حصار قطاع غزة.. هذا الموضوع الشاغل للرأي العالمي في الوقت الحاضر والذي أحرج الاحتلال الصهيوني، كونه يقع على منطقة عوقت بالحصار والحرمان لأنها انتخبت من أرادت أن يحكمها ولا ينصاع للمحتل. حوصر القطاع ولم يتفوه أحد بكلمة، بل كان هذا الحصار بغطاء من أكبر دول العالم وهي الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولتشارك في هذا الغطاء بنو الجلدة في رام الله ودول تعتبر امتداد جغرافي وتاريخي لفلسطينالمحتلة ولشعب فلسطين.
غزة وسفن الحرية ومنذ فترة.. استيقظ ضمير بعض أحرار العالم وتوجهت أنظارهم لقطاع غزة ومعاناته، خاصة بعد الحرب الصهيونية على هذا القطاع في العام 2009 وانفضاح المحتل وتعريه أمام العالم، فتحركت سفن الحرية حاملة المؤن والمعونات لتمنعهم سلطات الاحتلال، ويحتموا بمصر الشقيقة فإذا بها هي الأخرى تمنعهم بحجة أنّ المعبر فقط للمسافرين وليس للمواد الإنسانية أو الغذائية.
وتستمر سفن الأحرار وقوافلهم فتارة يدخلون ويدعمون القطاع بما يستطيعون وتارة يمنعون، حتى تم التخطيط لأكبر قافلة كسر حصار، وهي أسطول الحرية البحري الذي ضم أكثر من 40 جنسية كانت أبرزهم الجنسية التركية والأيرلندية، وذلك لنصرة الحق والحرية في قطاع غزة.
حمل أسطول الحرية المساعدات الإنسانية ومواد البناء ومنازل جاهزة لأكثر من 100 أسرة وعربات للمعاقين وغيرها من أطنان المساعدات التي حملتها سفن الشحن القادمة لغزة مع الأسطول، بالإضافة لمئات المتضامنين الذين من بينهم شخصيات اعتبارية وبرلمانية عالمية.
أردوغان تركيا وتأتي الجريمة الصهيونية التي قام بها جنود الكوماندوز الصهيوني التابع لسلاح البحرية، ليقتل 19 متضامنا و يجرح أكثر من 30 آخرين من المتضامنين العزل من السلاح أثناء اقتحامهم للسفن التابعة لأسطول الحرية وهو في المياه الدولية، ما اعتبره أغلب دول العالم قرصنة دولية علنية ومقصودة ويجب محاسبة الاحتلال عليها.
ومن يحاسب الاحتلال، إنها تركيا الدولة المسلمة الوحيدة التي تعتبر مقيمة للعلاقات دولة الكيان المسخ، وحليفتها في المنطقة، لتنقلب الأحوال بينهما رأسا على عقب وتصبح تركيا عدوة الاحتلال الأولى، لما قامت به تركيا ضد الاحتلال على الصعيدين السياسي والإعلامي ضد الاحتلال الصهيوني، لأنها انتصرت لدماء شهدائها أل 15 ولحرية شعب غزة المظلوم.
تركيا تعقد اجتماعا لمجلس الأمن، وتسحب سفيرها من الاحتلال الصهيوني وتحاصر منزل السفير التركي، كرد أولي على الجريمة، ورئيس الوزراء التركي يصف الاحتلال في خطابه أمام البرلمان في ثاني أيام الجريمة بالدنيء والحقير، بل ويضع علاقات تركيا التاريخية مع الاحتلال في كفة وحرية غزة في كفة أخرى.
ولم تقف الحكاية هنا.. فقد وبخ وزير خارجية تركيا وزير الحرب الصهيوني باراك وطالبه بالاعتذار الرسمي ورفع الحصار فورا عن قطاع غزة، وذكرت مصادر مقربة من أردوغان أنه يفكر في المجيء إلى القطاع في أسطول الحرية2، والأكثر من ذلك أدهش أردوغان العالم كله حين قال متحديا الصهاينة والأمريكان أنّ حماس حركة ليس إرهابية بل منتخبة وديمقراطية.
كل تلك المواقف التركية والتي كان آخرها العمل على محاسبة الاحتلال قانونيا أمام المحاكم الدولية، أتبعتها دول العالم مواقف كبيرة، ومنها دولة نيكاراجوا التي سحبت سفيرها وطالبت برفع الحصار عن غزة، كما دولة الإكوادور التي استدعت السفير الصهيوني لديها وطالبته برفع الحصار، وهو نفس الموقف لدى إسبانيا والسويد والدنمارك والنرويج وبريطانيا، حتى إنّ وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قالت في موقف لم يصدر ضد الاحتلال يوما إنّ حصار غزة غير معقول ويجب رفعه.
كل تلك المواقف التاريخية أصبحت حقيقة بعد حلم، فبعد أن كانت الولاياتالمتحدة لا تقبل بوجود الغبار على الاحتلال، اليوم تقول أنّ حصار غزة غير مقبول، وروسيا والاتحاد الأوروبي ودول العالم تطالب برفع الحصار، كل ذلك لأنّ الأتراك وراءهم حكومة شجاعة خاضوا البحار وسيخوضون لأجل غزة ونصرة حرية غزة.
موقف بني الجلدة في المقابل.. بنو الجلدة ومواقفهم، نبدأها بموقف مصر التي فتحت معبر رفح لأجل غير مسمى، ولتدخل من خلاله كافة المساعدات الإنسانية والمسافرون وكل ما يحتاجه القطاع، في موقف مفاجئ ذكره حسام زكي الناطق باسم الخارجية المصرية.
هذا الموقف تساءل فيه محللون سياسيون كثر، وقالوا أنه لذر الرماد في العيون، ومنهم د. إبراهيم الحمامي الذي قال في حوار مع شبكة فلسطين الآن: "فتح المعبر عبارة عن إبرة بنج لإسكات الشارع المصري الغاضب، ولن يطول فتحه، بل إنّ فتحه له مغزى سياسي وأنا أعتبر فتحه، كما وصفته في إحدى مقالاتي الأخيرة والذي كان بعنوان ما أوقحكم.. ما أوقحكم" في إشارة لفتح مصر معبر رفح.
وتساءل الحمامي: "أليس هذا المعبر يا حسام زكي الذي قلت عنه أنه لا يمكن لمصر تحت أي ظرف أن تحوله للمساعدات الإنسانية إنما هو فقط للمسافرين، وفجأة بعد عدم قدرتكم على فتحه إلا أياما قليلة في الشهر أصبح مفتوحا على الغربي؟؟!!".
كما شكك الكثير في مصداقية مصر في إدخال المساعدات الانسانية، فقط منعت مصر دخول مساعدات تقدر بالأطنان من مواد البناء ومواد الغذاء التي من شأنها أن تنفع القطاع وهو بحاجة إليها ولكل مساعدة تفك الحصار عنه.
أما الموقف العربي الثاني يتمثل في منع المغرب من استقبال الشعب لمتضامني الحرية المغاربة الذين عادوا من على ظهر أسطول الحرية، والسعودية لا تتكلم وكثير من الدول العربية لم تتفوه ولو بكلمة، حتى أنّ اجتماعهم في جامعة الدول العربية كان ثاني أيام الجريمة ولم يخرج إلا بالتأجيل للقضية ورفع رسالة ضمنية لمجلس الأمن، باختصار كما قال د. إبراهيم الحمامي لشبكة فلسطين الآن: موقف مخزي ويعتبر فضيحة جديدة للعرب".
ولكن لا يمكن لأحد أن ينسى موقف لبنان التي كان منها متضامنون كثر ودعمت القضية وأعلنت أنها ستشارك في القافلة القادمة وستدعمها، ولا ينسى أحد كل متضامن عربي لا يمثل النظام الرسمي بل يمثل نبض الشارع العربي، الذي ينصر غزة ويدعمها.
موقف محمود رضا عباس أما الموقف العربي الثالث، فهو موقف الجرح في الخاصرة، وهو موقف بني الجلدة الذين يقطنون رام الله ويدعمون الاحتلال بالتنسيق الأمني واعتقال المقاومة وجعل الضفة مرتعا آمنا للمستوطنين الصهاينة، كان أول مواقفهم أنهم لن يوقفوا المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال الصهيوني لكي لا يعطوه فرصة بالتنصل، وهو ما اعتبره د. إبراهيم الحمامي مهزلة وقال: "وكأنّ الاحتلال متضرر من التوقف أو الاستمرار".
كما كان موقف محمود عباس أن يحرك قضية الحوار الفلسطيني في أوج أزمة أسطول الحرية، وحين كانت تركيا تقاتل من أجل حرية غزة، وطالب عباس بإرسال وفد من رام الله إلى غزة لبحث الحوار، واتهم حماس برفضها للحوار إذا رفضت استقبال وفد رام الله، فيم اعتبره وأجمع عليه جميع المحللين والساسة أنّ هذا الحراك يأتي خدمة للاحتلال الصهيوني ولحرف رؤية المجتمع الدولي والفلسطيني عن جريمة الاحتلال وتجريم حماس على رفضها الحوار، وهو الذي لم ينجح له محمود عباس وزمرته.
الجميع شاهد الموقف التركي وخوضه البحار، واستعداده الخوض مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى المرة الرابعة العشرين، كما شاهد الجميع موقف العرب الأشقاء الذين أجلوا القضية وماطلوا فيها إلا من رحم ربي منهم.. ويبقى السؤال لدى المواطن.. متى يصبح لدينا أردوغان العرب؟؟!!!