ال "FCR" مرة كل 10سنوات..متى ينطلق تفعيل هذا الاجراء الجديد..؟    السلطات السعودية تفرض عقوبة على كل من يضبط في مكة دون تصريح حج.    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    الرابطة الأولى: الغموض والتشويق يكتنفان مواجهات مرحلة تفادي النزول    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    جربة: حجز أكثر من 500 كغ من الفضّة والبلاكيور المهرّب    4 جوائز لمسرحية تونسية بمهرجان مفاحم الدولي لمسرح الطفل بالمغرب    مائة ألف عمود إنارة عمومي يعمل فقط من بين 660 ألف مالقصة ؟    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    بطولة الكرة الطائرة: نتائج منافسات الجولة الرابعة لمرحلة "السوبر بلاي أوف" .. والترتيب    البنك الدولي: تعزيز الإطار التنظيمي يسرع برنامج تونس الطموح لتطوير الطاقة المتجددة    نقطة بيع من المنتج الى المستهلك: هكذا ستكون الأسعار    «راشد الغنوشي حرباء السياسة التونسية» للكاتب ياسين بوزلفة    عاجل/ نشرة استثنائية: أمطار متفرقة بهذه المناطق..    بطاقة إيداع بالسجن ضد عون بمجمع الصحة الأساسية ببنزرت في قضية مخدرات..    قفصة: القبض على شخص بصدد بيع تجهيزات تستعمل للغشّ في الامتحانات    بوتين يحذر الغرب: قواتنا النووية في تأهب دائم    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    هل انتهى القول في قضية تأصيل الأدب ؟    سفير السعودية: بناء المستشفى والمدينة الصحية "الأغالبة" خلال هذه الفترة    كلمة أثارت'' الحيرة'' لدى التونسيين : ما معنى توطين و مالفرق بينها و بين اللجوء ؟    يهم التونسيين : ما معنى التضخم ولماذا ترتفع أسعار السلع والخدمات؟    تأجيل إضراب أعوان شركة ''تاف تونس'' بمطار النفيضة    وزيرة التجهيز تدعم البلديات في ملف البنايات الآيلة للسقوط    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    "ألقته في نهر التماسيح".. أم تتخلص من طفلها بطريقة صادمة    ! منديل ميسي للبيع ...ما قصته    بنزرت:معتمدية تينجة تتخذ عددا من الإجراءات العملية لتعزيز المخطط المحلي للسلامة المرورية    نبيل الهواشي يؤكد عودة المفاوضات مع وزارة التربية    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنبه من خطر قائم    عشرات الشهداء والجرحى والمفقودين جراء قصف متواصل على قطاع غزة    خوسيلو يسجل هدفين ليقود ريال مدريد لنهائي رابطة الابطال    بعد التقلبات الأخيرة: ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة بداية من هذا التاريخ    عاجل/ حشانة يفجرها ويكشف عن اتفاق أوروبي خطير يتعلّق بالمهاجرين غير النظاميين..    بدء تشغيل أكبر محطة في العالم لامتصاص التلوث من الهواء    رئيس كوريا الجنوبية يدعو لإنشاء وزارة لتشجيع زيادة المواليد    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة 7 ''بلاي أوف''    يديمك عزي وسيدي ... أصالة ترد على شائعات طلاقها من فائق حسن    البنك الدولي: بإمكان تونس تحقيق نمو اقتصادي هام بداية من 2030    محيط قرقنة يُقصي الترجي من سباق كأس تونس    معهد باستور: تسجيل ما بين 4 آلاف و5 آلاف إصابة بمرض الليشمانيا سنوياّ في تونس    90 % من الالتهابات الفيروسية لدى الأطفال لاتحتاج إلى مضادات حيوية    السباح التونسي احمد ايوب الحفناوي يغيب عن اولمبياد باريس    عاجل/يصعب إيقافها: سلالة جديدة من كورونا تثير القلق..    عاجل/ فضيحة تطيح بمسؤولة بأحد البرامج في قناة الحوار التونسي..    "دور المسرح في مواجهة العنف" ضمن حوارات ثقافية يوم السبت 11 ماي    سحب لقاح "أسترازينيكا" من جميع أنحاء العالم    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حركة النهضة بين الأمس واليوم ( 8 )
نشر في الحوار نت يوم 24 - 06 - 2010

في الذكرى التاسعة والعشرين للإعلان عن حركة النهضة التونسية.

حركة النهضة بين الأمس واليوم.

((( 8 ))).

مواصلة مع مختلف معالجات الحركة لتحديات البلاد.

() تميزت الحركة بمثل ما لم تتميز به فيما أظن حركة إسلامية معاصرة بإهتمامها الفكري الثقافي قاعدة إرتكازية لحسن فهم الواقع من مختلف أبعاده. ذلك هو معنى أن الحركة في الأصل حركة دعوية ثقافية فكرية ذات توجه سياسي. هاك أمثلة على ذلك :

أ مشروع الأولويات. لا يمكن الحديث عن تراث حركة النهضة دون الحديث عن مشروع الأولويات. مشروع فكري ثقافي نشأ عام 1982 في إثر سؤال منهاجي كبير : ما جنينا حتى نتعرض لهجمة أمنية بوليسية بورقيبية واسعة أي في صائفة 1981 رد فعل على الإعلان عن الحركة في السادس من حزيران من العام ذاته رغم أن بورقيبة صرح في أبريل نيسان من العام ذاته أنه لا يمانع من وجود أحزاب سياسية بالشروط التقليدية المعروفة. كان لب السؤال هو أنه لا بد أن هناك خللا ما في أدائنا ولو كان خللا فكريا فكان لا بد من ميلاد مشروع فكري دراسي كبير يشرح ( بتضعيف الراء) الأمر. تركب المشروع من أجزاء ثلاثة هي : قراءة الواقع من كل جوانبه وزواياه الذاتية والموضوعية بغرض تقويمه + دراسة ذلك الواقع ذاته بقصد معرفة إمكانات الإصلاح فيه + إستنباط رؤية في الإصلاح والتغيير تتناسب مع المنهاج الإسلامي المعروف من جهة ومع متطلبات الواقع من جهة أخرى. تجندت مؤسسات الحركة للمشروع على قدم وساق كما يقولون وسرت حياة جديدة في الحركة وجنى الناس من ذلك منافع عظيمة جديرة بقالة معروفة : لو إستقبلت من أمري ما إستدبرت لرجعت بالجماعة إلى عهد المأثورات. ولنا أن نقول : لو إستقبلنا من أمرنا ما إستدبرنا لرجعنا بالحركة إلى عهد مشروع الأولويات. من أهم تلك المنافع :

... تشجيع الناس على الإقبال على الكتاب والقلم والحوار.
... تواضع الناس للواقع القائم بغرض الفهم والدراسة وطرق إمكانات الإصلاح.
... إلتقاء الناس على عمل جماعي يكتنفه الإختلاف بالطبيعة والضرورة بما ينمي قيم التواضع والحوار وطرق البحث والمقارنة وتقديم قيم التآخي والتحابب والتكافل حتى مع الإختلاف.

وغير ذلك مما لا يوفيه هذا الحيز حقه.

ب التقويم. كان التقويم أول خطوات مشروع الأولويات ثم كان بعد ذلك تقليدا في الحركة التي دأبت منذ ذلك الحين حتى يومنا هذا على ضربين من التقويمات : تقويم مرحلي جامع بغرض تعريض كل شيء إلى المساءلة والمحاسبة وإعادة البناء وقد أنجز من ذلك تقويمان كبيران أحدهما في الفترة الفاصلة بين 1982 و 1987 وهو التقويم الذي أنتج ورقات المؤتمر المنعقد في ديسمبر 1986 أي ( الرؤية الفكرية + الإستراتيجية المؤقتة + ورقة التنظيم من أجل الفعل خارجه) وثانيهما في الفترة الفاصلة بين 1992 و1995 وهو التقويم الذي طرح قضية تهجير المؤسسات لأول مرة في تاريخ الحركة وأسباب وآثار المحنة الراهنة. وتقويم مرحلي مؤقت بين أداء مؤتمرين. ذانك ضربان من التقويمات في الحركة. أهم خلاصات التقويمات العامة الجامعة وحصائلهما ( ذلك معروض في الحقيقة في أكثر من إصدار وكتاب ولكن لا بأس من التذكير ببعضها ) :

... علاقة السياسي بالثقافي الدعوي. كان هذا المحور هو الغالب دوما على معنى أن الرأي العام في الحركة متوجه إلى أن الإهتمام السياسي العملي من لدن الحركة ( المقصود أساسا علاقة الحركة بالسلطة التونسية القائمة وبدرجة أقل المعارضة) ما فتئ يتقدم على حساب الإهتمامات الدعوية والفكرية والثقافية وأحيانا حتى على الإهتمامات الداخلية لمتطلبات الحياة الداخلية للحركة. المقصود هنا من حصائل التقويم هو الحد من جموح السياسي إهتماما عمليا وليس إهتماما نظريا أو تحليليا بما ينشئ مناخا سياسيا مساعدا على تقدم الدعوة وما يليها من أعمال ثقافية وفكرية بسبب أن رسالة الحركة هي الإنسان بادئ ذي بدء كما تقدم بنا في حلقات منصرمة وبسبب أن السلطة في تونس من بورقيبة حتى بن علي سلطة غاشمة لا تتحمل المعارضة بأي وجه من الوجوه فما بالك إلا كانت معارضة إسلامية يتسنى لها تحريك الشعب.

... علاقة القطري بالإقليمي والدولي. المقصود من هذه الحصائل في هذا المجال هو تأسيس الإصلاح المحلي في مختلف أبعاده على أسس متقاطعة مع التغيرات الإقليمية والدولية ليكون التغيير في تونس مندرجا ضمن تغيير جامع متدرج في المنطقة لئلا يكون النشاز سببا في نكسة أو ردة يسهل على أعداء المشروع التحرري بصفة عامة وأعداء المشروع الإسلامي بصفة خاصة إنشاءها. من أسباب ذلك فضلا عن الأسباب العامة المعروفة هو أن تونس لا تحتمل ذلك النشاز بسبب موقعها الجغرافي ورقعتها الجغرافية وعوامل أخرى يضيق عنها هذا المجال.

وغير ذلك مما يمكن الرجوع إليه في مظانه المنشورة.

() العلاقة مع السلطة. هذا الجانب كان دوما هو مثار الإضطرابات والتشوشات التي تعوق أداء الحركة في محاولة لعزلها عن محيطها الشعبي أو تشويهها إعلاميا وتقديمها في صورة عصابة مفسدين إرهابيين متطرفين وتأليب الرأي العام الدولي والعربي ضدها أو لجرها إلى مستنقع العنف الآسن. العلاقة مع السلطة آكدة بالضرورة بسبب أن الحركة سياسية بإمتياز من ناحية ولكنها علاقة لا بد لها من التوتر بسبب أن الحركة سياسية من منطلق إسلامي من جهة وديمقراطي من جهة أخرى وهما أمران لا تتسامح معهما دولة بورقيبة ولا بن علي بأي شكل من أشكال التسامح. هي علاقة إذن لا بد لها أن تكون محكومة إما بتوتر وحكمة الحركة هنا هي في تحجيم ذلك التوتر ومحاولة إطفاء نيرانه وإبتلاع طعماته واحدة بعد الأخرى أو أن تكون محكومة بالتناغم التام أو شيئا شبيها به ولا بد للحركة هنا إما أن تتنازل عن الصفة السياسية بالكامل أو تصبح رقما حزبيا ليس له من وظيفة أرقى من وظيفة تزكية السلطة ودق طبول المديح بين يديها أو غض الطرف عن المظالم الإجتماعية والسياسية في أسوإ الأحوال. كلها خيارات صعبة ولكن على الحركة أن تختار الأيسر للبلاد من جهة والأبقى لها من جهة أخرى والأقل كلفة في كل الأحوال أو ما تكون كلفته مقصورة على الحركة وهو ما تم بنسبة كبيرة جدا إذ إلتزمت الحركة المنهاج الديمقراطي السلمي فواجهت السلطة بالصبر والحلم وإلجام الأجيج السياسي الحامي إلا في مناسبات قليلة يمكن إعتبارها أخطاء سياسية تكتيكية من مثل المشاركة العارمة في إنتخابات 2 نيسان أبريل 1989 بما إعتبر تحديا سافرا للسلطة وهي في بداية دربها.

بعض محطات العلاقة مع السلطة.

أ لقاء مزالي من لدن قيادة الحركة عام 1985. ( الغنوشي ومورو والجبالي). كان ذلك في إثر خروج القيادة التاريخية من مرحلة سجن إمتدت من 1981 حتى 1984 وفي أعقاب وساطة شبة علنية قادها المحامي الفتحي عبيد بمقال شهير على صفحات جريدة الصباح اليومية بما أثمر الإفراج عن الشيخ مورو لأسباب صحية ثم لقاء مزالي الوزير الأول في تلك المرحلة شفاه الله سبحانه حيث أنه يوجد منذ أسابيع في حالة موت إكلينيكي في باريس. عرض مزالي في ذلك اللقاء على قيادة الحركة التمتع برخصة جمعية ثقافية في مقابل التنازل عن الصفة السياسية للحركة وهو ما قوبل بالرفض. لا أحد يفقه ألف باء السياسة يمكن له أن يفسر ذلك على أنه منة من بورقيبة أو من مزالي أو حبا في الجماعة ولكنها إستحقاقات السياسة المعروفة ومناوراتها المألوفة. وفي هذا المضمار لا بد من تثبيت حقيقة تاريخية مؤداها أن الحركة الإسلامية في تونس من أكبر مكاسب البلاد بعد الإستقلال إن لم تكن هي أكبر مكسب إلى جانب الحركة السياسية العامة بمختلف مكوناتها العالمانية واليسارية والحركة الحقوقية والنقابية بمختلف مؤسساتها التي كانت عتيدة في يوم ما قبل أن يجهز عليها الرئيس الحالي بن علي بعصاه الغليظة. الحركة حتى وهي تتجرع آلام المحنة الإستئصالية القاسية جدا مازالت ولن تزال بإذنه سبحانه مكسبا وطنيا مهما جدا إن لم تكن هي المكسب الأكبر بسبب أن قضية الهوية العربية الإسلامية للبلاد لم تكن لتأخذ طريقها المعروف أي إنتصار الخط الإسلامي العروبي فيها على الخط العالماني الفرنكفوني بما يشبه الضربة القاضية لولا نشوء حركة النهضة ولولا حروبها المتواصلة من أجل قضية الهوية. قضية الهوية يعرفها الجيل السابق والذي سبقه أي أيام كان بورقيبة يصنع الشعب التونسي على عينه صناعة فرنكفونية تغريبية عالمانية عجيبة وغريبة ولا يكاد يجد من ينهاه عن ذلك أو يعاتبه عليه. أما الأجيال اللاحقة التي ولدت بعدما تعربت الإدارة شيئا ما أو فرضت الصحوة الإسلامية الجديدة نفسها بمطالبها على الدولة التي تحظر على المرأة بالقانون حتى اليوم تغطية شعر رأسها .. تلك أجيال عليها أن تدرس التاريخ وتتعلم منه فهو خير مدرسة في الحياة. ما يشاهده المرء اليوم في تونس من صحوة لم يأت من فراغ ولكنه أتى من رحم خطة تجفيف منابع التدين التي فرضها نظام بن علي لمواجهة حركة النهضة وحصد آثارها وإستئصال شافتها بالكلية.

ب مطالب التأشيرة. تقدمت الحركة بما لم يثبت في التاريخ البشري كله بأول مطلب لتأشيرة عمل سياسي حزبي في إطار القانون القائم عام 1981 ثم توالت المطالب بعد ذلك مرة بعد مرة وخاصة عندما يتغير إسم الحركة. ولكن بقيت الأبواب موصودة حتى يوم الناس هذا.تقديم التأشيرة من أهم وأرشد صور العلاقة مع السلطة التي تجاوزت الحركة قضية مشروعيتها من عدم مشروعيتها مراهنة على مشروعيتها الواقعية ومعروضة عن مشروعيتها الدستورية أو الشعبية أو السياسية أو غير ذلك لأن ذلك محله مساحات أخرى. لما جاء بن علي إلى السلطة جددت الحركة مطلب التأشيرة سيما بمناسبة تغيير إسمها إلى حركة النهضة.

ج لقاء رئيس الحركة مع رئيس الدولة. كان ذلك بعد خروجه من السجن عام 1988 من جهة وبعد مقال له وهو في السجن عن مجلة الأحوال الشخصية بعنوان أنها إجتهاد مندرج في الإجتهاد الإسلامي وإتجاه المقال هو أن القضية ليست قضية قانونية ولا قضية مجلة أحوال شخصية ولا قضية مرأة ولكنها قضية حريات فردية وعامة. المقصود من الخطاب هو تطمين السلطة الجديدة ثم كان اللقاء الذي صرح بعده رئيس الحركة بأن ثقته في الله وفي رئيس الدولة كبيرة. ثم جرت مفاوضات مع ممثل رئيس الدولة أي الرويسي في ذلك الوقت وكان الإعتقاد بأن مرحلة جديدة مع السلطة الجديدة قوامها الصبر والتدرج من لدن الجانبين بعضهما على بعض لمحاولة طي الملف خطوة بعد خطوة في كل أبعاده بسبب التعقيدات الكثيرة المتلبسة به ثقافيا وإجتماعيا وسياسيا وغير ذلك. أفرج بن علي بعد ذلك على ما بقي من المساجين وآخرهم قيادة الحركة المحاكمين أمام محكمة أمن الدولة على دفعتين ثم على ما سمي بالمجموعة الأمنية. ثم أذن بعد مماطلات قاتلة قذرة بصدور جريدة الفجر لسان الحركة. ولكنه إذن لم تكد تجن منه الحركة شيئا بسبب أن كل عدد جديد لأسبوع جديد مهدد بالسحب فضلا عن كون كمية السحب محدودة جدا. بكلمة : عراقيل لا حساب لها في وجه تلك الجريدة ثم وئدت بالكامل وإعتقل رئيسها وطاقم تحريرها ودخلت البلاد في حالة سجن عامة لم تبدأ بالتعافي منها وليس من آثارها إلا قبل سنوات قليلات منصرمات.

د الميثاق الوطني. كان ذلك عام 1989 ومثل الحركة فيه الأستاذ نور الدين البحيري وشمل كل الألوان السياسية وبعض النخب والمؤسسات الإجتماعية والحقوقية فضلا عن السلطة. كان ذلك الحدث كفيلا بنقلة البلاد من حالة إلى حالة ولكن سرعان ما زحفت دبابات السلطة على المكتسبات والمؤسسات والتفاهمات وداست بدايات مناخ ديمقراطي واعد جدا. يبقى السؤال دوما هو من هو المتسبب في ذلك؟ وإذا كان لكل طرف نصيبه فما هو نصيب السلطة وما هو نصيب الحركة وما هو نصيب المعارضة؟ سؤال وجيه جدا ولكن قليل من ينصف فيه كل طرف. المهم هنا هو أن مشاركة الحركة في ذلك الميثاق الذي ضمنه من ضمنه ما يوجع الحركة أو يضعها في سجال مريب مع أبنائها بسبب القالة التي يصر عليها الشيوعيون ومن في حكمهم والسلطة بسبب تحالف بعضهم معها وهي قالة : العقوبات البدنية وتعارض ذلك مع مكتسبات الإنسانية. المهم من ذلك كله هو أن الحركة عبرت في أكثر من مناسبة ولن تزال على أن الجزئيات والتفاصيل ما ينبغي أن تكون حاجزا أمام إندياح الحريات والديمقراطية وأن الواقع المتطور كفيل بتوفير صيغ مناسبة للملاءمة بين مرجعيات الفرقاء إذا وضع كل واحد منهم مصلحة البلاد فوق كل إعتبار ولو كانت الحركة لا تضع مصلحة البلاد فوق كل إعتبار لتمسكت بالرفض والإحجام بسبب وجود مثل تلك القالات المسيئة التي تحمل معاني مريبة لا حاجة لنا بها بل هي بمثابة الإشاعات التي تعكر الصفو العام وتزرع الأحقاد بين الناس وغير ذلك مما هو معروف في العلاقات الإجتماعية بين الناس.

ه الإعلان عن كل المكاتب الجهوية للحركة. كان ذلك عام 1991 في خطوة جريئة أقدمت عليها الحركة لتلافي تواصل الهجمة البوليسية ضدها. أعلنت الحركة في مرات سابقة كثيرة عن مكاتبها السياسية والتنفيذية والإعلامية ( أعضاء الهيئة التأسيسية وأعضاء المكتب التنفيذي عام 1981 ثم الإعلان عما عرف بمكتب حمادي عام 1983 ثم الإعلان عن أكثر من مكتب إعلامي أو ناطق إعلامي بين أعوام 1981 و1984 من مثل الشيخ عبد الوهاب الكافي والأخ السويسي وغيرهما وفي كل مرة تتقدم فيها الحركة بمطلب تأشيرة تتضمن بالضرورة أسماء المكاتب. أما في عام 1991 فكان الإعلان عن كل المكاتب الجهوية في المناطق والجهات وعددهم بالمئات وكان ذلك على صفحات جريدة الصباح وغيرها. وفضلا عن ذلك فإن قيادات الحركة ظلت تتحرك بأسمائها وتمضي البيانات بأسمائها وبصفاتها السياسية بل كان ذلك قبل حتى أن يعلن عن الحركة أصلا متمثلا في بيانات يوقعها الشيخان الغنوشي ومورو عام 1980.

و كما إهتمت الحركة بالإعلام السياسي والفكري والثقافي بل كان ذلك الإهتمام منها مبكرا جدا أي عندما كانت تسمى الجماعة الإسلامية وذلك من خلال مجلة المعرفة التي أسسها الشيخ المرحوم عبد القادر سلامة في بداية سبعينيات القرن الميلادي المنصرم. فلما وئدت المعرفة بالرغم من أن طابعها دعوي ثقافي لا يتعرض لقضايا السياسة إلا قليلا جدا ولكن بسبب تعرضها لقضية رؤية الهلال التي كان بورقيبة ينكرها بإطلاق .. وقع وأد المجلة بالكلية. لاذت الحركة بوسيلة إعلامية أخرى هي : المجتمع عام 1979 حيث عقدت تفاهما مع صاحبها وربما كانت حماسة المجتمع للثورة الإيرانية سببا إلى جانب أسباب أخرى في وأدها مبكرا جدا. ما لانت قناة الحركة في البحث عن وسيلة إعلامية جديدة فكانت : الحبيب تفاهما مع صاحبها أي صاحب الرخصة ثم وئدت مجددا. ثم إهتبلت الحركة الحريات الإعلامية النسبية في أواخر عهد بورقيبة أي الإعلام الذي أنشاه التيار الليبرالي من مثل الرأي والمستقبل وصحف المعارضة بصفة عامة بما كانت تتمتع به من هوامش حرية نسبية. كما عولت الحركة في أثناء ذلك على إعلامها الداخلي بسبب أن كثيرا منه لا يكتسي أي طابع داخلي أو سري. ثم كانت تجربة الفجر التي تورط بن علي في الإذن لها وسرعان ما كفر عن ورطته بوأدها حتى اليوم.أما في فترة المهجر فكانت تجارب جريدة المتوسط من باريس وكندا وتونس الشهيدة وصوت تونس في فترة التسعينيات ثم تجربة صغيرة جدا هي تجربة قناة الزيتونة وذلك قبل أن ينداح الإعلام الإلكتروني والفضائي الذي أتاح للحركة متسعا شبه كاف للتعبير عن نفسها.

كل ذلك مندرج بالطبيعة ضمن العلاقة مع السلطة أي الإعلام الذي تخاطب الحركة به السلطة والميثاق الوطني والإعلان عن مكاتبها الجهوية فضلا عن المركزية والسياسية والإعلامية.

وحتى لقاء قابل .

الهادي بريك المانيا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.