تونس الصباح كانت الساعة تشير الى الحادية عشرة وربع صباحا، سلع ملفوفة داخل اكياس بلاستيكية بعضها مخبأ في زوايا غير مكشوفة واخرى محمولة على ظهور بائعيها.. «كرادن» مفروشة على الرصيف خالية من البضائع التي اعتادت حملها.. بائعون تحت حائط مختبئون من اشعة الشمس التي لفحت وجوههم وبانت عليها تعابير اليأس والامل هكذا هي حال الباعة المتجولين بباب الجزيرة بالعاصمة ان فاجأهم اعوان البلدية لتقضي حسب قولهم على حلمهم في بيع بضائعهم دون خوف من الخطايا «المجحفة» ومنعهم من مزاولة عملهم. مشاهد تتكرر من الصباح الى المساء «نفرش بضائعنا ثم نجمعها خوفا من اعوان البلدية.. شهادة جاءت على لسان الشاب احمد وهو يجمع بضاعته المتمثلة في بعض الاواني البلورية حيرة ظهرت على الوجوه. اعناق مشرئبة تراقب حركة الاعوان، معبرين عن «سخطهم» من هذا الوضع ومن الخطايا التي طالتهم من اجل انتصابهم الفوضوي. عودة الحركة بعد مرور حوالي ربع ساعة اختار البعض اعادة ترصيف بضاعتهم متحدين بذلك جميع الظروف (حرارة الطقس، اعوان المراقبة، الخوف..) ينادون على سلعهم «بوبلاش يا مدام» املين في بيعها قبل وصول الحملة التالية. تهافت الحرفاء على السلع المعروضة وتناسى البائعون ما اصابهم قبل نصف ساعة من خوف وحيرة ليقنعوا الحرفاء بشراء ما عرضوا اما البعض الاخر فقد اجتمع في احدى الاركان متقاسمين محنهم واحزانهم يضحكون تارة ويتأسفون تارة اخرى ينتظرون رحيل الأعوان من المنطقة ليتمكنوا من استعادة نصبهم ومباشرة عملهم. تساءل بعض الباعة الاملين في تحسين وضعيتهم «لماذا لا يتم السماح لنا بالانتصاب مرة على الاقل في الاسبوع مقابل دفع اداء يراعي مصالحنا عوض ان يحكم علينا بالبقاء عاطلين عن العمل خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة». الحمام يدور.. «فيسع لم الحمام يدور..» عبارة اتخذت شكل جرس انذار يطلق للاعلان عن وصول اعوان البلدية فيتنبه لها الباعة فيسرعوا في جمع بضاعتهم والهرب بها بعيدا عن انظار اعوان البلدية حتى لا يتم حجزها والبعض الاخر يستنجد بالمحلات لاخفاء البضائع. واخرون اتخذوا بعض الزوايا مخزنا لهم. لكن هذه المشاهد لا تقتصر فقط على الباعة المتجولين وانما ايضا تشمل المحلات الموجودة في نفس المنطقة والتي اتخذت الرصيف مكانا لعرض سلعها. وعند قدوم الاعوان يجمع الصناع البضاعة قبل حجزها من قبل الاعوان ثم يشرع صاحب المحل بالتفاوض وتقديم الاعذار الى العون الذي اتخذ ضده اجراءات قانونية نتيجتها خطايا متنوعة. خطايا مجحفة استنكر العديد من الباعة ما وصفوه «بتهميشهم» وعدم اصلاح وضعيتهم خاصة حسب قولهم انهم يعانون وضعا اجتماعيا صعبا ولا خيار امامهم سوى هذه المهنة ليكسبوا منها لقمة العيش. «لا اعرف لماذا كل هذه الحملات طوال النهار، الحرفاء يقبلون بكثافة على بضائعنا لزهد اسعارها ولا احد يشتكي. كما ان شهر رمضان سيحل قريبا فلماذا لا نستفيد من ذلك ونكسب قوتنا؟ هذا ما صرح به السيد كمال بائع متجول اتخذت في حقه الاجراءات القانونية العديد من المرات. وقد اضاف محدثنا «اذا ارادوا منع بيع البضائع المقلدة فلماذا لا يتم سحبها من بقية المحلات الموجودة في السوق»؟ وقد شدد الباعة على ضرورة مراعاة ظروفهم خاصة ان السلع التي يتم حجزها لا تسترجع في العديد من الاحيان وذلك لانها مقلدة ومضرة بالصحة كما ان قيمة الخطايا اعتبروها «مجحفة للغاية» لتصل في بعض الاحيان الى ضعف قيمة البضاعة المحجوزة او اكثر. تعابير حزن وحيرة وامل ظهرت على وجوه اغلب الباعة منتظرين فرصة بيع بضاعتهم بعيدا عن اعين المراقبة التي ترصدهم طوال النهار.