قد تدخل السّوق المالية في تونس منعرجا جديدا في مسيرتها بعد أن شهدت ولأوّل مرّة في تاريخها تمويلا طويل المدى يصل الى 25 سنة عبر القرض الرّقاعي الذي أصدره "البنك العربي لتونس" هذا الشّهر والذي حقّق نجاحا قد يكون غير منتظر عند البعض لحداثة هذا المنتوج في السّوق. ويمكن القول انّ السّوق الماليّة التّونسيّة، التي تفوّقت بعد اقليميّا في مجال سوق القروض الرّقاعيّة، بدأت تتوّج مسيرتها في هذا المجال بالنّضج عبر اصدار مثل هذا النّوع من القروض الذي يتطلّب اقتصادا حاضرا متينا وقادرا على المحافظة على صلابته مستقبلا باعتماده على مثل هذا النّوع من التّمويل القادر على توفير الخدمة الماليّة الملموسة للمستثمر الذي كبتت أنفاسه القروض غير الملائمة لاستثماره ليجد نفسه في أغلب الأحيان يتخبّط في متاهات لا يجد لها مخرجا إلاّ عبر الحلول السّريعة حتّى ولو كان ذلك على حساب مردوديّة مشروعه ، ولعلّ روايات المستثمرين في القطاع السّياحي تعدّ من أبلغ الأمثلة لمثل هذه الوضعيّات. ولا يفوت المراقبون الإقتصاديون، عند تعداد مزايا مثل هذا التّمويل، الدّور الذي يلعبه هذا الأخير في التّقليص من درجة التّضخّم عبر خلق التّوازن لدى البنوك باعتماد نشاطها على موارد تتلاءم مع الاستعمالات وهو ما لا يمكن توفيره حاليّا عبر المنظومة التّمويليّة غير المتكافئة التي تقوم عليها البنوك. بدون شكّ فإنّ نجاح تركيز مثل هذا التّمويل مستقبلا يشترط أطرافا معيّنة، بدونها لا يمكن المواصلة في بناء هذه المرحلة المتقدّمة من مسيرة السّوق الرّقاعيّة. هذه الأطراف تتمثّل في ما يعبّر عنه بالمستثمرين المؤسّساتيين مثل الّذين أقبلوا على الإكتتاب في القرض الرّقاعي موضوع مقالنا، وأبرزهم مؤسّسات التّوظيف الجماعي وشركات التّأمين التي تراهن عليها في حقيقة الأمر المنظومة التّمويليّة في تونس في انتظار ان تنخرط أيضا الصناديق الاجتماعية في مسيرة السّوق الماليّة لكونها المستثمر المؤسّساتي الأبرز الذي تتطلّع اليه هذه السّوق..