أثار التصويت على تنصيب الشادلي العياري محافظا للبنك المركزي خلفا لمصطفى كمال النابلي جدلا كبيرا داخل المجلس الوطني التأسيسي وخارجه، حيث أعاد طرح ملف إقصاء التجمعيين من جديد والدعوة إلى الوقوف سدا منيعا أمام عودتهم إلى الساحة من أي باب أرادوا الدخول منهم تحت أغطية مختلفة، ولعل ما زاد في تأجيج الحوار والنقاش بين الفرقاء السياسيين هو الإزدواجية في الخطاب لدى الطرف الأبرز الحاكم ونعني بذلك حركة النهضة دون غيرها حيث نادى ممثلوه بإبعاد كل من ثبت تورطه وتعامله أو تقلده أيّ منصب في حزب التجمع المنحل فيما دافعوا تحت قبة التأسيسي على شخصية في عقدها الثامن من العمر وخدمت سابقا نظام بن علي من قريب أو من بعيد. و بعد الفصل في شخص العياري بل والدفاع عنه بضراوة من أجل إدارة المؤسسة البنكية الأولى في تونس، تطرح العديد من التساؤلات المتعلقة أساسا بالسؤال حول تعليق ملف إقصاء التجمعيين إلى أجل غير معلوم؟ وهل في هذا التعيين مؤشر على السير نحو المصالحة معهم (أي التجمعيين)؟ «الصباح الأسبوعي» اتصلت بثلة من الشخصيات السياسية والوطنية لسبر موقفها حول الموضوع. عمليّة إنتقائيّة يقول الإعلامي والحقوقي صلاح الدين الجورشي: «لا أعتقد أن تعيين الشادلي العياري سيشكل بداية مصالحة مع التجمعيين، لكن ما أراه في ما حدث إضعاف حجة الذين يريدون إقصاء هؤلاء من الحياة السياسية لأن العملية في النهاية انتقائية أي من هو التجمعي المستعدّ للتعاون مع 'الترويكا' وتقديم خدمات لها سيصبح حالة استثنائية. لقد وفرت طريقة إدارة ملف البنك المركزي فرصة للذين يقولون بالحكم على التجمعيين ككتلة متجانسة وهو موقف غير سليم منهجيا، لأن الأصل، من ارتكب جريمة في حق الشعب والثورة يعاقب، أي أن قضية التجمعيين تطرح حالة بحالة وليس ضمن موقف عام. عموما لم يثبت لدى الجميع ارتكاب العياري لأية جرائم ومخالفات خطيرة في العهد السابق». «تجمّعي خفيف وآخر ثقيل» من جهتها ترى نزيهة رجيبة (أم زياد) أن حديث رئيس حركة النهضة عن الفرق بين «التجمعي الخفيف» والذي لم يرتكب أيّة مخالفات أو تجاوزات في حق التونسيين في السابق، والتجمعي صاحب الملفات الثقيلة والتجاوزات، حيث قالت في هذا الصدد: «يدل ملف تعيين الشادلي العياري محافظا للبنك المركزي على أن النهضة بيدها إعطاء من تريد من التجمعيين صك التوبة أو الإدانة فهي الحكم في النهاية. لقد دخلت الحركة في توظيف هذه الفئة (التجمعيين) إيجابيا، كما قبلوا انخراطهم في الحزب سابقا، وأعتقد أن في الدفاع عن تعيين العياري موقفا يهم مصحلة الحزب بدرجة أولى غير آبه بالمصلحة الوطنية، فهي ترى في نفسها الطرف الوحيد الذي له الأهلية في إقصاء التجمعيين أو العفو عنهم وهنا أتساءل أليس في هذا عودة للاستبداد؟». علنيّة في التعاطي وتشدّد الأستاذة سعيدة قراش على أن النهضة بصدد التعاطي بشكل علني مع ملف إقصاء التجمعيين بعد أن كان في الخفاء حيث قالت: «تفتقر حركة النهضة للكفاءات، وبقاؤها في السلطة لن يتمّ إلا بالاستعانة بعناصر من بقايا التجمّع المتمركزين والمسيطرين على بعض مفاصل الإدارة الذين يتعاطون مع أيّ طرف حاكم دون تمييز أو ولاء لطرف دون غيره. أعتقد أن في غلق ملف اقصاء التجمعيين تحضيرا لمرحلة اتفاق بين النهضة والتجمعيين وهي محاولة للمزايدة السياسية واللعب على مشاعر الرأي العام في تونس بالدفاع عن تعيين تجمعي سابق». وتجدر الإشارة إلى أننا اتصلنا بأكثر من شخصية من مسؤولي حركة النهضة سواء في التأسيسي أو في المكتب التنفيذي للحديث عن موقف الحركة من الموضوع المطروح لكن حالت الاجتماعات دون ذلك.