هل تعلم لماذا لا يوجد إتجاه سياسي واضح وعقيدة سياسة ثابتة لدى صانع القرار المصري اليوم في مجال السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية؟ ببساطة، لأن ولاءات رؤساء مصر منذ إنقلاب 1954م إنقسمت بين متاهات تبعية متعددة بين روسيا الشيوعية والولاياتالامريكية الرأسمالية، وتم هذا الإنقسام مناصفة خلال عهدي جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، وتُرِكَت البلاد سبهلله في عهدي مبارك والسيسي يتغوط فيها من يشاء، وتخلل هذا المشهد إنبعاث بعض القيم الفرعونية والكنفوشية، وتبين ذلك من خلال تتبع السنما والدرامه المصرية...، وحاول صانع القرار سلخ الشعب المصري عن هويته الإسلامية وتوجهاته المحافظة، وشكك في رموزه أمثال عمرو بن العاص وصلاح الدين الأيوبي... من خلال إستنساخ رموز من الجهلة وأنصاف الخُلق والثقافة ممن ينتمون إلى قيبلة المطبلاتية والمزمراتية. وتحدث البعض خلال تلك العقود عن وجود إتفاقيات سرية بين عسكر مصر والولاياتالمتحدة مدتها عشرة سنوات، ومن شروطها قمع المعارضة الإخوانية والشيوعية بهدوء وتدرُج، مقابل تعهُد قيام الولاياتالأمريكية ببناء بعض المؤسسات الصناعية ولم ينفذ أياً من هذه المشروعات سوى كَبت الحريات العامة، وفتح المعتقلات، وتنفيذ الإعدامات، ومنذ عام 1955م حصل شبه قطيعة بين مصر والغرب ولكنها غير تامة، وتمتع نظام جمال عبد الناصر خلال تلك السنوات القليلة بعلاقات جيدة مع روسيا من نتائجها هزائم عسكرية متكررة وفشل إقتصادي مضاعف وكبت وقمع للحريات، وتحولت البلاد إلى إقطاع عسكري بإسم تأسيس مؤسسات قومية حلت مكان الإقطاع الزراعي، وفي حين قدمت له روسيا السوفياتية بعض المساعدات العسكرية ودعم مشروع بناء السد العالي بهدف معالجة مظاهر تراجع الزراعة بعد سياسة تدوير الاقطاع. وخلال تلك الفترة تسللت بعض الأموال إلى جيوب القطط السمان الجديدة، ولذلك وجِدَ خلال هذه العقود إنقسام واضح بين النُخب المتعلمنة في مصر بين رأسمالية متوحشة تغلغلت في عهد السادات منذ سبعينيات القرن الماضي وشيوعية فاشستية دخلت مصر تحت غطاء القومية والعروبة منذ منتصف الخمسينيات، وكلاً منها كان يدلي بدلوهِ عبر وسائل إعلام الفانتازيا المظحكة، وتصارعوا على تولي زمام مؤسسات البلاد القومية. وإنتقلت البلاد في العهود من إقطاع زراعي في عهد الملكية إلى إقطاع العساكر والنُخب ورجال رأس المال عبر مؤسسات العولمة الغربية في عهود مصر الجمهورية. وبقيت مصر على هذا الحال ومازالت تارة تخترقها الإستخبارات الروسية وتارة الإستخبارات الأمريكية من خلال العساكر والنُخب ورأس المال وأدوات الضغط الناعم والخشن، ولذلك تجد سياسة مصر الداخلية في مجال الإقتصاد والإجتماع والثقافة غير واضحة المعالم ومتردد ومرتعشة وتموج بين خيارات رأسمالية في مجالات دعم رأس المال الإستثماري والخصخصة والسوق الحُرة وبين قيم الإشتراكية والعدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للموارد. ويتكرر الأمر نفسه في السياسة الخارجية وتحديداً تجاه القضايا العربية، وتسير في تعرجات غير متزنة وغير مُبررة، بداية من الموقف المصري تجاه حروب اليَمَن المشتعلة والمتعاقبة منذ نصف قرن مروراً بقضية فلسطين المُعلقة منذ سبعة عقود وإلى الموقف من حافظ الأسد وإبنه، وليس أخيراً موقف نظام مصر المضحك عربياً متجاه النظام العراقي الشقيق في عهد الرئيس صدام حسين، وقبل ذلك في عهد الإشتراكية، ونستذكر جميعاً ما تبع ذلك من حروب الخليج الثلاث المتعاقبة بما فيها إحتلال بغداد عام 2003م، وشمل ذلك الإرتعاش والتردد متاهات الموقف المعادي تجاه النظام التونسي أثناء حُكم بورقيبة وأقل توتراً في عهد زين العابدين، ولم يخرج عن هذه السياق توتر العلاقة مع الجزائر بسبب لعبة كرة قدم، وإلى جانب الموقف المعادي للملكية السعودية والخليج العربي، وناهيك عن مواقفها المتخاذلة تجاه أثيوبيا وسد النهضة. ويمكن تشبيه نظام الحكم في مصر وفق هذا المشهد وتحديداً بعد إتفاق كامب ديفيد وبعد تفكك الإتحاد السوفيتي بفتاة ترتدي غطاء رأس أمريكي في فصل الشتاء مع شُرط قصير أو برمودة روسية في فصل الصيف وتستهويها منتجعات مياه العرب الدافئة ووبجوارها يجلس قسيس أو كاهن يُلَقِنها ترانيم معابد الفراعنة... ممدوح بري باحث فلسطيني في مجال التاريخ الإجتماعي والسياسي [email protected] مصدر الخبر : بريد الحوار نت a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=28050&t=" مصر تفتقد هويتها المشرقية مُنذُ إنقلاب 1954م"&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"