علمت "الصباح" من مصادر موثوق بصحتها أن وزارة المالية توصلت إلى تحديد قائمة أولوية لمتصرفين ممثلين للدولة من بين كبار الموظفين والإطارات الإدارية من الوزارات او من المؤسسات العمومية لتعيينهم على راس الشركات المصادرة وتعويض المتصرفين القضائيين القائمين عليها حاليا منذ أكثر من عام.. وتأتي هذه الخطوة استجابة لعدة دعوات صدرت أساسا عن هيئة الخبراء المحاسبين للبلاد التونسية التي دعت في أكثر من مناسبة الحكومة الانتقالية الفارطة وحتى الحالية للإسراع في تعويض المتصرفين القضائيين المعينين منذ بداية الثورة على المؤسسات المصادرة بمتصرفين ممثلين للدولة خاصة بعد تعرض بعض المتصرفين القضائيين إلى مضايقات وتهديدات واعتداء بالعنف.. وكانت مشاورات قد انطلقت منذ مدة بين لجنة التصرف في المؤسسات المصادرة التابعة لوزارة المالية والمتصرفين القضائيين على المؤسسات المصادرة وتم تبادل وجهات النظر بين الجانبين بخصوص المشاكل التي يتعرض لها المتصرفون القضائيون والوسائل الممكنة لتجاوزها ولضمان انتقال سلس للمؤسسات إلى الدولة حتى تقوم بتعيين متصرفين ممثلين لها على تلك المؤسسات.. كما ينتظر أن يعقد وزير المالية حسين الديماسي لقاء قريبا قد يعقد في بحر الأسبوع المقبل مع ممثل عن هيئة الخبراء المحاسبين لتدارس مقترحات الهيئة بخصوص ملف الشركات المصادرة خاصة في ما يتعلق بكيفية تسييرها وسبل التفويت فيها وانقاذ الشركات التي تمر بصعوبات مالية... غير أن اللافت للنظر أن عددا كبيرا من إطارات الدولة الذين تم الاتصال بهم وعرضوا عليهم تعيينهم في خطط رؤساء مديرين عامين على راس الشركات المصادرة رفضوا مقترحات تعيينهم، دون ابداء اسباب وجيهة للرفض.. ويطرح رفض بعض كوادر الدولة والموظفين السامين الوظيفية العمومية او في وزارات تعيينهم كممثلين للدولة على راس الشركات المصادرة من ممتلكات الرئيس السابق وزوجته واصهاره والمقربين منهم عدة تساؤلات رغم امتيازات المنصب، لكن يبدو أن البعض يسوده هاجس قوي وقناعة راسخة بإمكانية عودة بعض رموز اصحاب المؤسسات المصادرة خاصة من اصهار الرئيس الفار إلى جزء من أملاكه او شركاته.. في الواقع يبدو تخوف هؤلاء للوهلة الأولى مدعاة للسخرية لكنه قد يكون مشروعا إذا ربطناه بعدة عوائق قانونية وفنية تعيق مسار تصفية الأملاك المصادرة، وتشعب الإجراءات القانونية وغموضها ناهيك عن تضمن مرسوم المصادرة لثغرات قانونية مثيرة للريبة حذر منها خبراء في القانون ومتخصصون في التسيير الإداري والمالي.. يذكر ان وزير املاك الدولة والشؤون العقارية قد اكد خلال حوار تلفزي قرار الحكومة الانتقالية الحالية تعيين ممثلين لها في الشركات المصادرة، مشيرا إلى حصول تقدم كبير في هذا الموضوع الذي يخضع لتشاور مع جميع الأطراف مهنية وحكومية.. لكنه اعترف ايضا بوجود عوائق وصعوبات اجرائية وفنية ناجمة عن ثغرات قانونية بمرسوم المصادرة.. وكانت هيئة الخبراء المحاسبين قد حذرت الحكومة من خطورة تجاهل الوضع الصعب الذي تمر به بعض المؤسسات المصادرة خاصة أن المحاكم رفضت انتفاع المؤسسات المعنية بآليات الانقاذ حسبما ينص عليه قانون المؤسسات التي تمر بصعوبات مالية، بسبب الوضع القانوني لتلك المؤسسات التي يديرها مؤقتا متصرفون قضائيون.. لكن في هذه الحالة يطرح السؤال نفسه: كيف ستتصرف الحكومة الجديدة المؤقتة مع المؤسسات المصادرة خاصة تلك التي تمر بصعوبات من أجل الحفاظ على مواطن الشغل فيها؟. وماذا عن ديون الشركات والمؤسسات المصادرة، هل يتم اتخاذ اجراءات من اجل حماية الدائنين؟ علما ان من بين المقترحات التي نادى بها مهنيون ومختصون ماليون ادراج اسهم المؤسسات التي تمر بوضعية مالية مريحة في السوق المالية؟
إعادة هيكلة المؤسسات المصادرة
ومن بين المقترحات التي تقدمت بها هيئة الخبراء المحاسبين منذ عهد حكومة الباجي قائد السبسي، ضمان استقلالية لجنة التصرف في المؤسسات المصادرة، وأن تعهد لها مهمة إعادة هيكلة المؤسسات المعنية عبر شركة قابضة وادراج الشركات الجيدة في البورصة مع فتح رأسمالها لعمالها وإطاراتها. يذكر أن مجموع أصول هذه الشركات يقدر ب5 مليار دينار أي قرابة ربع ميزانية الدولة التونسية. كما يبلغ حجم ديونها حوالي 3 مليار دينار ويقدر عدد عمالها المباشرين بأكثر من 20 ألف عامل.
350 مؤسسة مصادرة
وكانت لجنة المصادرة التي عهد اليها امر التفويت في المؤسسات التابعة للرئيس السابق واقربائه والمقربين منه واصهاره اوكل إليها مهمة تحديد مستقبل نهائي لتلك المؤسسات اما بالمصادرة وإما بالتفويت فيها كليا او جزئيا أو تأميمها او حلها.. يذكر انه تم منذ شهر فيفري من السنة الماضية تعيين متصرفين قضائيين على راس المؤسسات المصادرة عهدت اليهم مسؤولية التسيير الإداري والمالي اليومي بصفة مؤقتة إلى حين البت في مصيرها وتعيين متصرفين عاديين عليها. وتمت عملية مصادرة المؤسسات المعنية وفق المرسوم المؤرخ في 14 مارس 2011 وضمت أموالا منقولة وعقارية ومساهمات في شركات تعتبر من خيرة مكونات الاقتصاد الوطني في مختلف القطاعات الحيوية من صناعات معملية وتحويلية وتجارة وخدمات وسياحة وفلاحة وبعث عقاري واتصالات، فضلا عن مؤسسات اعلامية.
ثغرات وأخطاء قانونية
تجدر الإشارة إلى أن خبراء محاسبين ورجال قانون كشفوا في تصريحات صحفية نشرت في "الصباح" عن وجود ثغرات في مرسوم لجنة المصادرة على غرار الفصل 2 منه الذي نصّ على أن مهام اللجنة المذكورة يتمثل في التصرف اليومي للمؤسسات المصادرة دون التطرق إلى وضع استراتيجيات العمل على المدى البعيد او ما تلزمه وضعية بعض الشركات من اعادة هيكلة او اصلاحات جوهرية. وتتكون تركيبة اللجنة من أعضاء يتمثلون في وزراء المالية، والعدل، وأملاك الدولة، وممثل عن الوزارة الأولى ومحافظ البنك المركزي ورئيس هيئة السوق المالية. وإضافة إلى عدم المساواة البارزة على مستوى المعايير المعتمدة في ذكر الأشخاص المعنيين بالمصادرة، وإهمال بعض الأقارب رغم إقحام آخرين لا يختلفون عن المهملين في شيء من ناحية درجة القرابة بالرئيس السابق ومن ناحية ممارسة نشاطات مالية مشبوهة، اهمل المرسوم ذكر شركات معروفة، وهو ما أدى إلى تهريب أموالها قبل وصول المتصرفين القضائيين إليها، كما ان جميع العقود التي تبرمها تلك الشركات بعد 14 جانفي 2011 تكون صحيحة ونافذة لسبب بسيط هو أن أموال تلك الشركات ليست على ملك المساهمين في رأسمالها نظرا لتمتعها بالشخصية القانونية والذمة المالية المستقلة. ورغم ذلك تصر الحكومات المتعاقبة على الإبقاء على هذا النص دون إصلاح..