( النرويج) صبي صغير لم يتجاوز سن السابعة. ابتلاه الله تعالى بمرض ما، مما جعله يفقد نسبة عالية من نظره. لم يجد في موطنه العناية المطلوبة. و لم يحظ بأدنى ما يتطلبه الحال، فاحتار الأب و هو يرى فلذة كبده يتهدّده الخطر. جمع ما يمكن جمعه و هو قليل، و دعا الله السداد، وسلك الطريق ليصل بأفراد عائلته إلى البلد الذي أحسن فيه الظن. من موطن الكنانة إلى النرويج. استُقبل على قاعدة قيمة الانسان التي تتوزع بالتساوي بين الجميع. لم يُمنح بعد حق الاقامة القانونية، و لكنه مُنح الرعاية و العناية التي تستوجبها وضعيته. أُدخل الصبي إلى المدرسة كأي صبي بلغ سن الدراسة. لم يُنظر إليه كونه من عالم آخر، من ثقافة آخرى، من ديانة مغايرة، أو ليست له إقامة قانونية في البلد. نُظر إليه كونه "مُستجير" من المرض و الخساسة و "الحُقرة". نُظر إليه كؤنه صبي بلغ سن الدراسة، و حقوق الأطفال مُقدّمة على "الخصوصيات" الثفافية و الدينية. دخل "عم يوسف" المدرسة، و الجميع يعلم حاجياته، و ما تتطلبه وضعيته من عناية خاصة. نظرت جميع الجهات المسؤولة عنه في حاجياته. فجُهّزت القاعة بطاولة خاصة، تحمل شاشة خاصة و آلة مسح لتُخرج ل"عم يوسف" الحروف و صفحات الكتاب بالقدر المناسب له، ليتمتّع بحق التعليم كبقية الأصحاء و هو سليم من الأسقام النفسية. كنت من المتابعين لحالته منذ بداية السنة الدراسية و لاحظت فرحه الشديد، و تبيّنت الفرق النوعي الذي أحدثته هذه الرعاية. في اجتماع أخير للجنة التي تتابع وضعية "عم يوسف" في المدرسة و بحضور أبيه، طلب مني الأب أن أُوجّه للجميع رسالة شكر على لسانه، و أحسست ب"غصّة" في كلامه : رجاء أبلغهم شكري واحد واحد، فهو لم يجد أبسط الرعاية في بلده و وجده من طرفكم... فهل يعي دعاة الكراهية و مشوّهي صورة الاسلام بأن قيمة الانسان هي التي أعلاها الاسلام. و بأن في مجال العلاقات، السماحة هي المطلوبة و الله سبحانه و تعالى سيحاسبنا على التدرج فيها خُلقا و سلوكا يوميا. و تزامنت هذه الحادثة مع مطالعتي لكتاب " إشكالية الإعذار بالجهل في البحث العقدي" و الذي يؤكّد فيه صاحبه على أن عددا من العلماء المحققين يقولون بهذه القاعدة من أمثال : ابن حزم و ابن العربي و القاضي عياض و ابن تيمية و الذهبي.. و كما يُشير الباحث أن هذه القاعدة تقوم على أصلين كليين و هما : 1. أنه لا تكليف على العباد إلا بالشرع المنزل 2. أن الشرع المنزل لا يلزم الجاهل به فتأملت في الحال و المقام. و نبّهني خاطري إلى أن الجهل لا يعني فقط عدم بلوغ الحجّة. و لكن ربما يكون التبليغ هو أداة الحجب. و يكون السلوك مُحجبا عن نفاذ الحق في القلوب و العقول. فكيف يستسيغ البعض توزيع "الكفر و الايمان" بين الناس و هم بسلوكهم يحجبون عن الحق؟.. و السؤال الذي يُلجمنا هو أنه إذا كان الاسلام بهذه الصورة الناصعة التي تقولون عنها، فلماذا حال المسلمين على درجة من "السوء" كالتي نرى بأم أعيننا؟ هل المشكلة في الاسلام؟ تقولون لا. أم المشكلة في الفهم و التنزيل؟ يعني أنكم من تدّعون حمل الاسلام لا تفهمونه و لا تطبقونه ! فلماذا تدعوننا إلى ما أنتم عجزتم عن حمله.. وتتالى الأسئلة.. و كالعادة في مواجهة هذه الأسئلة الكبرى، نهرب إلى نظرية المؤامرة التي لاتُقنع الغربي ..و هو التحدي الحقيقي أمام المسلمين اليوم في الغرب بل حتى في مواطننا الأصلية .. نسأل الله تعالى الفهم العميق، و النظر القويم، و السلوك الصحيح.