انتظر كثيرون أن يحسم مؤتمر حزب حركة النهضة في مسألة الخلط بين الدعوي والسياسي لكن البيان الختامي للمؤتمر لم يأت على هذه النقطة لتبقى غير واضحة تنتظر الحسم. ولعل طرح هذه القضية من جديد يندرج في إطار الخشية التي سادت جزءا هاما من المجتمع لتغيير نمطه من مجتمع حداثي إلى مجتمع منغلق، وقد تأكدت هذه الفكرة لدى هؤلاء بعد تصريحات كوادر النهضة ومسؤوليها وتشديدهم على مدنية الدولة من جهة وبين التعاطي السياسي والأمني مع مجريات الأحداث مع بعض التيارات الدينية وباقي مكونات المجتمع. وللحديث أكثر عن هذا الموضوع اتصلت "الصباح الأسبوعي" بالصادق شورو النائب عن النهضة في المجلس الوطني التأسيسي وبالدكتور أعلية العلاني المختص في الحركات الإسلامية. لا وجود لإشكال أكد مسؤولو النهضة عقب مؤتمرها التأسيسي في حديثهم عن الفصل بين الدعوي والسياسي في عمل الحزب أن النهضة عملت في سرية لعقود حيث تعرضت للكثير من الأزمات إلا أنها حرصت على عقد مؤتمراتها في مواعيدها، وبقطع النظر عن مضامنيها فإنها حملت تراكما لمسائل من الضروري الحسم فيها ولم تحسم بعد وأهمها سبل تصريف المشروع الدعوي والسياسي وعملية التقييم التي ورغم وجود محاولات تقييمية في الداخل والخارج لكنها لم تكن مبنية على حوار شامل يجمع الجميع، كما لم تخضع العملية إلى حوار مفتوح، لذلك كان تحديد مؤتمر استثنائي بعد سنتين لمناقشة مثل هذه المواضيع. وفي هذا الصدد يقول الصادق شورو النائب عن حركة النهضة في التأسيسي ل"الصباح الأسبوعي": "أؤكد أن غياب الحسم في مسألة الدعوي والسياسي في عمل حركة النهضة لن يطرح أية إشكال لدينا لأننا حزب سياسي معني بالشأن العام في البلاد الدعوي والسياسي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي.. لكن لابد من التأكيد على أننا نغلب كل ما هو سياسي على الدعوي في عملنا الحزبي. كما أن ميولات كوادر الحركة ومسؤوليها تنقسم بين هذين المسألتين فمنا من يميل نحو العمل السياسي وآخرون نحو الدعوي الاسلامي لكن لدينا جميعا خط مشترك ونعمل في تكامل تام حيث لا وجود لأي فرق بين الدعوي والسياسي". على صفيح ساخن.. من جهته يشدد الدكتور أعلية العلاني المختص في الجماعات الإسلامية على أن لا أحد ينكر اليوم ما تمر به علاقة حركة النهضة بالمجتمع المدني من فترات صعبة، كما أنه لا أحد يمكن أن يتكهن بما ستؤول إليه الأوضاع إلى غاية الانتخابات القادمة بل هناك على حد تعبيره من يشك في إجرائها في ظل الاحتقان القائم بين السلطة والمعارضة، وقد حدد الأسباب وراء ذلك في الخشية من تغيير نمط المجتمع من مجتمع حداثي إلى مجتمع منغلق والخوف من شبح دولة دينية كما قال بغلاف ديمقراطي. يقول محدثنا: "هناك مفارقة عجيبة فخطاب الغنوشي المتصالح مع العلمانية (محاضرته في مركز الإسلام والديمقراطية بتونس يوم غرة مارس 2012) وامتناع النهضة عن إدراج الشريعة في الدستور لم يؤدّ إلى زوال الاحتقان القائم بين السلطة والمعارضة، بل ارتفع منسوبه في الفترة الأخيرة إلى مستويات مرتفعة تهدد السلم الاجتماعي والأمن الشخصي للأفراد". بداية النهاية..؟ يؤكد أعلية العلاني على أن الربط بين الدعوي والسياسي والخلط بين الفضاء الديني والفضاء السياسي ما انفك يثير ردود أفعال مجتمعية مناهضة لهذا التوجه وصلت إلى درجة المواجهة. ويقول في هذا الصدد: "اتهمت حركة النهضة بإغراق الساحة السياسية بجمعيات وأحزاب سلفية أكثرها لا علاقة لها بمشروع الدولة المدنية الديمقراطية، ومن هنا بدا التشكيك في النوايا الحقيقية لمشروع الحركة ولما وعدت به أيام الحملة الانتخابية. وقد تدعمت هذه الشكوك بمحاولة طرحها لمسألة تجريم المقدسات في الدستور ناهيك عن رغبتها في سن قانون العزل السياسي لاختيار معارضيها على مقاسها في الانتخابات المقبلة. وازدادت العلاقة سوءا بين السلطة والمعارضة لتكاثر الاعتداءات السلفية على رموز الفكر ورجال السياسة المفلتة من العقاب حينها أيقنت المعارضة أن نمط المجتمع أصبح مهددا بالفعل وأن ما روجته النهضة من خطاب حول الوسطية المتصالح مع الديمقراطية والحداثة لا أثر له في الواقع". تداخل .. ويتابع المختص في الحركات الإسلامية حديثه قائلا: "إن إبقاء الحركة على التداخل بين الوظيفة الدعوية والسياسية والإبقاء على التداخل بين الفضاءين الديني والسياسي هو الذي أوصلها إلى هذا الاحتقان مع المعارضة والذي سيكون مرشحا لمزيد التصعيد في قادم الأيام. فالنهضة تخشى من الدخول في مواجهة مع نصف قواعدها المحافظة جدا وتخشى كذلك من التيارات السلفية التي لا تؤمن أصلا بمدنية الدولة والنظام الديمقراطي. وهنا نفهم المأزق الكبير الذي توجد فيه حركة النهضة فحتى جناحها الليبيرالي مكسور الجناح ولا يزال يشكل أقلية. كما لا تتوفر الحركة على لوبي حقيقي يستطيع أن يعدل من موازين القوى لأن مؤتمرها الأخير أعطى لرئيس الحزب سلطات واسعة جدا، حيث تقع على عاتقه عملية نجاح أو فشل تجربة الإسلام السياسي وهو من سيكون منقذ الحركة بقبول نصيحة أردوغان أو المتسبب في أن اندثارها وخروج تيار الإسلام السياسي من الحكم لمدة طويلة إذا أصر على استراتيجيته الحالية"