تستند الحكومات الغربية في وضع خططها العشرية أو رسم برامجها الاقتصادية والمالية في جميع المجالات إلى رأي مراكز البحث والدراسات وتوصيات الخبراء والمختصين، في حين يعتبر عدد من المراقبين أنّ الحكومة المؤقتة في تونس اليوم لا تولي بالا في تسيير شؤون المرحلة الانتقالية، لرأي أهل الاختصاص ولا تستفيد من الدراسات الدولية والوطنية التي قد تتضمن توصيات مفيدة على المدى القصير أو المتوسط. اتصلت «الصباح الأسبوعي» بجملة من الخبراء الذين أكّدوا أنّ الحكومة تستند في تصوراتها إلى نظرة أحادية لا تستفيد فيها من رأي أهل الاختصاص أو التجارب التي سبقتها.. الحسابات السياسية بدل الخبرة يعتبر مصطفى التليلي دكتور في علم الاجتماع السياسي أن حكومة «الترويكا» تعتمد في خياراتها واتخاذ قراراتها على نظرة أحادية للأمور إذ «تسيطر الحكومة على مستقبل البلاد على أساس حساباتها السياسية الضيقة» دون أخذ التجارب السابقة بعين الاعتبار أو الاستفادة من آراء الخبراء وهذا المنهج على حد تعبير التليلي «فاشل بالضرورة.» ويرى دكتور علم الاجتماع السياسي أن المشكل الأساسي اليوم أن الحكومة الحالية سياسية في حين كان من الأسلم اعتماد حكومة «تكنوقراط» أو الإبقاء على الحكومة السابقة المكونة من خبراء لأن وضع البلاد الاقتصادي اليوم أسوأ بكثير مما كانت عليه الأمور في عهد الحكومة السابقة. فهذه المرحلة كانت تستوجب ترك الحسابات السياسية الانتخابية المحرّك الأساسي لسياسات الحكومة الحالية. ويرى التليلي أن أحد الأمثلة البارزة على ذلك أن الحكومة لم تستفد من تجربة الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بالرغم من أن الهيئة قد أثبتت نجاحها خلال انتخابات 23 أكتوبر بشهادة منظمات دولية. مفتاح «الحكم الرشيد» بالنسبة إلى الخبير الاقتصادي معز الجودي فإنّ أية حكومة في العالم لا بد أن تستفيد من آراء الخبراء والمختصين في الداخل أو الخارج حتى تكون قادرة على اتخاذ القرارات السلمية، خاصة ما يعرف بمراكز البحث والتفكير» «Think Tank»، فما بالك بحكومة انتقالية تردد دائما أنّها لا تمتلك التجربة السياسية الكافية مثل حكومة «الترويكا». ويذهب الجودي إلى حد القول بأنّ الإشكال الحقيقي لا يتعلق فقط بعدم اهتمام الحكومة بالدراسات الدولية التي يجريها البنك العالمي أو صندوق النقد الدولي وغيرها بل الأهم من ذلك عدم استفادة الحكومة من خبرات المجتمع المدني التونسي الذي ليست له أية أغراض سياسية ويهدف أساسا إلى خدمة المصلحة العليا. فإن كانت الحكومة تفتقر إلى الخبرة فإنّ العديد من الباحثين والمختصين في الجمعيات والمنظمات التونسية يمتلكون سنوات عديدة من التجربة في مجالات مختلفة. ويضيف الجودي أنّ الاعتماد على المجتمع المدني وخبرائه هو أساس الحكم الرشيد «La Bonne Gouvernance» الذي تردد «الترويكا» أنّها تسعى إلى إرسائه. ويضيف الجودي أنّه إذا قدّم خبير رأيا مخالفا لتوجهات الحكومة فذلك لا يعني أنّه يسعى لتحقيق مكاسب سياسية وإنّما من مصلحة البلاد أن تستمع الحكومة لكل الآراء خاصة المخالفة لها. لا يختلف الأمر كثيرا في مجال السياحة، إذ يرى محمد علي التومي رئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار أنّ القطاع حقق انتعاشة على مستوى الفنادق فقط في حين أن بقية الأنشطة الأخرى لم تستفد. ويشير التومي إلى أنّه بالرغم من وجود عدة دراسات قامت بها مؤسسات دولية ووطنية في هذا المجال إلا أنّ الحكومة لم تستفد منها ولم تفعل ما توصلت إليه، ومواصلة هذه السياسة لن يغير النتائج السلبية التي مازال يعاني منها القطاع. لإرساء الحكم الرشيد ووضع أسس اقتصادية وسياسية ثابتة، يرى الخبراء الذين اتصلنا بهم أنّ الاستفادة من التجارب والخبرات داخل وخارج بلادنا أمر جوهري، ومعمول به في جل دول العالم المتقدمة التي لا تخط حرفا في مشاريعها المستقبلية دون العودة إلى أهل الاختصاص الذين قد يمتلكون الخبرة لكنهم لا يملكون السلطة السياسية القادرة على تفعيلها.