إن المتمعن في تاريخ تونس السياسي يلاحظ أن هذا البلد لم يعرف تقاليد ديمقراطية على مر كل العصور. فإذا استثنينا جمهورية قرطاج ودستورها المتطور الذي جسّم نمطا ديمقراطيا آنذاك، وحركة عهد الاصلاح في القرن التاسع عشر الذي أثمر قيام الدولة الحديثة وإمضاء ميثاق عهد الامان في 10 سبتمبر 1857 ووضع دستور 26 أفريل 1861، فإن تونس لم تعرف الديمقراطية بالمعنى الحديث للكلمة. ولان جاء في ديباجة دستور تونس المستقلة في 1 جوان 1959 أن الشعب التونسي مصمم على إقامة ديمقراطية أساسها سيادة الشعب، فإن فكرة الحزب الواحد، والرجل الواحد، والبرنامج الواحد، واللون الواحد... لم تسمح آنذاك بتأسيس الديمقراطية، وإرساء مقوّماتها، كتعددية الاحزاب، وتوسيع تمثيلية الشعب، وإرساء دولة القانون والمؤسسات، وحماية الحقوق والحريات... إذا الديمقراطية في تونس هي خيار جديد أحدثه الرئيس بن علي فأسس له تبعا لذلك مسارا رائدا، نقول أسس لان الديمقراطية بدأت مع بن علي وتواصلت معه. المسار الديمقراطي في تونس هو حديث العهد لانه بدأ مع الرئيس بن علي، ومع البيان البرنامج La déclaration.programme، بيان 7 نوفمبر 1987. بدأ منذ عقدين فقط، والفضل يرجع للرئيس بن علي، لان قبل 7 نوفمبر 1987 لم تعهد تونس لا الديمقراطية، ولا التعددية، ولا التحرير السياسي، ولا انتخابات دورية، نزيهة وشفافة. فإلى حدود تحول 7 نوفمبر 1987، لم تكن هنالك ديمقراطية ولم تكن من تقاليدنا. خيار جديد ومسار حديث أسّس لهما الرئيس بن علي. ورغم حداثته فإن مسارنا الديمقراطي ناجح، أي أنه في الطريق الصحيح، لانه نابع من رجل مصلح، كان ولا يزال مقتنعا بإصلاح الشأن السياسي، والتحرير السياسي، وإطلاق الحريات. ثم إن المسار الديمقراطي في الطريق الصحيح لان الرئيس بن علي له خصال رجل الدولة، أنقذ بشجاعة نادرة البلاد، وجعل من التغيير مشروعا حضاريا متجددا ولا استخلاف قيادة، فأدخل إصلاحات جذرية بما فيها الاصلاحات السياسية، واستطاع أن يغرس مفاهيم لم يعهدها المجتمع التونسي من قبل كالديمقراطية، والتعددية، وحقوق الانسان، ودولة القانون... ونجح في ذلك. إن مسارنا الديمقراطي في الطريق الصحيح لان الرئيس بن علي عرف كيف يحمي هذا المسار. حماه من الانتكاسات والهزات التي عرفتها تونس قبل 7 نوفمبر 1987 (على سبيل الذكر لا الحصر: محاولة الانقلاب سنة 1962، أزمة التعاضد سنة 1969، أزمة النقابات سنة 1978 وانتفاضة الخبز سنة 1984...)، هاته الهزات عرفتها اليوم كذلك بلدان شقيقة وصديقة اعتمدت طريقا سهلا، خيّل إليها بمقتضاه أن المنافسة السياسية احتدت، وأن الديمقراطية حققت أهدافها لكن حصلت فيها الانتكاسات. الرئيس بن علي حمى أيضا المسار الديمقراطي من الانتكاسات لانه حمى سيادة القرار التونسي، فالقرارات السيادية أصبحت تنبع وتُتَّخذ في بلادنا، والقرار أصبح تونسيا، سياسيا، وطنيا نابعا من رجل مصلح، بنى المسار الديمقراطي عن قناعة ودون إملاءات خارجية، حمى الحقوق والحريات وأطلقها منذ أول قانون في 26 نوفمبر 1987 (قانون ينظّم الاحتفاظ والايقاف التحفظي) وإلى اليوم، حرر الشأن السياسي، نجح في تكريس أكبر إنجاز سياسي... إدخال تونس في عصر التعددية السياسية، بدءا بقانون 3 ماي 1988 المنظم للاحزاب السياسية وصولا إلى آخر تعديل دستوري في 28 جويلية 2008 والذي وسع مجال التنافس في الانتخابات الرئاسية. الرئيس بن علي ركز كذلك دولة القانون والمؤسسات منذ 16 ديسمبر 1987 أي منذ إحداث المجلس الدستوري بأمر رئاسي، إلى أن أصبح هذا المبدأ، أي دولة القانون في الدستور سنة 2002، شأنه شأن التعددية، وحقوق الانسان... الرئيس بن علي أسس لديمقراطية وفاقية Une démocratie consensuelle منذ تاريخ 7 نوفمبر 1988 أي منذ إمضاء الميثاق الوطني بين مختلف الحساسيات السياسية المتواجدة آنذاك. الرئيس بن علي قام بهذه الاصلاحات قبل حتى التفكير في التنظير لتصدير "الحلم الديمقراطي وحقوق الانسان للعالم"، والذي بدأ التنظير له سنة 1992، ثم سُوِّقَت هذه الافكار وهذه النظريات إلى العالم منذ سنة 2000، وهذا ما ندرّسه لطلبتنا في الجامعات التونسية... هذا ما نشدّد عليه في كل كتاباتنا، وفي كل المناسبات... الرئيس بن علي لم ينتظر هذه التواريخ ليُقدِم على هذه الاصلاحات، لانه رجلا آمن بمفهوم، وبمعنى، وبمغزى كلمة إصلاح Réforme... ولانه عادة ما تقترن عهود الاصلاح بمصلحين، فإن الرئيس بن علي طبع أكثر من عقدين في تاريخ تونس بطابع عهود الاصلاح... الرئيس بن علي بنى الديمقراطية، تدرج في بناء المسار الديمقراطي، أصبحنا منذ 1999 نتحدث عن ديمقراطية البرامج Démocratie des programmes، تدرج في ترسيخ التعددية، وحقوق الانسان، فنجح ونجحنا سياسيا. وما كنا لننجح اقتصاديا لو لم ننجح سياسيا. تونس نجحت اقتصاديا من خلال هاته التصنيفات الحديثة التي اكتسحت الساحة الاعلامية الدولية والتونسية، فتونس مصنفة في مؤشر دافوس للتنافسية 2009-2010 -الذي يأخذ في الاعتبار مناخ الحرية، وطيب العيش- في المرتبة 40 من ضمن 133 بلدا. كما وضعت تونس في المرتبة الخامسة عالميا من ضمن 116 بلدا في مجال حسن التصرف في الاموال العمومية وفي المرتبة السابعة عالميا في جودة التعليم العالي، والتاسعة في مادة تفرّغ الباحثين والمهندسين حسب نفس منتدى دافوس. وفي مؤشر الاستقرار السياسي الذي تضعه Economist Intelligence Unit، وضعت تونس في المرتبة 32 من ضمن 165 بلد، كما احتلت تونس المرتبة 16 عالميا من ضمن 133 بلد في مجال ثقة العموم في رجالات السياسة، وفي المرتبة 18 في مجال شفافية أخذ القرار الحكومي بما أثمر احتلال تونس للمرتبة السادسة عالميا في مواجهة الازمة المالية العالمية، حيث تحصلت الصين على المرتبة الاولى فيما يتعلق بأداء الاسواق المالية بمعدل ربح بلغ نسبة 33.55% تليها فنزويلا بنسبة 28.35% وأندونيسيا بنسبة 26.71 % وتركيا بنسبة 23.57% وفيتنام بنسبة 15.06% وتونس بنسبة 12.04%، وهذا في اعتقادي هام وهام جدا. كما احتلت تونس مؤخرا المرتبة 29 عالميا والاولى عربيا من مجمل 143 بلدا في العالم في تصنيف البلدان التي يطيب فيها العيش الذي تصدره مؤسسة "إنترناشيونال ليفينغ" الدولية لنوعية الحياة في العالم. إن هاته الهيئات الدولية Instances internationales لا تجامل. كما أنها تعتمد في إعداد تقاريرها على معايير تقنية، اقتصادية كانت أو اجتماعية. ثم إنها تعتمد فيما تعتمد في إعداد نفس هاته التقارير على معايير ومؤشرات سياسية: كالاستقرار السياسيLa stabilité politique، والتحرير السياسيLe libéralisme politique، وحماية الحقوق والحريات La protection des droits et des libertés ، والمشاركة La participation، ونسبة المشاركة Le taux de la participation، والتضمينية أي التشريك L'inclusivité، وعلوية القانون La primauté du droit، والشفافية La transparence، والامن الاجتماعي والديمقراطية La paix sociale et la démocratie... يعني هذا أننا لم نكن لننجح اقتصاديا لو لم ننجح سياسيا. وهذا هام. الرئيس بن علي أرسى المسار الديمقراطي في تونس، وتدرّج في بنائه بنجاح، لايمانه بأن الشعب التونسي جدير بحياة سياسية تتطور باطّراد، لذلك اختار أن تكون النقطتان الاولى والثانية في برنامجه الانتخابي 2009-2014 "خطى جديدة على درب الديمقراطية وترسيخ التعددية" و"ترسيخ متواصل لحقوق الانسان وقيم التضامن". فبرنامج الرئيس بن علي الانتخابي "معا لرفع التحديات" يبشر بتوسيع المشاركة السياسية من خلال دعم أكبر من الدولة للاحزاب السياسية، وتوسيع التعددية الاعلامية، والسياسية، وترسيخ فعلي وبلا توقف لكل حقوق الافراد. إن نجاحاتنا السياسية تدعونا دائما إلى مزيد تطوير المشهد السياسي في تونس وهذا ما جاء في برنامج الرئيس بن علي 2009-2014، لذلك ستكون المرحلة القادمة مثل سابقيها مرحلة حبلى بالاصلاحات السياسية، وهو في اعتقادي تواصل مع أولويات الرئيس بن علي منذ اليوم الاول للتحول في 7 نوفمبر 1987، لكنها ستكون ثرية بتعزيز الاصلاحات في كل المجالات الاخرى وتثمينها، وذلك انطلاقا من نظرة شمولية بلورتها نقاط البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي 2009-2014 الاربع والعشرون. لان الرئيس بن علي أسس المسار الديمقراطي، ونجح في حمايته إلى يومنا هذا فوضعه في الطريق الصحيح، ولان تونس تخطت بفضل قائدها المصلح المرحلة الصعبة في إرساء المسار الديمقراطي، فإنها قادرة كذلك على النجاح في الخمس سنوات المقبلة بقيادة رئيسها بن علي. الدكتور عبد السلام دمق