قامت وزارة التربية قبل أسابيع من انطلاق الحملة الانتخابية بإصدار منشور يحجر الدعاية السياسية لأي حزب أو طرف مترشح لانتخابات "التأسيسي" وحذرمن أي تجاوز قد يحصل داخل الحرم المدرسي من قبل المربين مترشحين كانوا أم لا حتى تظل المدرسة في منأى عن كل التجاذبات السياسية والإيديولوجية. وعلى أهمية هذا الموقف الرامي إلى تحييد الفضاء التربوي عن كل مظاهر الاستقطاب السياسي في خضم الحراك الانتخابي الراهن الذي تعرفه بلادنا وهو موقف يعكس الحرص على المحافظة على الدور التعليمي والتنويري للمدرسة في معزل عن كل الصراعات الإيديولوجية (دون الخوض في مدى التزام الإطارالتربوي الحيادية من عدمها) فإن ما يلفت الانتباه عند المرور قرب الأسوار الشاهقة للمعاهد ويشد الانتباه عنوة اكتساح الملصقات الانتخابية للواجهات الخارجية لهذه المؤسسات ولو أن عملية التعليق لم يكتمل نصابها في كثير من الأماكن المخصصة لها على غرار بقية الفضاءات المخصصة للقائمات الانتخابية. إن وجود هذه المعلقات فارغة أوحاملة للملصقة من شأنه أن يدفع للتساؤل عن مدى احترام المؤسسة التربوية ومن خلالها الوزارة لمبدأ الحياد الذي دعت إليه والتزامها مسافة فاصلة مع الحدث السياسي اللامسبوق الذي يعيش على وقعه الشارع التونسي. فهل تقف حدود منع الدعاية بمختلف صورها وأشكالها المقنعة والبارزة عند الواجهة الداخلية لأسوار المعاهد وداخل قاعات الدرس فحسب؟ ليباغت التلميذ بمجرد تخطي الباب الرئيسي وتحديدا على الطرف المقابل للسياج الخارجي بشكل دعائي مباشر للحملات الانتخابية. أليس في هذه الممارسة ما يخل بتعليمات الوزارة وتشديدها على تحييد المدرسة عن كل مظاهر التجاذبات السياسية والانتخابية ؟ ألم يكن من الأجدى التخلي عن عملية استغلال أسوار المؤسسة التربوية لمثل هذه الحملات ولغيرها؟ وإن كنا نتفهم استغلال قاعاتها يوم الاقتراع. ما توفر لنا من توضيحات أوتبريرات فندت كل علاقة أوترابط بين الدعاية التي حجرتها الوزارة داخل المؤسسة وتلك المعتمدة عبر الملصقات الحائطية المدرسية المطلة على الشارع ما يجعل من الجدار الرئيسي فاصلا بين الفضاء الداخلي والمحيط الخارجي للمدرسة. أما المعطى الآخر الذي قدمته مصادرنا فيستند إلى عوامل "فنية" استوجبها اللجوء إلى هذه الفضاءات بحكم مساحتها الممتدة التي تسمح بتعليق الأعداد الضخمة من الملصقات إزاء الكم الهائل من القائمات الانتخابية المترشحة. ويذهب البعض في تفسير الحضور اللافت للمعلقات ونفي كل صبغة دعائية عنها إلى تخصيص أماكن تعليق لمختلف القائمات بمواصفات موحدة دون تمييز بين ملصقة وأخرى وفي ذلك ما يعكس الحياد وتجنب الدعاية لطرف بعينه فضاء أوالمفاضلة بين هذا وذلك. يبقى أنّ تخصيص مثل هذه الفضاءات الحائطية للتعليق ورد على المندوبيات الجهوية للتربية بطلب من الهيئات الفرعية المستقلة للانتخابات باعتبارها الجهة المشرفة على تنظيم العملية الانتخابية في مختلف حلقاتها. على كل ومهما كانت وجاهة التبريرات نعتقد أنه كان حري بالوزارة منع تعليق الملصقات على جدران مدارسها مادامت قد اختارت تحجير الدعاية الانتخابية داخل أسوارها حتى لا تكون محرمة بالداخل محللة على واجهتها المقابلة..