عنها ترى - لحسن طالعها - قمراً وقع في حجرها ، وكانت عروساً عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، فتذكر هذا الحلم لزوجها ، فيصفعها فتخضر عينها ويؤوله برسول الله صلى الله عليه وسلم ، صدق تأويله ليصيب الخيرُ صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها وتكون زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم . وكان زواجها خيراً لها ولكثير من قومها اليهود الذين أسلموا وحسن إسلامهم . فقد سباها المسلمون ورآها النبي صلى الله عليه وسلم فاصطفاها لنفسه ، وأكرمها إذ جعل عتقَها مهرها.
من التصرف الحسن أن يراعي القوم أفئدة النساء والصغار ، فلا يرينَ النساءُ ما يسوءهنّ ، وقد يخطئ أحدنا فيتصرف بما لا يناسب فتبكي النساء لأنهن لا يتحملن ، وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيراً فقال : " اتقوا الله في النساء " لقد أخطأ بلال حين مرّ بامرأة من اليهود على قتلاها فصاحت وبكت واستعبرت ، فنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن إيذائهنّ في رؤية ما يكرهْنَ .
من أساليب العرب كلمات لا يُقصد بها التشنيع أو الدعاء السيء أو الإهانة ، ولكنها تخرج لمعان التعجب أو الاستعظام أو الكره ... ، كأن يقول أحدنا للآخر متعجباً من فعله " لا أبالك" فهو لا يدعو عليه باليتم . وكذلك قد يقول له :" قاتلك الله " وهي ليست دعاء عليه بل استنكارٌ أو تعجبٌ من فعل ، وكذلك " كذبْتَ " بمعنى أخطأتَ . ومن هذه الكلمات ما قاله النبي حين سمع صوت المرأة اليهودية وصريخها " أعزبوا عني هذه الشيطانة " فصياحها وولولتها الشديدان المهيّجان بعد الهدوء والسكون غير مناسبين ، فتصرفت بفطرتها الأنثوية صارخة . والدليل على رحمة النبي بالإنسان الضعيف قوله لبلال:" : أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين على قتلى رجالهما ؟
الاستعانة بالآخرين للوصول إلى الهدف مطلوب ، فقد استعان الرسول بيهودي لمّاح رأى كنانة يكثر الطواف بخربة فعلم أنه يخبئ فيها كنزه الذي يسأل عنه المسلمون ، كما أننا نجد الوضوح في المفاوضة في قوله صلى الله عليه وسلم " أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ؟ قال : نعم . " وكان على الرجل الواعي لو وجد منفذاً من الموت أو القتل أن يغتنمه خاصة أن ما ينكره لن يفيده لأنه فقده حين صار أسيراً أولاً ، ولأنّ خسرانَ شيء أنفع من خسران كل شيء ثانياً . ولأن خصمه الذي لا يريد به شراً قد اقترب من هدفه ثالثاً ، ولعل القارئ يعود إلى مقطع " عقوبة كنانة بن الربيع " ليرى العناد الخاسر الذي قاد إلى تعذيبه ثم إلى قتله.
راهن كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق رهاناً خاسراً حين لم يقدر الأمور بقدرها ،وأقر موافقاً على قتله ، فقدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة يضرب عنقه بأخيه محمود الذي ألقي عليه الرحى فمات متأثراً بعد ثلاثة أيام من الحادثة . وأقر الله عينه حين قطعت عنق رامي الرحى قبل أن يسلم محمود الروح إلى بارئها . ولعل كنانة لو كان لبيباً ولم يراهن الرهان الخاسر لم يقتل ، ولعلي أزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد محمد بن مسلمة حين أسلمه سيّدَ الحصن ، فكان أن ثأر لأخيه أولاً ، وكوفئ لشجاعته ثانياً ، وأزكى روح التنافس بين المجاهدين ثالثاً .
كان يهود خيبر في نهايتهم ثلاثة أقسام أما القسم الأول :
فأهل الحصون التي فتحت قتالاً ، فقد أسِر رجالهم وقتل الكثير منهم وسبيت نساؤهم وأبناؤهم .
والقسم الثاني حوصروا وقوتلوا فاستسلموا دون أن يُفتح حصناهم ( الوطيح والسلالم ) ونزلوا على الذلّ شرط أن يدعهم رسول الله يسيرون وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال فكان هذان الحصنان مع غيرهما فيئاً للمسلمين ،
والقسم الثالث هم أهل فدك لم يحاربوا السلمين وفعلوا ما فعله أهل الحصنين ( الوطيح والسلالم) فكانت فدك فيئاً لرسول الله دون المسلمين ، لكنّهم اتفقوا مع رسول الله أن يظلوا في حصونهم يعملون ( مرابعين ) لهم نصف ثمار خيبر عملاً وأجرة لا ملكاً ، فلرسول ِ الله والمسلمين أن يخرجوهم متى شاءوا .
وهكذا آلت خيبر بعد الغزوة ، فكان الجهاد في سبيل الله إعلاء للحق ونصراً للإسلام وشوكة وقوة ، وسار المسلمون في العهد الأول للخلافة على هذا المنوال.
وخط القائد الفذ صلوات الله وسلامه عليه أسلوباً عملياً حين ترَكَ للعامل الماهر غير المسلم أن يبقى في عمله للفائدة المرجوة من خبرته إلى أن يأخذ مكانه المسلمُ الذي مَهَرَ في العمل وأتقنه. ، وجدير بنا أن نتفهم قول عمر لأبي موسى الأشعري في العراق حين أمره أن يعفي المجوسي أو اليهودي من عمله واعترض أبو موسى بسبب مهارته ( مات المجوسي) .
وينبغي أن يعلم المسلمون أن اليهود مخادعون ولو أظهروا اللطف في حال الضعف ، فالله تعالى يحذرنا منهم ومن مكرهم في مواقع كثيرة في كتابه الكريم، وقد سممت اليهودية الشاة التي أهدتها لرسول الله وزاد في مكرها أنها حين سممت اللحم أكثرت السمَّ في أحب أنواع اللحم له صلى الله عليه وسلم ( الذراع). ولولا لطف الله تعالى لانتهى أجله ،
وهنا نعلم أن الله يحفظ عباده الصالحين ويكلؤهم برعايته ويبطل مكر الماكرين فقد أخبره جبريل أن الشاة مسمومة فامتنع عن الأكل . زكذلك يهيئ للصالحين النجاة والفوز على غيرهم.
ولا بد من القصاص ، وهذا مبدأ ثابت كي يحسب المجرم ألف حساب قبل أن يقدم على فعلته الشائنة ، فلما مات بشر بن البراء قتلتِ المرأة به .
لا تنطلي الأحابيل على المسلم ولا يغشه اللينُ في الكلام ولا معسوله. إذ لم ينفع المرأة حين سئلت عن سبب تسميم الشاة ، فادّعت أنها كانت تريد التأكد من نبوة الحبيب محمد ( لو كان نبياً أنقذه ربه ، ولو كان غير ذلك تخلصنا منه ) لم ينفعها ذلك من القصاص العادل .
وأخيراً يرى العلماء أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين احتضر شعر أن أبهره انقطع ، فكأن السم بقي في جسده لا يضره إلى أن حان أجله ففتك به ، وبهذا نال درجة الشهادة إلى درجة النبوّة . وهم بذلك يعظمون من شأن الشهادة ومكانة الشهيد .
قراءة في غزوة خيبر-5
عن أبي هريرة ، قال : لما انصرفنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ، ومع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلام له ، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي . فوالله إنه ليضع رحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أتاه سهمُ غَرَبٍ (لا يُدرى من رماه) فأصابه فقتله ؛ فقلنا : هنيئا له الجنة ؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كلا ، والذي نفس محمد بيده ، إن شَمْلته(كساءه) الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر قال : فسمعها رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتاه فقال : يا رسول الله ، أصبت شراكين لنعلين لي ؛ قال : فقال : يُقدُّ لك مثلهما من النار .
ابن مغفل وجراب شحم أصابه
وعن عبد الله بن مغفل المزني ، قال : أصبت من فيء خيبر جراب( كيس) شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي . قال : فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال : هلم هذا نقسمه بين المسلمين ؛ قال : قلت : لا والله لا أعطيكه ؛ قال : فجعل يجابذني الجراب . فرآنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نصنع ذلك . قال : فتبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضاحكا ، ثم قال لصاحب المغانم : لا أبا لك ، خل بينه وبينه قال : فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي ، فأكلناه .
بناء الرسول بصفية وحراسة أبي أيوب للقبة ]
لما أعرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصفية . بخيبر أو ببعض الطريق ، جمّلتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان أم أنس بن مالك . فبات بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قبة له . وبات أبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار متوشحا سيفه ، يحرس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويطيف بالقبة ، حتى أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى مكانه قال : ما لك يا أبا أيوب ؟ قال : يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلتَ أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك . قال : اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني.
تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه
لما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر فكان ببعض الطريق ، قال من آخر الليل : من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام قال بلال : أنا يا رسول الله أحفظه عليك . فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونزل الناس فناموا ، وقام بلال يصلي ، فصلى ما شاء الله - عز وجل - أن يصلي . ثم استند إلى بعيره . واستقبل الفجر يرمقه ، فغلبته عينه ، فنام ، فلم يوقظهم إلا مس الشمس .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أول أصحابه هبَّ ، فقال : ماذا صنعت بنا يا بلال ؟ قال : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ؛ قال : صدقت ؛ ثم اقتاد رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعيره غير كثير ، ثم أناخ فتوضأ ، وتوضأ الناس ، ثم أمر بلالا فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس فلما سلم أقبل على الناس فقال : إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : وأقم الصلاة لذكري . .
شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية .
شهد خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء من نساء المسلمين ، فرضخ لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم .
عن امرأة من بني غفار قالت : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسوة من بني غفار ، فقلنا : يا رسول الله ، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا ، وهو يسير إلى خيبر ، فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؛ فقال : على بركة الله . قالت : فخرجنا معه ، وكنت جارية حدثة ، فأردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على حقيبة رحله . قالت : فوالله لنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصبح وأناخ ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني ، وكانت أول حيضة حضتها ، قالت : فتقبضت إلى الناقة واستحييت ؛ فلما رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بي ورأى الدم ، قال : ما لك ؟ لعلك نفست قالت : قلت : نعم ؛ قال : فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، فاطرحي فيه ملحا ، ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك .
قالت : فلما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر ، رضخ لنا من الفيء( والضخ : العطاء ليس بالكثير) وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها ، وعلقها بيده في عنقي ، فوالله لا تفارقني أبدا . قالت : فكانت في عنقها حتى ماتت ، ثم أوصت أن تدفن معها . قالت : وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحا ، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت .
إضاءة:
1- ينبغي أن يكون الجهاد خالصاً له سبحانه كي يصل المسلم إلى هدفه الدنيوي ( النصر ) وهدفه الأخرويّ ( الجنة ) ويجب كذلك أن يتقي الله في سره وعلنه ( وأستغفر الله من كل زلل فإنني أشعر بالخجل من نفسي والحياء من ربي حين أقول ما لا أفعل ،واسأل الله العفو والغفران ). فهذا رفاعة الجذامي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعيش مع خير الخلق وضعفت نفسه فغلّ شملته التي يلتف بها من أرض المعركة ، ولم يشفع له جهاده في هذه الغزوة أن ينجو من العقاب فيقرر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لسرقته الكسوة هذه دخل النار والعياذ بالله . وينتبه أحد المسلمين لمقولة النبي وكان قد أخذ أنشوطتين لنعليه من فيء المسلمين دون أن تُقسم له فيحذره النبي صلى الله عليه وسلم بكل وضوح أنه سيلقى مثلهما في النار. " يُقدُّ لك مثلهما من النار " فيعيدهما لساعته . وقدّرْ ثمن الأنشوطتين اللتين غلّهما هذا المجاهد ، وتصوّرْ ما نتهاون فيه - معشر المسلمين - من أخذ ما ليس لنا بحق ، ووسِّعِ الدائرة بعد هذا لتشملَ كل السرقات التي يعيش فيها أفرادنا ومجتمعُنا في المؤسسات والشركات والمديريات والوزارات وو... ولا حول ولا قوة إلا بالله
2- فإذا انتقلنا إلى جِراب ابن مغفل نسقط ما قررناه في الإضاءة الأولى نجد القصة نفسها تختلف قليلاً ضمن الدائرة نفسها ، فابن مغفل يأخذ للجميع لا لنفسه كيس الشحم للأكل من جوع وحاجة ، وابن مغفل لا يغله بمعنى التفرّد به والاحتفاظ به لنفسه إنما هو حاجة آنيّة سريعة له وللمجموعة التي يقاتل معها ، ويصر على منعه صاحبُ المغانم ويأبى حاملُه الانصياعَ له ، ويتجاذبان ، ويرى القائد ويسمع، ويقدّرالموقف ، فيأمر الرجل أن يتركه مرجحاً موقف ابن مغفل بقوله " لا أبا لك ، خل بينه وبينه" ولو كانت هذه الحالة غَلاّ لما كان ما كان . ويعضد هذا الموقف عدم الاقتصاص من السارقين في عام المجاعة على عهد الفاروق رضي الله عنه . ونحن نحتاج إلى (فقه المقاصد) في فهم الحياة .
3- يُعرِّس رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب في طريقه إلى المدينة المنوّرة . ولعلنا نستفيد من زواجه منها أموراً دعوية كثيرة منها :
أ‌- إكرام الكريم ، فلا تكون السبية بنت رئيس القوم إلا عند رئيس القوم .
ب‌- أسلم بإكرامها عديد من قومها ، ونالوا حريتهم وحَسُنَ إسلامُهم ، والإسلام حريص على هذا.
ت‌- يجب أن تستمر الحياة كما ينبغي ، فلا يمنعنّ الجهاد والقتال من ممارسة الحياة والتمتع بمباهجها ، والدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة .
ث‌- من السنة أن يدخل الرجل على المرأة متزينة فلا يرى منها ما يسوءها وينفر منها .
ج‌- الحذر مطلوب على الرغم أن الله تعالى عصم نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأبو أيوب خاف على النبي صلى الله عليه وسلم أن تغدر به صفية لأنه صلى الله عليه وسلم قتل أباها وزوجها ، ولعلها تثأر لهما منه كما اجتهد أبو أيوب رضي الله عنه وأرضاه.
ح‌- حب الصحابة رضي الله عنهم نبيّهم الكريم واضح في فعل أبي أيوب ، والحب يولّد الرغبة في الحفاظ على المحبوب والعمل على صونه وخدمته .
خ‌- الرسول صلى الله عليه وسلم يحفظ لصاحبه هذا الاهتمام ويبادله إكراماً ودعاء " اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني " تناغم رائع بين الرئيس والمرءوس.
4- السفر في الليل آمنُ للمسافر من العيون المترصدة وأفضل للجسم من السير في النهار تحت أشعة الشمس والتعرق والإجهاد ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يواصل السفر في الليل أحياناً ، ويقول: " من خاف أدلج ، ومن أدلج بلغ المنزل "
5- الاهتمام بالصلاة على وقتها من الشمائل المطلوبة ، والمسلمون في سفرهم متعبون ، ولعلهم إن ناموا أن يأخذهم الإرهاق عن صلاة الفجر في وقتها ، ولا بد من منبه لهم فكان بلال رضي الله عنه من تبرّع أن يظلّ متيقظاً يحرس الفجر وينتظر وقته ليوقظ النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين . وبلال مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم ذو الصوت الشجي الذي أذن فوق الكعبة إيذاناً بتجلي هذا الأذانُ في ذلك المكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
6- ينام الناس ويقف بلال يصلي الليل ، فلا يضيعه في تفاهات الأمور كما يفعل بعضنا اليوم من لعب بالورق ومتابعة للمسلسلات الفاسدة والسهر في الغيبة والنميمة ، فإذا بالليل ينقلب نهاراً والنهار ينقلب ليلاً . فإذا ما تعب استند إلى بعيره فجاء النومُ يغلبه ، وهذا دليل ضعف الإنسان ، ويقدِّرُ الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أول من يستيقظ على أشعة الشمس ، وبلال نائم .
7- أقرأ قول الله تعالى في مدح الحبيب محمد " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم " فأسمعُ تصديق هذا حين يقول لبلال بصوت لطيف ليس فيه تأنيب ولا لوم ، يسمعه قلبي على بعد مئات السنين الفائتة " ماذا صنعت بنا بابلال ؟ فيجيب بمنطق فيه عقل وقلب : يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ، فلا يعلق المصطف المعلم إلا بكلمة واحدة " صدقتَ " فما يقول بلال حق ، وينطلق إلى مكان قريب يجهز فيه نفسه للصلاة ويتبعه المسلمون يبدتئون يومهم بالصلاة ويختتمونه بها ، لا بالشعارات الجوفاء والكلمات الطنانة. وإذا بالدين يسر والحياة سهل والقاعدة الشرعية الحيوية تقول : " إذا نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول" : وأقم الصلاة لذكري "
8- للمرأة دور في الحياة سلماً وحرباً ،فهي شقيقة الرجل وقسيمه ، ونراهنّ يخرجن معه في غزوته هذه يداوين الجرحى ويُعِنّ المسلمين بما استطعن ، وينظر النبي إلى صغيرة منهنّ فيردفها خلفه على بعيره ، ولأنه الرحيم بالمرأة والصغير ومعلمُ الناس الخير شاء الله تعالى أن تحيض الفتاة فيصيب الدم حقيبة الرحل وتستحيي ، فإذا بالرحيم العطوف يعلمها كيف تتخلص من آثار الدم بالماء والملح وتنظف نفسها وتزيل آثارها وكأن شيئاً لم يكن . لم يعنّفها ولم يصرخ في وجهها . ثم ينضحها بعض العطاء فترضى ، ويعلق قلادة في عنقها لا تفارقها أبداً حتى في قبرها. ولإعجابها الشديد بأخلاق القائد العظيم تلتزم وصيته حتى آخر حياتها . أرأيت ما يفعل الخُلُق الحسنُ؟ " وإنك لعلى خلق عظيم " .
------------------------------------------------------------------------






قراءة في غزوة خيبر-6
إسلام الأسود الراعي واستشهاده
أتى الأسود الراعي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيرا لرجل من يهود ، فقال : يا رسول الله ، اعرض علي الإسلام ، فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحقرُ أحدا أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال : يا رسول الله ، إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ قال : اضرب في وجوهها ، فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال - فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال : ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبدا ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقا يسوقها حتى دخلت الحصن .
ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ؛ فأتي به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه . فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ؟ قال : إن معه الآن زوجتيه من الحور العين . والشهيد إذا ما أصيب تدلت ( له ) زوجتاه من الحور العين عليه ، تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان : ترّب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك .




إضاءة:
1- قد يكون المرء البسيط أعقل من سيده وأقدر على الفهم ، لأنه يحمل قلباً سليماً وفكراً سديدا ، ولعل الغني المتبلد الإحساس تنطبق عليه الآية الكريمة " إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى" وقد يصيبه الغرور والكِبر فلا يستطيع تمييز الحق والباطل أو هو لا يريد ذلك ويود أن يبقى منغمساً في ملذاته وكبره إلى أن يرى ما لا يسره فيندم ، ولات حين مندم.
2- يسمع الأسود الراعي برسول الله صلى الله عليه وسلم يحمل رسالة عالمية للإنسان فيقبل عليه يسأله عن هذه الرسالة ، فيقدمها له على طبق من نور ، ولا يتكبر أن يحدث راعياً فهو رسول الله لكل فئات البشر كبيرهم وصغيرهم ،غنيهم وفقيرهم ،ذكرهم وأنثاهم ،أبيضهم وأسودهم .وقد كان أغلب اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء المساكين ، وقد قال له المشركون : لا نقعد مع هؤلاء ، فاجعل لنا يوماً أو مجلساً واجعل لهم يوماً أو مجلساً . فنبهه القرآن الكريم إلى الإحسان إلى هؤلاء الفقراء : " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ولا تَعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ، ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فُرُطاً " .
3- أداء الأمانة من صلب تعاليم الإسلام . فحين أسلم الراعي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ، إني كنت أجيرا لصاحب هذه الغنم وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ؟ كان جوابه صلى الله عليه وسلم تعليماً للراعي وتدريباً على حفظ الأمانة وعدم تضييعها . لقد كان أميناً وهو كافر ، فلْيكن أكثر تشبثاً بحفظ الأمانة وهو مسلم وأمَرَه أن يؤدي الأمانة إلى صاحبها
4- ولأنه أسلم ورغب أن يوصل الأمانة إلى صاحبها دون أن يلقاه - فيسأله السبب في ترك العمل عنده ، ولربما ناله السوء منه فقتله أو عذبه أو سجنه – باح بمكنون نفسه للنبي المعلم فكان جوابه إحدى المعجزات التي أجراها الله تعالى على يديه فقال له : اضرب في وجوهها ، فإنها سترجع إلى ربها . وقد آمن به الراعي وصدّقه في عقيدته ومجرى حياته أفلا يسمع لقوله ويعمل به؟ أخذ حفنة من حصى فضرب بها وجهها فانطلقت إلى صاحبها مجتمعة كأنها يسوقها سائق .
5- ونلحظ أن المسلم حين يرى نفسه في مجتمعه الأصيل وبين إخوانه لا يفضل أحداً عليهم ، فهو منهم وهم منه . إنه حين أسلم رأى نفسه في مرآة إخوته المسلمين فالتزمهم مجتمعاً وحياة وعملاً . كان في معسكر الشرك والكفر فانتمى لمعسكر الإيمان والتوحيد ، ورأى نفسه جندياً في جيش المسلمين يقاتل معهم تحت رايتهم ويأرز إليهم ، إنه معهم كالبنيان المرصوص يشد بعضُه بعضاً .
6- يتقدم الراعي بعد قليل إلى الحصن يقاتل اليهود . كان قبل زمن يسير منهم فصار في الإيمان ضدهم " إنما المؤمنون إخوة " . ينخرط في صفوف المجاهدين ويقاتل معهم عدوّهم ، وتكتب له الشهادة ، فيُقتل ولم يصلِّ لله ركعة واحدة . ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى" وينال الجنة سريعاً وتستقبله زوجتاه من الحور العين تسرّيان عنه وتحتفيان به.
7- من الحياء أن يغض المرء طرفه عما ليس له . ففي المعراج يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة لعساء تعجبه ، فيقول : لمن هذه ؟ فيُقال : إنها لعمر بن الخطاب فيبعد نظره عنها ، متمثلاً بقوله تعالى: " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" , وهنا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظر إلى هذا المسلم الجديد بإسلامه والسريع بشهادته. ثم يعرض عنه لأن معه زوجتيه من الحور العين تنفضان التراب عنه وتدعوان على قاتله. وتملّ قوله صلى الله عليه وسلم " تدلّت له زوجتاه من الحور العين " والتدلي سرعة الحضور والرغبة فيه تحملان الشوق والحب لزوجهما الذي انتظرتاه بفارغ الصبر .
8- ومن المواقف التي تسترعي الانتباه وتستدعي الإعجاب سرعة بديهة أصحاب رسول الله الذين يتابعون كل صغيرة وكبيرة وشاردة وواردة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن كل ما يبدر منه أو يفعله ، فقالوا : يا رسول الله ، لم أعرضت عنه؟ أأعرضْتَ رغبة عنه ؟ فيا ويله إذاً ! أم هناك أمر يراه الرسول صلى الله عليه وسلم وهم لا يرونه ويودّون أن يعرفوه ليفيدوا منه ، ولينقلوه لمن بعدهم من الأمم . وبهذه المتابعة اللماحة لنبيهم ، وبهذا الاهتمام البالغ بما يفعله استحقوا أن يكونوا سادة الأمم ، ففتحوا الفتوح ، وسادوا العالم وكانوا المشعل الوقّاد على مرّ الدهور وكرّ العصور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.