لا شكّ اليوم في أنّ الاقتصاد الوطني التونسي يمر بمرحلة صعبة للغاية تجسّمت في العديد من الأرقام والنسب السلبية التي من شأنها أن تدعو إلى القلق والحيرة خاصة وأنّ الأفق السياسي والاقتصادي لا يزالان يشهدان ضبابية، وهو ما أكدته مؤخرا وكالة الترقيم الأوروبية "فيتش رايتينغ" لتثبت مرة أخرى أنّ الضغوطات الاجتماعية والسياسية قد أثرت على قطاعي السياحة والاستثمار وخاصة على تدفق الاستثمار الخارجي المباشر مستدلة بنسب تهم إصدارات تونس من العملة الصعبة والديون طويلة المدى في مستوى (ب ب ب سلبي) وإصداراتها من العملة المحلية (ب ب ب) مع آفاق سلبية، كما تقلص المساندة الدولية بسبب الحاجيات الهامة للتمويل في تونس في السنوات القادمة.. "الصباح" اتصلت بالخبير الاقتصادي معز الجودي قصد الوقوف عند مدى خطورة الوضع الاقتصادي في تونس وإمكانية البحث عن حلول جذرية نستطيع من خلالها أن نتجاوز الأزمة الحالية التي تشهدها البلاد. فكان أن استهل حديثه قائلا "أطلق صيحة فزع لأنه ثمة أرقام مفزعة ولا بد من قرارات عاجلة تحد من العجز الاقتصادي". مؤشرات خطيرة وقد بين لنا معز الجودي أن التوازنات الحياتية في تونس تأثرت تأثرا كبيرا جراء تفاقم العجز في العديد من القطاعات، ذلك أن تونس تشهد عجزا ب 6.4 مليار دينار وهو رقم تفاقم لمدة أكثر من عام (نقص في الواردات وارتفاع في الصادرات) وعجز في ميزان الدفوعات الجارية وصل إلى 7بالمائة من ناتج الدخل الخام. أما ميزانية الدولة فتشهد عجزا وصل إلى 9 بالمائة، يمكن أن يبلغ 10بالمائة وهي نسب -حسب الجودي- مرتفعة إلى الغاية ناهيك أن تونس كانت تشهد عجزا ب3.5 بالمائة على أقصى تقدير وهو عجز يمكن تفاديه. هذا وقد أشار الخبير الاقتصادي إلى تدني احتياطي العملة الصعبة إلى ما تحت المستوى الرمزي (100 يوم توريد). وبالرغم من تحسّن النمو الاقتصادي حسب المعهد الإحصائي (3.3 بالمائة) سنة 2012 بعد أن كانت 1.85 سنة 2011 فإنه لا يمكن حسب رأي الخبير الاقتصادي اعتبار النسبة ايجابية مقارنة بسنتي 2010 و2011 نظرا إلى أن السنة الحالية تشهد موسما فلاحيا متميزا وتحسنا في القطاع السياحي. إضافة إلى أن نسبة النمو 3.5 بالمائة -والكلام للجودي- ليست كافية لخلق مواطن شغل "لأنّنا عمدنا إلى ترميم العديد من مواطن الشغل سنة 2012 وبالتالي فإنّ عمليّة خلق مواطن شغل جديدة تعد شبه مستحيلة". من جهة أخرى بين الخبير الاقتصادي أن العدد المقترح للوظيفة العمومية (580 ألفا) يعد "كارثيا" لأنه سيثقل على النفقات العمومية، ولا سيما أن 340 الف موطن شغل يعتبر كافيا. إنقاذ الاقتصاد رغم المؤشّرات الخطيرة والحالة السيئة التي يشهدها الاقتصاد التونسي فإنّ معز الجودي أكد أنه "لدينا قدرة على إنقاذ اقتصادنا" وذلك بإعادة تنشيط النمو الاقتصادي. مبينا في ذات السياق أن النهوض بالاقتصاد يعد من مميزات المجتمع الديمقراطي "وهو ما نطمح إليه جميعا". تنشيط النمو الاقتصادي حسب الجودي يقتضي اجتماع كامل الاطراف السياسية والاجتماعية للتوافق على برنامج إنقاذ اقتصاد وطني ورسم خريطة واضحة عبر قرارات عاجلة تحد من العجز الاقتصادي والعمل على إحاطة المؤسسات الوطنية، الصغرى والمتوسطة لأنها تمثل عمودا من أعمدة الاقتصاد الوطني. إضافة إلى العمل على ممارسات الحكم الرشيد لأنه "يخلق الديمقراطية المفعلة" ويضمن الاستقرار على جميع الأصعدة.