تشهد تونس خلال الشهور القليلة القادمة تعديلا دستوريا جديدا هو الثالث خلال السنوات العشر الأخيرة، يسمح بإقصاء أي منافس قوي في طريق الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للاحتفاظ بمقعد الرئاسة لولاية جديدة تمتد لخمس سنوات. وتونس ليست الأولى في وطننا العربي الذي يخضع دستوره للتعديل في محاولة ل "تفيصله" على مقاس أرباب الحكم لتمكينهم من الاستمرار في القصر الرئاسي حتى صعود الروح لبارئها، أو توريث الحكم لابنائهم. فقد شهدت دول كثيرة إجراء تعديلات لدساتيرها، منها مصر وتونس واليمن والبحرين وقريبا الجزائر. ويرى مراقبون إن التعديلات الدستورية تتناقض مع إرساء دعائم الحكم الدستوري ودولة الحق والقانون. فالدستور، بما هو ضبط لقواعد ممارسة السلطة، يصبح ضامناً للحقوق والحريات، عبر إفراده أحكاماً خاصة بها، وتنصيصه على الوسائل الكفيلة بصيانة ممارستها وجعلها في منأى عن تعسّف السلطة وشطط ممارسيها، ولا سيما لجهة تعديله. لذلك، لا تقاس ديموقراطية الدساتير بمدى إقرارها للحقوق والحريات فحسب، بل تتحدد أيضاً بدرجة حرصها على تأكيد الشرعية الدستورية، أي جعل ما هو مدرج في باب الحقوق والحريات محترماً على صعيد التطبيق والممارسة. تونس .. وكلاكيت تالت مرة أعلن الرئيس زين العابدين بن علي، أمس، إدخال تعديلات جديدة على دستور البلاد خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل، يتيح لزعماء الأحزاب المرخص لها ترشيح زعمائها للانتخابات الرئاسية المقررة العام القادم، لكنه في الوقت ذاته يقصي منافسه للمنصب أحمد نجيب الشابي الأمين العام الاسبق للحزب الديمقراطي التقدمي ورئيس تحرير صحيفة "الموقف" والذي سبق أن أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية. ويشترط الدستور التونسي في صيغته الحالية أن يكون المُرشح مدعوماً من ثلاثين نائباً أو عمدة (رئيس بلدية)، وهو شرط غير متاح سوى ل "التجمع الدستوري الديموقراطي" الحاكم الذي يسيطر على 80 في المائة من مقاعد البرلمان. وكانت الحكومة اضطرت إلى تعديل البند الدستوري الخاص بالترشيحات قبل انتخابات العام 1999 و2004 لإفساح المجال أمام الأحزاب البرلمانية لترشيح زعمائها. بن علي يحدد مواصفات الرئيس وقال بن علي في خطاب ألقاه أمس بمناسبة الذكرى الثانية والخمسين للاستقلال، إنه سيفتح باب الترشيح أمام جميع رؤساء الأحزاب المجازة، مما اعتُبر توسيعاً للتعددية. لكنه اشترط أن يكون زعيم الحزب منتخباً وأن يكون مضى على اعتلائه المنصب عامان في الأقل في يوم الترشيح. وتوجد ثمانية أحزاب مرخص لها في البلد، إضافة إلى الحزب "الدستوري" الحاكم، بينها حزبان ليس لهما تمثيل في مجلس النواب، مما يعني أن عدد المرشحين في الانتخابات المقبلة ربما يصل إلى ثمانية. وكانت اللجنة المركزية ل "الدستوري" سمّت بن علي مرشحاً للحزب لولاية خامسة تستمر خمس سنوات، بعدما ألغى التعديل الذي أدخل على الدستور في العام 2002 سقف الولايات الرئاسية. ويتوقع أن يختار المؤتمر العام المقبل ل "الدستوري" » بن علي مرشحاً رسمياً لحزبه وسيتم المؤتمر في مطلع أغسطس المقبل، على ما أعلن رئيسه في الخطاب الذي ألقاه أمس. وفي سياق متصل أعلن بن علي خفض سن الاقتراع إلى الثامنة عشرة، مؤكداً أن هذا الإجراء سيتيح لأكثر من نصف مليون شاب المشاركة في الانتخابات المقبلة. وأفاد أنه سيعرض على مجلس النواب تعديلاً للدستور في هذا المعنى. كذلك جدد تأكيد اعتزام «الدستوري» تخصيص ثلاثين في المئة من لوائحه للانتخابات البرلمانية (التي تتزامن مع الرئاسية) وكذلك للانتخابات المحلية (سنة 2010) للسيدات. وتجاوباً مع مبادرة تقدم بها نواب المعارضة في مجلس النواب لإلغاء عقوبة الإعدام، أكد بن علي أنه سيسعى إلى استبدال الإعدام بعقاب آخر، وأشار إلى أنه امتنع حتى الآن عن التصديق على قرارات الإعدام. لكنه لم يوضح إذا ما كان المشروع الذي قدمه 25 نائباً معارضاً سيُبصر النور أم لا، كونه يحتاج إلى تصديق الأكثرية عليه والتي تنتمي إلى «الدستوري» كي يعتمده البرلمان. رد فعل المعارضة في أول رد فعل للمعارضة على قرارات الرئيس التونسي، أعتبر المعارض التونسي الأمين العام السابق للحزب الديموقراطي التقدمي أحمد نجيب الشابي والذي يعتبر أول من يعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، في تصريح له "إن التعديل الدستوري المرتقب إقصاء متعمدا له"، لكنه قال انه سيتمسك بهذا الترشح، وسيخوض الحملة الانتخابية إلى آخر مراحلها "بغض النظر عن القانون الانتخابي". وكان الشابي أعلن قبل نحو شهر عزمه الترشح للانتخابات الرئاسية المقرر تنظيمها في اكتوبر 2009. وبرر الشابي في مؤتمر صحافي هذا الاعلان المبكر على الترشح الذي ما زال يفصل عن معد تنظيمه نحو سنتين، ب"اقتناعه باهمية الوقت"، وب"الاستجابة الى نداء الواجب". ويذكر إن حزب الشابي الذي لا تتوافر له قاعدة شعبية واسعة لم يحصل على أي مقعد في البرلمان خلال الانتخابات التي جرت في 24 اكتوبر 2004، وهي الانتخابات نفسها التي تقدم خلالها 3 مرشحين للرئاسة نافسوا الرئيس زين العابدين بن علي الذي فاز بالغالبية، في حين فازت 5 احزاب بمقاعد في البرلمان. واقترن اعلان المعارض التونسي احمد نجيب الشابي ترشحه باشتراطات وتلميحات اثارت استغراب اوساط سياسية عربية، رأت فيها تناغما مع دعوات المبشرين بما بات يعرف بمشروع الشرق الاوسط الكبير، حيث اشار الى سعيه ل "فرض واقع جديد على السلطات". كما ان الذرائع التي ساقها الشابي لتبرير اعلانه للترشح لرئاسة 2009، وما رافقها من شعارات لم تقنع عددا من اعضاء حزبه قبل غيرهم من المعارضة التونسية. حيث سارع البعض منهم الى انتقاده وتحميله مسؤولية تقوقع حزبهم، كما لم تقنع غالبية الاحزاب السياسية التونسية التي وصفها الشابي جزافا بانها "احزاب موالاة وديكور".