خلال السنتين الأخيرتين تزايدت أعداد التونسيين الذين ألقي القبض عليهم في بلدهم أو في بلدان أوروبية بسبب الاشتباه بتطوعهم في صفوف المقاومة العراقية أو الانتماء الى «شبكات إرهابية». ويتوزع المعتقلون إلى فئتين: الأولى يشكلها الراغبون بالانضمام ل «المقاومة العراقية» والثانية تضم المعتقلين على خلفية الاشتباكات التي اندلعت مطلع العام الجاري بين قوات الجيش ومجموعة مسلحة لم تعلن عن هويتها في الضاحية الجنوبية للعاصمة، والتي أدت بحسب مصادر حكومية إلى مقتل 14 عنصراً من المهاجمين واعتقال 17 آخرين. وكان بعض أقرباء هؤلاء الموقوفين أو أصدقائهم نجح في الوصول إلى العراق وشارك في عمليات ضدّ الاحتلال ما أدّى إلى مقتل بعضهم، مثل ماهر بزيوش الذي اعتُقل بسبب الاشتباه بإقدامه على السفر إلى العراق حيث قُتل شقيقه مروان. وقدر المحامي سمير بن عمر أعداد الشباب الذين تعرضوا للملاحقة في السنة الماضية بموجب «قانون مكافحة الإرهاب» بألف متهم، بينهم أكثر من مئة صدرت في حقهم أحكام بالسجن راوحت بين خمسة أعوام وثلاثين عاما. وكانت الحكومة التونسية سنّت في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2003 قانون «مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال»، في سياق الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب التي تقودها الولاياتالمتحدة، والذي لاقى منذ صدوره انتقادات واسعة لدى منظّمات الدفاع عن حقوق الإنسان في تونس وخارجها. وتسلمت وزارة الداخلية التونسية العام الماضي من نظيرتها الجزائرية سبعة عناصر من محافظة بنزرت (شمال البلاد) تم ضبطهم في الجزائر لدى محاولتهم السفر الى العراق للانخراط في قتال القوات الأميركية. وأصدرت الدائرة الجنائية في محكمة العاصمة تونس في 23 يناير (كانون الأول) الماضي أحكاماً بالسجن في حقهم بعدما دينوا «بالانضمام إلى تنظيم إرهابي»، إضافة الى 16 عنصراً آخرين دينوا غيابياً. وراوح العقاب بين 5 و9 أعوام مع عشر سنوات من الرقابة الإدارية. وقال الإدعاء إنهم كانوا تسللوا إلى الجزائر عبر الحدود لتلقي تدريبات على استخدام السلاح لدى «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» تمهيداً للتطوع في صفوف المقاومة العراقية «ثم العودة للقيام بأعمال تخريبية في تونس». إلا أنهم نفوا لدى مثولهم أمام هيئة المحكمة ما نسب إليهم مؤكدين أنهم كانوا يعتزمون الذهاب الى فرنسا بحثاً عن العمل، فيما ذكرت صحيفة «الصباح» أن أشرطة تحتوي على كيفية القتال في الشيشان وأفغانستان ضُبطت في حوزة بعضهم. وأكد محاموهم ل «الحياة» أن الوحيد الذي اعترف بكونه فكر في الالتحاق بالمقاومة العراقية هو علي بن سالم الذي نال سبع سنوات، فيما نال رضوان الفزعي تسع سنوات. والطلاب السبعة الذين لم يتجاوزوا العشرين من أعمارهم رهن الاعتقال منذ أكثر من ستة أشهر. وفي سياق متصل أفاد كمال الغالي «الحياة» أن شقيقه الأصغر ياسر معتقل في أعقاب المواجهات التي اندلعت بين مجموعة مسلحة وقوات الجيش والأمن في الضاحية الجنوبية للعاصمة تونس، من دون أن يعرف شيئاً عن مصيره. وأوضح أن ياسر سافر إلى سورية قبل الاحتلال الأميركي للعراق متطوعاً إلا أنه عاد إلى بلده بعد سقوط بغداد، وظل خاضعاً لمراقبة أمنية. وأضاف أن ياسر كان يقيم في مدينة تطاوين في أقصى الجنوب ولم يسافر أبداً إلى العاصمة. وكانت محكمة الدرجة الأولى في العاصمة تونس قررت السبت الماضي سجن 14 شاباً بين أربع وعشر سنوات بتهمة التخطيط للتطوع في صفوف المقاومة العراقية. من جهة أخرى، قالت اللجنة الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين (مقرها في تونس) إن الدائرة الثانية في محكمة تونس قضت أخيراً بسجن زياد الغضبان (معتقل) أحد عشر عاماً إضافة إلى إخضاعه للرقابة الإدارية عشرة أعوام، فيما قررت سجن كريم مسوسي وغيث الوافي لمدة سنتين. وأوضحت اللجنة أن الملاحقة القضائية تمت بناء على قانون مكافحة الإرهاب استناداً على اتهام الشباب الثلاثة بالسعي للانخراط في صفوف «المقاومة العراقية». وتكاثرت في الفترة الأخيرة المحاكمات من هذا النوع في تونس، وطبقاً لتقديرات محامين، فإنها شملت حتى الآن أكثر من 100 متهم تراوح أعمارهم بين 31 عاماً و20 عاماً، إضافة الى مئات لم تُحل ملفاتهم على القضاء بعد. وانتقد محاموهم قانون مكافحة الإرهاب الذي لوحقوا بموجبه معتبرين أن الاعترافات انتُزعت منهم بالقوة وكانت تهدف الى حملهم على الإقرار بنيات تخريبية في تونس، فيما اقتصرت تهم الغالبية على التخطيط للقتال في صفوف «المقاومة العراقية». وأوضح المحامي عبدالرؤوف العيادي أن محكمة مدنية في العاصمة تونس نظرت أخيراً في تهم موجهة للشقيقين مروان وماهر بزيوش. وكانت السلطات الجزائرية سلمت الثاني لتونس بينما كان يتأهب للسفر إلى العراق للانضمام ل «المقاومة»، فيما قُتل الأول هناك في معارك مع القوات الأميركية. ووُجهت لماهر (22 سنة) تهمة الانتماء الى تنظيم إرهابي بموجب قانون مكافحة الإرهاب الذي سنه البرلمان في آخر العام 2003. وفي سياق متصل اعتقل الأمن الجزائري العام الماضي عنصراً قيل إنه على اتصال ب «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» ويقود منظمة اسمها «جماعة أنجاد الإسلام ببلاد الرافدين»، كان مركز نشاطها في سورية، ويُعتقد أنها درجت على إيواء «الجهاديين العرب» الراغبين في الالتحاق بجبهات القتال العراقية. وأظهرت التحقيقات أنه عاد إلى الجزائر في آذار (مارس) 2005 وكان مكلفاً من تنظيم «القاعدة» في العراق بتهيئة الطريق لمجموعة من الجهاديين التونسيين للالتحاق بمعاقل الجماعة السلفية للدعوة والقتال، بغية تدريبهم على استخدام الأسلحة والمتفجرات. كذلك تزايدت أعداد التونسيين المعتقلين في الخارج للاشتباه بضلوعهم في أعمال إرهابية متصلة في الغالب بالحرب في العراق. وفي هذا السياق طلبت السلطات الإيطالية من سويسرا تسليمها التونسي عفيف الماجري بسبب الاشتباه بانتمائه ل «مجموعة سلفية على علاقة بتنظيم القاعدة» لم تُسمّها. ويوجد الماجري رهن الاعتقال في زيوريخ في إطار عملية مشتركة بين جهازي الأمن الإيطالي والسويسري أطلق عليها اسم عملية «الطوارق» وأتاحت للإيطاليين إلقاء القبض على خمسة مشتبه بهم في ميلانو يُرجح انهم ينتمون إلى الشبكة نفسها. وكان الماجري الذي يقيم في سويسرا منذ أربعة أعوام طلب اللجوء السياسي إليها من دون الاستجابة لطلبه. وكذلك أصدرت محكمة الجنايات في مدينة ميلانو الإيطالية قراراً بسجن ثلاثة مواطنين تونسيين دينوا بالانتساب إلى «منظمة إجرامية بهدف تنفيذ عمل إرهابي» لم يتسن معرفة اسمها، لكن يُرجح أنها متفرعة من «أنصار الإسلام». وقضت المحكمة بسجن سمير ساسي وشريف بن عبدالحكيم ست سنوات لكل منهما ومحمد مناع خمس سنوات وأربعة أشهر. وبحسب قرار الاتهام فإن المنظمة خططت لتنفيذ اعتداء ضد مترو الأنفاق في ميلانو وكاتدرائية في لومبارديا شمال إيطاليا. وفي العراق قضت محكمة الجنايات المركزية في بغداد العام الماضي بإعدام تونسي للاشتباه بضلوعه في اغتيال الإعلامية أطوار بهجت. وقال متحدث في المحكمة إنها أصدرت حكماً بإعدام يسري فاخر محمد علي التريكي الملقب ب «أبو قدامة التونسي» لضلوعه بتفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء واغتيال مراسلة قناة «العربية» أطوار بهجت. والأرجح أن حكم الإعدام نفذ بعد شهر من المصادقة عليه. وكان مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي أعلن في وقت سابق أن «عراقيين اثنين وأربعة سعوديين وتونسياً واحداً من تنظيم «القاعدة» في العراق هم من نفذ تفجير المرقدين الدينيين بمدينة سامراء في شباط (فبراير) الماضي واغتيال الإعلامية أطوار بهجت». وبحسب الربيعي فإن الذي خطط للعملية هو «عراقي يدعى هيثم البدري وهو من تنظيم «القاعدة» في محافظة صلاح الدين». وأضاف أن أبو قدامة التونسي الذي دخل العراق في تشرين الثاني (نوفمبر) 2003 هو المنفذ الرئيسي لعملية تفجير مرقد الإمامين العسكريين. وأفاد أن القوات العراقية اعتقلته آخر شهر حزيران (يونيو) عندما كان يحاول هو وخمسة عشر مسلحاً أجنبياً اقتحام نقطة تفتيش في الضلوعية الواقعة على بعد نحو 30 كيلومتراً الى الشمال من بغداد.