هام/ بشرى سارة للراغبين في السفر..    أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    التونسيون يتساءلون ...هل تصل أَضحية العيد ل'' زوز ملايين'' هذه السنة ؟    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    دورة مدريد: أنس جابر تواجه اليوم المصنفة العاشرة عالميا    كأس الكاف: حمزة المثلوثي يقود الزمالك المصري للدور النهائي    الرابطة الأولى: برنامج مباريات الجولة السادسة لمرحلة التتويج    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    انتشار ''الإسهال'' في تونس: مديرة اليقظة الصحّية تُوضح    تقلبات جوية في الساعات القادمة ..التفاصيل    مفزع: 17 حالة وفاة خلال 24 ساعة في حوادث مختلفة..    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    الكشف عن توقيت نهائي رابطة الأبطال الإفريقية بين الترجي و الأهلي و برنامج النقل التلفزي    زيارة ماسك تُعزز آمال طرح سيارات تسلا ذاتية القيادة في الصين    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    تونس / السعودية: توقيع اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    عاجل/ تفكيك شبكة مُختصة في الإتجار بالبشر واصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن في حق أعضائها    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    سان جيرمان يحرز لقب البطولة للمرة 12 بعد هزيمة موناكو في ليون    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    دولة الاحتلال تلوح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    سينعقد بالرياض: وزيرة الأسرة تشارك في أشغال الدورة 24 لمجلس أمناء مركز'كوثر'    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    غار الدماء: قتيلان في انقلاب دراجة نارية في المنحدرات الجبلية    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    50 % نسبة مساهمة زيت الزيتون بالصادرات الغذائية وهذه مرتبة تونس عالميا    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاعر في غنى عن الموت!
الشعراء يكتبون ذكرى غياب محمود درويش
نشر في الصباح يوم 09 - 08 - 2009

عبد الحفيظ المختومي (الكنعاني المغدور): «للقلب أوجاع.. حد الفرح الموجع»
أولاد أحمد: كان ما سوف يكون
آمال موسى: في حضرة غياب شاعر الظل العالي وشجرة اللوز
محمد علي اليوسفي: درويش... هل مرّ عام كامل؟
هادي دانيال: سنة أولى من حياة جديدة
تونس الصبّاح:
من ذا الذي يجرؤ على ملء الفراغ الذي أحدثه غيابه؟
هل أحد قادر أن يصبح اسمه قرين وطن؟ أن تصبح قصائده أغنيات المقهورين والموجوعين من الماء إلى الماء وهتافات المنفيّين وأبناء المخيّمات ويتامى الشهداء؟
من ذا الذي يقدر أن يجمع حوله اليمين واليسار والوسط دون أن يتلوّن هو أو يتبدّل؟
من طفولة الفقر والمنافي إلى الإبن المدلّل للثورة الفلسطينيّة وكاتب بيان ميلاد دولتها، وهو الشّاعر النّجم في اللّيالي الباريسيّة الجميلة.. هكذا كان المسار الذي انطلق ذات 1941 في الجليل بفلسطين لينطفئ في هيوستن بالولايات المتّحدة كاليوم منذ سنة بالضّبط ..
غادرنا درويش في مثل هذا اليوم ، ندّعي أنّه حيّ بشعره فينا.. نكذب... لقد افتقدناه لذلك نحيي ذكراه الأولى ..
لم نشأ في هذا الملفّ أن نعيد نشر ما كتب.. أو منتخبات من شعره فمن منّا لا يحفظها عن ظهر قلب.. اخترنا هذه الشهادات التي كتبت خصّيصا للصّباح، شهادات تختلف في الزّوايا وتشترك في كونها كتبت كلّها بأقلام الشعراء.. شعراء يعزّ عليهم غياب الشّاعر.
ظبية خميس: سلام على درويش
نعى محمود درويش نفسه بنفسه في كتابه في حضرة الغياب، حيث تأمل حياته وخاطبها مفتتحاً كتابه بمالك بن الربيب:
يقولون لا تبعد، وهم يدفنوني
وأين مكان البعد إلا مكانيا؟
يقول درويش: «فلأذهب إلى موعدي ، فور عثوري على قبر لا ينازعني عليه أحد من غير أسلافي، بشاهدة رخام لا يعنيني إن سقط عنها حرف من حروف إسمي، كما سقط حرف الياء من إسم جدي سهواً».
الشعراء والأدباء وأهل الحق يتحركون في عالم من الحرائق، والخرائب، والدمار ويسيلون أرواحهم بحثاً عن الحق، والخير، والجمال. ومحمود درويش هو أحدهم يمشي مع محمد الماغوط، ومي غصوب ، ونزار قباني، وعبد الوهاب المسيري، ومحمد عودة، وفاطمة إسماعيل، ونجيب محفوظ، وعبد الرحمن المنيف، وغيرهم الكثير ممن فقدناهم، غير أنهم لم يفقدونا. لقد تركوا بصماتهم على أرواحنا وأفكارنا وأحلامنا. وسوف تتغذى أجيال جديدة على ذلك زارعة نبتها الجديد القديم المتصل بالمقاومة: مقاومة القبح، والشرور، والإنتهاك الشرس لطمأنينة الإنسانية.
لقد كان محمود درويش أكثر من واحد بالتأكيد. من طفل الفقر واللجوء، إلى الفتى الغاضب والصارخ في برية الإنسانية إلى الشاب المدلل للثورة والمنظمة في عواصم بيروت، والقاهرة، وموسكو، وباريس. إلى العائد المخذول مقيماً على حدود «الدولة» ما بين فلسطين والأردن. من الثائر، إلى الطاووس المتأنق ببدلات بييركاردان، إلى المتعب والمنحني مرتدياً بدلة لا ربطة عنق لها وحاصلاً على جائزة الشعر العربي في مؤتمر جابر عصفور للشعر منذ عامين في المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة. كم مر من الزمان، ومن الأحوال، والتغييرات، والأحلام، والخيبات. وكم صنع من المحبين والمريدين والأعداء والغاضبين أيضاً.
تتوارد مشاهد درويش أمامي وأنا أراه يفتتح جلسة المجلس الوطني الفلسطيني في دمشق بقصيدته مديح الظل العالي في عام 1981 ومع الخروج الأوديسي للفلسطينيين من بيروت والمذابح التي طاردتهم. وأراه زاهياً بنفسه في ثمانينات لندن، وباريس وهو يقرأ الشعر عالياً، لامعاً وبراقاً بحذاء نظيف وجديد. وأراه في القاهرة وقد تواضع كثيراً، غير أنه تواضع التعب ذلك الذي قاده إلى شعر يختلف عن شعره المؤسساتي الثوري الصارخ إلى نص أكثر حميمية وأقرب إلى الأجيال الجديدة وقصيدة النثر في كتبه الأخيرة سرير الغريبة، ولا تعتذر عما فعلت، وكزهر اللوز أو أبعد.
يقول: «منذ اقتبست من البحر إيقاعه ونظام التنفس / حتى رجوعك حياً إلي/ فأنت مسجى أمامي / كقافية غير كافية لإندفاع كلامي إليك / أنا المرثي والراثي / فكني كي أكونك/ قم لأحملك / أقترب مني لأعرفك / إبتعد عني لأعرفك!».
عبد الحفيظ المختومي (الكنعاني المغدور): «للقلب أوجاع.. حد الفرح الموجع»
في مثل هذا الشهر- آب- الشهر الثالث على التوالي لحصار بيروت من سبع وعشرين سنة خلت، كانت بيروت الوطنية عروس العواصم- في ذلك الصيف القائظ تقاوم.. تقاتل وتصمد.. والعالم يتفرج، مشغولا بكاس العالم- وكأن الذي يحدث لا يعنيه، وهذا الذي يحدث هو ملحمة فلسطينية، لبنانية، عربية، أممية استثنائية ساهم في تأثيثها ورسمها وإخراجها المحارب والسياسي والمبدع والشاعر والصحفي والرسام والفنان...
وفي مثل هذا الشهر- آب- في آخر يوم من أسبوعه الأول من سنة خلت رحل الشاعر الكبير محمود درويش
اليوم هو 09 08 1982
واليوم هو 09 08 2008
الأول كان من أطول الأيام محنة على بيروت، دام القصف الثلاثي البحري و الجوي و البري عليها طوال أربع وعشرين ساعة دون انقطاع.
كان يوما جحيميا حقيقة.. أصر فيه جهابذة الحقد العنصري الصهيوني على تدمير بيروت وعلى رأس من فيها وإنهاء «المسالة».
لكن بيروت أبت.. رفضت الركوع ورفع الراية البيضاء
ف«المجد للمقاومة قد اقبلوا فلا مساومة
المجد للمقاومة»
والثاني كان قاصمة الظهر للقصيدة العربية في رحيل احد رموزها الكبار
والمشترك بين اليومين «طولهما وشدة وقعهما ونهايتهما التراجيدية».
رحيلنا عن بيروت ورحيل درويش عنا.
في ذلك اليوم من سبع وعشرين سنة خلت, وقد دخل الحصار يومه الثالث والستين..
كان محمود درويش الفلسطيني - عاشق بيروت بامتياز بيروت خيمته الوحيدة, بيروت نجمته الوحيدة- يقاوم، يكتب، يدافع عن «زهرة المدائن» ومشروعية حقها في الحياة.
بيروت كفاحه
والقلب لا يضحك
وحصارنا واحد
في عالم يهلك
يغني محمود درويش لبيروت ويقول عنها بيروت مشروع جزيرة حرية، مشروع جزيرة ديمقراطية، ولكن حتى هذه الجزيرة مع الأسف تم إغراقها,من هنا كان القلب لا يضحك».
وفي بيروت لم يعد للإنسان ما يخسره إطلاقا.. وإذا ما أتت القذيفة فلتأت.. هذا قدر.. نموت أو نحيا ليست قضية كبيرة.. المهم أن لا نستسلم أمام هذا الوحش (محمود درويش في تونس/ص24).
في الثاني عشر من حزيران من صيف الحصار، صدرت جريدة «المعركة» حين اجتمع بعض الكتاب والشعراء والصحفيين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب في مكتبة مجلة «الكرمل» التي يصدرها اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين ويرأس تحريرها الشاعر محمود درويش واتفقوا على إصدار جريدة يومية ترفد جبهات الصمود الأولى.
وفيها التقى الكثير من المثقفين والمبدعين والكتاب والصحفيين والفنانين معين بسيسو، عبد المنعم الصحفي المصري، حنا مقبل، عز الدين المناصرة، احمد أبو مطر، عدلي فخري، رشاد أبو شاور، زياد عبد الفتاح، حيدر حيدر، ناجي العلي، سعدي يوسف.. و.. و.. محمود درويش وافتتاحية العدد الأول ومقالته «لا ننسى، لا نغفر، لا نسامح..
تلك بيروت في ذلك الصيف الملتهب.. غابة بنادق وقامات مناضلة.
وفي بيروت تقاطعت ذات يوم صدفة لمحمود درويش، تحية وسلام ومرور سريع لأسباب معلومة..
قال بعد السؤال: ربما نلتقي في تونس، لكن التقيت به في عدن في سنتي الجامعية الأخيرة بعد الخروج من بيروت.. قرأ الشعر.. وتذكرني «ا.. ابن الخضراء.. أهلا»..
بيروت..آه يا بيروت..
كنت انشر قصائدي في جريدة «الهدف» بعد تحويلها من مجلة أسبوعية إلى جريدة يومية باسم «ابن الخضراء».
وفي بيروت التقيت بالشاعر البوهيمي الشهيد علي فودة واقتراحه علي المساهمة في جريدته «الرصيف».
وفي بيروت التقيت بالشاعر الذي توطدت علاقتي به بعد لقاءاتنا في الجزائر الصديق سعدي يوسف والذي تمتنت علاقتي به بعد ذلك في عدن.
وفي بيروت تعرفت على الفنان المناضل عدلي فخري متأبطا عوده، منتقلا من موقع إلى موقع ومن متراس إلى متراس يغني للمقاومة وللمقاومين.
وفي الفكهاني..كنت ألاقي الرفيق الرائع الحكيم جورج حبش بعكازه وابتسامته وتواضعه الثوري وتحيته الدائمة
«الله يعطيكم العافية يا رفاق»
وفي الفكهاني تعرفت على الصديق العزيز، الروائي رشاد أبو شاور..
كان يمر علينا كل صباح في موقعنا العسكري أمام البناية التي فيها مكتب الحكيم، وفيها منزل أبو شاور في الطابق الرابع كان يجلس معنا كل صباح يحتسي كوبا من الشاي قبل التحاقه بإذاعة الثورة ليذيع برنامجه اليومي «كلام بلدي».
وفي الفكهاني تعرفت على الصديق التونسي محمد علي اليوسفي، كان يعمل حينها في الإعلام..
سألني رشاد ذات صباح ..اقرأ لك في الهدف، لم لا تكتب في «المعركة»؟
ومن الغد سلمته قصيدة نشرت لي فيها..
ومن المفارقات المضحكة انه حكى لي هذه الحكاية بلكنة خليلية حلوة.
أتعرف يا ابن الخضراء.أنني لما سلمت قصيدتك لهيئة تحرير «المعركة».. وقرا محمود درويش اسمك قال..
شوا.. ابن الخضراء؟ والخضراء نعت يشار به إلى المرأة...وضحك الجميع ونشرت القصيدة.
كتب رشاد أبو شاور بعد ذلك في كتابه «آه.. يا بيروت»
«أخذت بندقيتي ومسدسي وذهبت إلى الفكهاني، قلت لنفسي لألقي النظرة الأخيرة على كتبي.. لأودع المقاتلين ..أصدقائي الذين أحببتهم واعتدت بهم.. هذا (ابن الخضراء) التونسي بلحيته، هذا أبو عبيد، هذا أبو عنتر، صباح الخير أيها الأصدقاء واشرب معهم شاي الصباح».
آه يا بيروت..
واه.. يادنيا.. على رحيل الشاعر الكبير محمود درويش في مثل هذا اليوم من هذا الشهر لسنة خلت.. كنت أنا والإمبراطور الجميل, الصديق احمد حاذق العرف بنادي الصحفيين حين بلغنا الخبر الفاجعة.. وفاة محمود درويش بعيدا عن فلسطين.. بعيدا عن بيروت.. بعيدا عن حورية..بعيدا عنا.. هناك في أقاصي أمريكا.
أصابنا الذهول وقيد الصمت أصواتنا.. ورحنا نتأمل حال هذه الدنيا وحالنا نحن العرب..
ولمعت في عيوننا دمعات بيضاء بيضاء..حزينة حزينة حد الحزن المحزن.
رحل الذين نحبهم.. رحلوا..
تونس 08 08 2009
أولاد أحمد: كان ما سوف يكون
أيها الاخوة ايتها الاخوات.
ايها الماء، أيتها الزيتونة المباركة، أيها النبات:
لم يمت محمود درويش البارحة الثامن من أوت 2009 بل انه يستعد للموت اليوم الأحد الموافق يوم السبت/التاسع من آب 2008 في تمام الساعة التي تخيرها «الكولسترول».
هكذا يمكن القول انه سيبلغنا اليوم خبر وفاته المنجز في العام الفائت.. لذلك شئنا ان نحتفل بذكراه الاولى في زخم هذه العربدة الميتافيزيقية التي اذا استفحلت في شوارع الزمن، اصبح الشاعر في غنى عن الموت مرة واحدة مثل سائر الاحياء وصار بامكانه ات يموت كل يوم.. لكن في اليوم الموالي لليوم الذي مات فيه كل سنة.
مثلا: في العام المقبل سيموت محمود درويش يوم الاثنين، وفي العام الذي يليه سيموت يوم الثلاثاء، وهكذا دواليك الى ان يموت في سائر الايام دون ان يموت في يوم محدد، اي دون ان يموت ابدا، وكأن الحياة هي كل ما تقرر على الكائن، وكأن الموت مجرد محطة تسلم المسافرين من قطار الى قطار، وتسلم القطار من مسافرين الى مسافرين.
ان موت الشاعر معلومة روتينية في دفاتر الحالة المدنية قد تحزن موظفة قرأت المنفلوطي وقد لا تحزنها غير انها ليست واقعة ملموسة على أرض الواقع، ولنا في احتفال تونس خلال شهر اكتوبر المقبل، بالعيد المائة لميلاد شاعرها الفذ ابي القاسم الشابي، ذي الخمسة وعشرين ربيعا، خير دليل على ان الذي «ملأ الدنيا وشغل الناس» أثناء حياته، ليس كالذي يقلع الشعر من زمنيته ملوحا بانه مكلف بغرسه في حدائق المستقبل المعلقة، المستقبل الذي يناله الشعراء الاستثنائيون مثل جائزة ويتفاجأ به مدلسو الحاضر مثل عقوبة. لم يكلفنا أحد او جهة باحياء ذكرى محمود درويش بل تنادينا، طواعية، نحن التوانسة من ذوي الاعراض الفنية والتجارب الهلاكية للالتقاء هنا في قرية «كان» حيث جمالية المكان وأناقة المعمار وأصالة المفهوم الذي قام عليه الفضاء تذكر، كلها بأناقة وجمالية كتابات درويش ذاتها.
ومن فرط حرصنا على الا يلومنا أحد، عدنا الى القواميس لرفع تلك التهمة العالقة بفعل «كان»، فوجدنا انه لا يفيد الماضي فحسب، بل يفيد الحاضر والمستقبل ايضا. ويفيد الديمومة كذلك.. ويفيد الابدية فوق كل ذلك.
ثم تساءلنا:
كيف لا يمكن اعتبار محمود درويش تونسيا بشكل من الأشكال، وبمقدار من المقادير، وهو الذي اختلط بأهل تونس، وعاشر نزرا من مثقفيها، على امتداد عقدين من الزمن، فكرمته تونس رسميا وشعبيا وشعريا، وكرمها هو نثريا وشعريا وعاطفيا، الى حد ات نهرا من الدموع التونسية الفلسطينية قد ساهم في ارتفاع ملوحة البحر الأبيض المتوسط. اذا جازت المبالغة؟
آمال موسى: في حضرة غياب شاعر الظل العالي وشجرة اللوز
المعروف عن أي شاعر افتتانه بشعريته وبانتمائه إلى دنيا الشعر ولكن هدا الافتتان الذي قلما يُغادرني يتحول إلى نقيضه ما أن تجرفني شراع التأمل إلى شاطئ شاعر حقيقي أو تدعوني الكتابة إلى شهوتها .
كم هو صعب التفكير في رحيل محمود درويش.
وكم هو أكثر صعوبة أن تستحضره شاعرا حقيقيا وكبيرا واستثنائيا، أدركنا معه جوهر الشعر وبطاقة هوية الشاعر وتعاليم الدهشة.
ثمة جرح ينزف قطرة قطرة وحجم القطرة منه لا يتجاوز عين الإبرة، ونحن في حضرة غياب محمود درويش الذي يقيم منذ عام في نومه العميق.
مر عام دون أن يقيم محمود درويش أمسية شعرية أو يكتب قصيدة.
مر عام دون أن يندمل حزن الشعر على فراق أعظم مريديه في النصف القرن المنصرم.
ولكن درويش الغائب الحاضر له سطوة التوهج في كل حالاته وأطواره .لذلك فحتى تأمل سيرته كشاعر حقيقي والتلذذ مجددا بتجربته الفسيحة كما الكون، والاكتواء بحقيقة غيابه الباعثة للشجن ووخزه المؤلم، كل هذا يجعلنا في حضرة غياب شاعر له معرفة دائمة ومتدفقة، يقدمها لنا حاضرا أو غائبا، نائما أو مستفيقا.
إزاء محمود درويش يحق لكل الشعراء أن يغاروا بل وأيضا أن يتضاءلوا . فالغيرة من قامة شعرية تتداخل فيها هبات الإله والشعر وذات محمود درويش نفسها وكذلك الإحساس بالتضاؤل يصبحان في عرف دنيا الشعر العظيم ميزة لا نقيصة.
إن أقوى ما في تجربة محمود درويش الذاتية والشعرية أنه على امتداد قرابة نصف قرن أو أقل وهو يُخبرنا دون قصد إخبار كيف يصبح الشاعر شاعرا كبيرا وحقيقيا .قدم لنا إجابة مجسدة وحية على سؤال طرحه باختزال ودقة وبلاغة . وهي إجابة متعددة ومنتشرة الظلال في قصائد درويش ونمط حياته وكيفية صياغته لعلاقاته مع الحياة والآخر والحب والجمال. وأغلب الظن أن سر شعرية محمود درويش ونجاحه في أن يكون أشهر الشعراء العرب المعاصرين وأكثرهم مبيعا ونجومية وكاريزما وسحرا وتلألأ ،أنه كان أكثر الشعراء إدمانا وإخلاصا للشعر .فهو قد أخلص لحلمه عندما كان طفلا في سن العاشرة كل حلمه في الحياة أن يصبح شاعرا. أخلص إلى درجة أنه رد الاعتبار لمعنى أن يحلم المرء بأن يكون شاعرا.
أقنع الجميع بأن مثل هدا الحلم في أعلى قائمة كل أحلام الإنسان الممكنة. وعند هذه النقطة المفتاح الملمح السر ندرك أي أفاق أخذنا إليها الإخلاص في محبة الشعر وممارسته وفي أي شيء آخر وإلى أي سماء يُحلق شاعر مثل محمود درويش آمن بأن أفضل شيء في الحياة أن يكون شاعرا.
فالإخلاص فكرة وحالة وطريقة -بالمعنى الصوفي- هي السمة الأولى البارزة في تجربة محمود درويش وهي أولى التعاليم والوصايا التي يتركها إلى أمته باعتبار أن الإخلاص في محبة الشيء يعد مفتاح النجاح السحري والوحيد والفريد من نوعه. لذلك فإن قطب الرحى في علاقة درويش بالشعر هي فكرة الإخلاص كتميمة رعت حلم الشاعر وسقته حتى أنه خان أشياء كثيرة كي يُبقي على مركزية الشعر الذي جعل منه سببا كافيا للوجود. ولعل ما يُؤكد ما ذهبنا إليه قوله: إنني مدمن على الوحدة. لم أشأ أبدا أن يكون لي أولاد وقد أكون خائفا من المسؤولية. ما أحتاجه استقرار أكثر. أغير رأيي، أمكنتي، أساليب كتابتي الشعر .محور حياتي ما يساعد شعري أفعله وما يضره أتجنبه.
ومن يتمعن قليلا هده الكلمات البرقية النفس يفهم من خلال دقة التعبير ووضوح الرؤية لدى الذات المعبرة أن السمة «الدرويشية» الثانية الأساس أنه كان يعرف ما يريد وكيف يصل إلى ما يريد ويُجنبه ما يهدد مركزية الشعر في حياته التي لا حياة أخرى تُنازعها أو تُجاورها الاهتمام والمقام.
تعكس قصائده التي تعبر عن تحولاته الجمالية والفنية والمضمونية، مهارة الكائن الشعري بداخله .فهو مشدود إلى الجمالي إلى أقصى مراتب التعلق،الشيء الذي مكنه من ابتكار إيقاعات جديدة ومن استثمار ألمعيته في تقديم فنيات مبتكرة مذهلة بل أنه من فرط إخلاصه لما هو فني وجمالي وذاتي الذي هو أساس الشعر والفن عموما فإنه تابع سفره نحو الشعر الأكثر صفاء والحال أنه مكرس شاعر فلسطين القومي، ذلك التكريس الذي لطالما أطربه وعندما دقت لحظة الانقلاب المواتية ثار ضده وأبرم بنودا جديدة مع قارئه، محولا وجهته نحو المجاز والشعرية ذات الصوت الخافت وإشراقات الحياة اليومية وتفاصيل الذات الحميمة في ذاكرتها وقصص حبها وحواراتها المفتوحة مع الجسد والحياء والموت وأشكال الغياب الكثيرة. حول وجهته ولم ينس التخلي عن بعض ما خبره من أدوات مستدعيا آليات مغايرة تقود إلى مناطق الشعر السرية كالسرد والنثر وقول الجدات في الوقت الذي يقول فيه الجماعة. إنه شاعر المجازفة بامتياز.
تحية إلى الحاضر الغائب على إخلاصه النادر والمخصوص والدرس الشعري الذي صاغه بماء الفضة مما جعل كل شاعر يعرف حقيقة حقيقته وحقيقة زيفه حتى لو أظهر عكس ذلك.
لك كان أعظم الشعر ونجومه ولنا كانت العبرة الصعبة نصيبا والدرس الشعري ميراثنا الأبدي .
إن شجرة اللوز وأوراق الزيتون والسنونو وأفراد عائلتك الشعرية كافة ترتل حنينك إلى النبع الذي جعلك تخلق أنهارا من الشعر وذلك في أول ذكرى على وفاتك... عفوا أقصد غيابك.
محمد علي اليوسفي: درويش... هل مرّ عام كامل؟
1
أقوى صورة ظلت تلازمني، من أيام محمود درويش الأخيرة، هي مضيُّهُ قدُمًا لمواجهة موته من دون التفاتة اللحظة الأخيرة لمودعيه، حتى لأكاد أتابع خطواته إلى الطائرة والمقعد الذي جلس عليه، وأرصد تحرك نظراته، وتداعيات أفكاره... وصولا إلى بوابة الموت الفيزيائي.
هذه الصورة عندما أجهد في استحضارها، أنجح. وعندما أحاول نقلها، أفشل قليلا.
أستطيع في هذا السياق أن أستعين بصورة أخرى، بصريّة هذه المرة، (على الرغم من المفارقة في التقريب بين الشخصيتين بعد مماتهما)! إنها صورة ناجي العلي عاقدًا يديه خلف ظهره سائرا قدما (لا ندري أين.. بل ندري) وخلفه الطفل المعجزة: حنظلة!
أحب أن أقول: ناجي العلي ذاك (أي في الصورة) هو محمد درويش أيضا، وحنظلة هو قصيدة درويش الباقية!
كان هدفه واضحا: مواجهة المصير بطريقة البطل الذي يريد أن يظل كذلك.
2
فوجئت بمرور سنة كاملة على غياب محمود درويش!
وهذا ما أكد لي، بعد التدقيق في الأمر، أن الرجل، مازال حاضرا... حتى في الغياب.
يكفي المرء أن يتصفح الجرائد والمجلات وخصوصا مواقع الأنترنت بما فيها المنتديات ليكتشف مدى حضور درويش فيها. أعماله متوافرة كلها للتحميل مجانا في أكثر من موقع. وأحباؤه يجتهدون في افتتاح مواقع جديدة له.
أما الحضور الطاغي لدرويش فهو في موقع الفايس بوك: لا يكاد يمر يوم... هل قلتُ: يوم؟ كلا! لا تكاد تمر دقائق حتى ينزّل قراؤه ومحبوه عشرات القصائد على النوافذ والحيطان. وهي قصائد متنوعة ترِد مسموعة ومرئية ومغناة أيضا.
ويضاف إلى ذلك حوارات ولقاءات معه أو شهادات مصورة تم تسجيلها بعد وفاته.
ولعل محمود درويش من أكثر الشعراء الذين مروا بهذه الحال منذ تواتر موت الكوكبة الأولى من شعراء الحداثة.
بعضهم ملأ أيامه بالحضور، وبمختلف تجلياته سواء أكانت فنية إبداعية أو حتى استعراضية. وتم نسيانهم بعد مرور عام واحد أو أقل.
حتى أبرز الشعراء حضورا في حياتهم على غرار نزار قباني، نكاد نجزم أن حضوره أمسى مقتصرا على القصائد المغناة. أما أولئك الذين لم تسعفهم الأغنية فقد دخلوا أرشيف الشعر العربي (البياتي مثلا).
3
وفي هذا السياق أستذكر جلسة مع محمود درويش، كانت بمناسبة مهرجان الشعر العربي الأول (ولم يشفع بثان حتى الآن) في تونس. تحدث درويش عما سوف يتبقى من شعر بعض زملائه الشعراء. ووصل به التفصيل والتدقيق إلى ذكر شاعر بعينه، محدّدًا أن له عشر قصائد سوف تدوم!
آنذاك كان هناك سؤال على شفتي، وأنا مدرك مسبقًا أنني لن أطرحه على درويش: وماذا عن بقاء شعرمحمود درويش؟
كنت أتوقع الإجابة عن مثل هذا السؤال الذي لا يخلو من مباشرة وربما تهور.
اليوم بعد مرور قرابة العشر سنوات على ذلك السؤال الهاجس، أستطيع الإجابة. وها أنذا قد فعلت كما ترون!
هادي دانيال: سنة أولى من حياة جديدة
قبل أن ينطفئ جسده النحيل، بعد أن اتكأت اليه قضية شعبه عقودا، واثر صراع تراجيدي معلن مع الموت الأمّي، اختلى الشاعر الفلسطيني الأكبر بمخلوقاته الحبرية التي قدّها وصورها من لغة متاحة كتراب الأرض وموسيقى مشاعة كزقزقة العصافير واحساس أكثر رهافة وهشاشة من جناح فراشة وايقاع أشدّ تعلقا بالحياة من نبض قلبه الكبير الى درجة ان نياطه تقطعت من الأثقال التي يحملها.
تداعت قصائده اليه من «عصافير بلا أجنحة» الى «لعبة النرد» ملحقة بنص لم يكتمل، وتضافرت على هيئة صلصالية اضاءت لياليه الامريكية الأخيرة، ليسدّد من خلالها الى الموت الجالس على حافة سريره الأبيض لكمته الأخيرة بجسده كله، نافخا في صلصال شعره روحه، روح الشاعر، الى آخرها بعد ان همس في أذن كل قصيدة من قصائده: «على هذه الارض ما يستحق الحياة»!
وما أن اعادت الارض جسد محمود درويش الى حيز مقدّس بين اضلاعها المقدّسة، حتى تقطّعت الحبال التي تصلها بسرّة الشاعر، نافضة عن اجنحتها الزغب، محلّقة في وجدان البشرية الشاسع، تارة تقف على اوتار الحناجر وأخرى تدرج على صفحات الورق والحيطان الالكترونية، وفي كل ذاكرة جمعية او فردية تبني اعشاشا جديدة لها من قش الخلود!
وفي صباح الأحد 9 آب/اوت ,2009 تطفى في نشيد اوركسترالي حزين يهز الكون من اقصاه الى أقصاه، الشمعة الأولى من عمرها الجديد، بعيدا عن ظلال منشئها الحاضر بها ابدا.
اقتسم محمود درويش الحياة التراجيدية في معاناتها الملحمية في نضالاتها، مع شعبه الفلسطيني تحت الاحتلال وفي السجون داخل الوطن، وفي خنادق الثورة وميادينها المختلفة خارجه بحركة جسده وفكره، لكن روحه القلقة كانت وحدة في تخلّقها وتفردها الابداعي.
ولئن كان جسده الآن يختلي بعناصره في وحدة سرمدية، فان روحه التي حلّت في شعره تبدأ حياة جديدة مع كل جيل جديد في كل مكان من هذه الارض بدءا من قريته (البروة) الى كل قرية ومدينة على سطح هذا الكوكب الذي اكتشف على مراحل شاعره الكوني وبوّره المكانة التي يستحقها من ذراه الوجدانية.
لقد خاض الشاعر معارك شعبه ضد الاحتلال الاسرائيلي وضد استهداف هويته الوطنية والقومية، ومعارك جسده ضد المرض، بشرف ونبل، كانت روحه فيه رفيقه المخلص، فكافأها بان تواصل الحياة على اجنحة شعره القوية التي تجوب الافاق مزهوّة بانتمائها اليه تجربة وأثرا.
واذا كنّا جديرين بالتعلم من هذه التجربة الثرية ومنجزاتها التي مكثت في الارض لانها تنفع الناس، فان علينا اولا ان نعلن امتناننا لمحمود درويش الذي اعاد الى الشعر مكانته ودوره بعد ان حاصرهما التشكيك من كل صوب وفي كل مكان.
لكن أول ما ينبغي علينا ان نتعلمه منه اخلاصه للشعر وتفرّغه الكامل له، فلم يترك موهبته الاستثنائية لقدرها، بل أحاطها بارادة الشاعر في ان يوفر لها كل متطلبات النمو والتطور وتجاوز نفسها باضطراد، من تغذية ثقافية بالقراءة اليومية المنتظمة، واكتساب كل ما يجد على مستوى النشاط الشعري العالمي من مهارات وصنعة، ولم تبدأ مثابرته لانضاج موهبته الى اقصى ما يمكن حتى آخر لحظة من حياة جسده.
وهذا ما يفسر حقيقة ان آخر قصائد محمود درويش هي أكثر قصائده تماسكا في بنيتها وعمقا في بعدها الفكري وأثرا على متلقيها ايا كان المستوى الثقافي لهذا المتلقّي.
فهذه القصائد بتوجهها الكوني، ومواضيعها اللصيقة بالهموم الوجودية لشعبة ولكل انسان في الوقت نفسه، وتناصّها مع التراث العربي والتراث البشري الانساني، الأدبي والموسيقي والفني، وبلغتها المجازية التي اختارت السهل الممتنع من لسان العرب وتراكيبه على مستوى العبارة او الجملة الشعرية، وبما افضت اليه من خصوبة على مستوى الدلالة، جعلت منها نموذجا ابداعيا هو مصدر للامتاع والمعرفة في آن معا، تكمن اهميتها للشعراء من بعدها في استلهام التجربة في مجملها لا في تقليدها اسلوبا وافكارا شعرية.
وبعبارة اوضح يفترض بنا ان نستلهم تجربة محمود درويش بان نكون مخلصين للشعر، باحثين باستمرار عن كيفية تجاور انفسنا، وتجاوز قصيدته او موازاتها باختلاف يضيف اليها، فمحمود درويش كان كثير التبرم بمقلّديه الرازحين باختيارهم الطفيلي تحت وطأة منجزه الشعري، وفي الوقت نفسه كان كثير الاحتفاء بمن ينجزون كتابة شعرية مختلفة عن كتابته في الرؤية والأسلوب، وهذا جانب من ديمقراطية الشاعر الذي يحبّذ دائما ان يصنع الآخرون انوالهم الخاصة بدلا من استعادة نوله هو لينسجوا عليه ما يتوهمون انها «قصائدهم» هم!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.