تحقيق: غرسل عبد العفو وجمال الفرشيشي -التوقف عن قبول الملفات.. ودراسة مدققة للحالات قبل إعطاء القروض لا تزال معضلة سكان الوكايل بالعاصمة تتفاقم، وتتهدد حياتهم أخطار عديدة منذ سنين رغم دعواتهم بالتدخل السريع لمساعدتهم وانقاذهم.. ورغم التوسع العمراني الذي عرفته العاصمة وانتشار المباني بكل الجهات المحاذية لها، فان الملاحظ لا يزال الى حد اليوم يجد العديد من العائلات التي اتخذت من الاحياء العتيقة -حيث تتواجد المنازل والعمارات المهددة بالسقوط بفعل الزمن والعوامل المناخية ناهيك عن الإهمال- مكانا للسكنى في ظل غياب الحلول البديلة لقلة ذات اليد. تهاطل الامطار في الايام الاخيرة جعلنا نقترب من هذه الأسر لمعرفة ظروف عيشها وسبب تعريض حياة أفرادها للخطر وللأمراض، فكان هذا التحقيق. لم نجد اي صعوبة في البحث عن مبان متداعية وسط العاصمة تسكنها عائلات حيث كانت البداية باحد الانهج القريبة من مقام «سيدي الحلفاوي» بباب الخضراء تحديدا بمنزل تقيم فيه ثلاث عائلات لم نجد منها سوى أسرتين لان المرأة الطاعنة في السن والقاطنة هناك بمفردها قد خيرت اللجوء الى مسكن لأحد أبنائها خوفا من تساقط الأمطار التي لم تجد سقفا متينا يمنعها من ولوج المنزل وهي طريقة تتبعها هذه المرأة كلما تعكر الطقس ومع أول هطول للأمطار على أن تعود الى مسكنها عند تحسن الأحوال الجوية. ظروف صعبة وفي حديثها عن حال أسرتها قالت مريم وهي في العقد الرابع من عمرها وأم لثلاث ابناء تقطن بمنزل شارفت حيطانه على النهاية: «أعيش وأسرتي وضعا صعبا للغاية فمياه الأمطار - التي تلج المنزل من كل جهة في هذا الوقت من السنة أضرت بصحتنا وبأثاث المنزل المتواضع وقد طالبنا مسؤولي الجهة بالتدخل لحمايتنا في اكثر من مرة لكن لا حياة لمن تنادي». إحدى الجارات علمت بزيارتنا وبموضوع تحقيقنانا حول المباني المتداعية التحقت بنا وهي في طريقها الى العمل حيث اكدت ان اغلب المساكن بالجهة تاثرت بالعوامل الطبيعية وبإهمال أصحابها المالكين لها إذ قالت فائزة: «أنا متسوغة لشقة بالطابق الثاني بها غرفة وقاعة جلوس ومطبخ وحمام تآكلت جدرانها من الرطوبة التي اثرت على صحة ابنتي والتي تركتها مريضة لا ذنب لها سوى انها تنتمي لعائلة غير قادرة على امتلاك منزل تتوفر فيه كل مقومات العيش الكريم». تحولنا الى نهج آخر بالمنطقة حيث التقينا مع امرأة وقد حملت نبرات صوتها المرتجف من البرد فقدانا لأمل تراه بعيد المنال في ظل غياب المسؤولين المعنيين اذ قالت شادلية: «يعلم كل مسؤول وضعية متساكني المنطقة. لم ندخر أيّ جهد في تبليغ أصواتنا إليهم وشرح الوضع الصعب الذي نعيش على وقعه لكن وللأسف لم نجد من يتجاوب معنا، حتى زيارات عدد من مسؤولي البلدية حين تسلمنا مطبوعات لتعميرها وتمّ وعدنا بالتدخل السريع لحل ازمتنا لم تنه متاعبنا، وفي كل مرة وبعد طول انتظار نصعق بإجابة مفادها أن الوضع الحالي للبلد لا يسمح بتوفير مساكن جديدة في الوقت الراهن وما علينا إلا الانتظار، لكن أعتقد شخصيا أنهم يريدون سقوط المنازل حتى نغادرها قسرا أو الموت تحت ركامها لا قدر الله». وتتواصل جولتنا بأحياء العاصمة وأحوازها العتيقة حيث قادنا المسير إلى منطقة «الحفير» بباب الخضراء أين وجدنا أحد المتساكنين قد تمّ تثبيت واجهة منزله بألواح خشبية (كما تبينه الصورة) ورغم ذلك فقد جازف وعائلته بتسوغه وسط تأكيد كل من قابلنا من متساكني المنطقة على كون ما قامت به هذه العائلة يعد انتحارا خاصة وأن المنزل كان مغلقا قبل الثورة. مشروع.. طرح مشروع «الوكايل» منذ سنوات في نطاق العناية بمتساكني المباني المتداعية والآيلة للسقوط والتي تتطلب الصيانة أو الهدم وإعادة البناء قصد إيجاد الحلول الملائمة لهذه الفئات. وقد عملت بلدية تونس بمعية عدّة أطراف لها علاقة بالموضوع على الإحاطة بهذه الشريحة من السكان بعدة صيغ منها إعادة إسكان عائلات معوزة تقطن مباني متداعية للسقوط وهي غير مؤهلة للحصول على مسكن سواء عن طريق برامج الدولة (السنيت والسبرولس) أو الصيغ الخاصة (بناء مسكن خاص, شراء أراض...). أما عن المنتفعين فهم عائلات معوزة تقطن مباني متداعية للسقوط وجلها مبان مخصصة للسكن الجماعي, كل عائلة متسوغة لغرفة واحدة أو غرفتين على أقصى تقدير وتفتقر إلى المرافق الأساسية. وقد تبين أن هذه العائلات تتكون من: - ثلث العائلات حالات اجتماعية منعدمة الدخل (مسن, أرمل, معاق, مفارقة, مطلقة,...(. - وثلث العائلات لا يتجاوز دخلها 200 دينار في الشهر (عمال حضائر, عمال يوميون, حرفيون,...(. - وثلث العائلات لا يتجاوز دخلها 300 دينار ووفيرة العدد. وقد أسفر هذا المشروع عن إسكان حوالي 1680 عائلة موزعين على أربعة مراحل شملت الاولى حي خالد ابن الوليد دوار هيشر حيث استفادت من ذلك 387 عائلة، فيما انتفعت منالمشروع 454 عائلة كذلك في المرحلة الثانية بحي المشتل بالعقبة العليا. اما المرحلة الثالثة فقد استفادت منه 604 عائلة بسيدي حيسن، ويتجه الاهتمام حاليا في المرحلة الرابعة والأخيرة إلى المدينة العتيقة وباب سويقة حيث استفادت إلى الآن 114 عائلة من هذا المشروع. تدخل.. وللحديث أكثر عن هذا الموضوع أكدت ماجدة تنفوس كاهية مدير بإدارة التهذيب والتجديد العمراني ل»الصباح الأسبوعي» نحن الآن في الجزء الرابع من مشروع الوكايل حيث توجد عقارات تتطلب حالتها التدخل خاصة وأن البناءات القديمة بالعاصمة قد زادت حالة بعضها تدهورا لذلك دعونا مسوغيها ومالكيها الى الإسراع بترميمها وصيانتها. نقوم بقبول ملفات قاطني هذه المساكن والطالبين قرضا يصل أحيانا إلى 100 ألف دينار لكن هناك شروط وجب احترامها ومن بينها ملكية صاحب الملف للمسكن الذي طلب قرضا من أجله بالإضافة إلى امتلاكه لدخل شهري. وعند توفر الشروط المطلوبة يقع درس الملفات وبعد الموافقة نقدّم القرض على ثلاث مراحل (20 % ثم 40 % ثم 40%). ومن أهم المشاكل التي تعترضنا هو غياب الدخل القار لصاحب الملف. عموما عما قريب لن نعطي قروضا، وحتى الملفات لن يتسنى لنا قبولها في قادم الأيام».
أهمّ ما جاء في المرحلة الرابعة من مشروع الوكايل يضمّ البرنامج الرابع من مشروع الوكايل 39 بناية متداعية للسقوط ويقطنها 37 أعزب و133 عائلة تضمّ 616 فردا وتتطلب الهدم، 166 بناية تستوجب أشغال ترميم كبرى ويقطنها 21 أعزب و778 عائلة تضمّ 3217 فردا، و106 ورشات ومحلات حرفية يستدعي بعضها الهدم (45) وبعضها الآخر التهذيب الثقيل (53) وتتطلب 8 ورشات أخرى التهذيب الخفيف. كما أن هناك تدهورا لبعض الممرات والشرفات بالمدينة العتيقة، مما يشكل خطرا على المتساكنين والمارة بالطريق العام، وتستوجب حالتها التدخل العاجل لصيانتها لذلك وقعت برمجة إعادة تبليط الأنهج وتجديد شبكة التنوير العمومية وتهذيب الواجهات و»الصباطات» والأقواس والعناصر الزخرفية وإعادة تهيئة وتجميل الساحات التي توجد في هذه المنطقة، لكن يبقى السؤال هل بإمكان البلدية الالتزام بهذا البرنامج خاصة في ظل الظرف الاقتصادي الصعب الذي تعيشه تونس؟ إنجازات.. تواصل بلدية تونس خلال السنة القادمة إنجاز مشروع بناء مجموعة وحدات سكنية يبلغ عددها 160 وحدة بالحرايرية وذلك في إطار المرحلة الرابعة من مشروع الوكايل بتكاليف جملية تقدر ب3 ملايين و800 ألف دينار ويأتي مشروع الوكايل في إطار العناية بالفئات الاجتماعية محدودة الدخل وتحسين ظروف عيشها. ويذكر أن المدينة العتيقة كانت استقطبت عقب الاستقلال عددا من الوافدين من الأرياف بحثا عن الشغل مما حول عدة بنايات عمومية إلى «وكايل» أي إلى فضاءات مشتركة تؤجّر بالغرفة لعديد العائلات التي لا تربطها في أغلب الأحيان أية صلة قرابة ومع مرور الوقت تداعت حالة هذه المساكن التي تفتقد إلى أبسط مرافق العيش الكريم. وشهدت هذه البنايات البالغ عددها 600 بناية اكتظاظا سكانيا ملحوظا وذلك لإيوائها قرابة 3 آلاف عائلة وهو ما أفرز عديد المشاكل البيئية والصحية والاجتماعية. وقد تمّ الشروع في إنجاز مشروع الوكايل بعد الزيارة الفجئية لرئيس الدولة إلى إحدى هذه البنايات يوم 20 ديسمبر 1990. وبإنجاز هذه المساكنالجديدة سيشارف مشروع الوكايل على نهايته، إذ تمثل هذه المساكن القسط الأخير من هذا البرنامج وقد كان من المفترض أن يتمّ إنجاز هذا العدد الجديد من المباني بمنطقة مدق الحلفاء، غير أنه ونظرا لصعوبة التنفيذ قامت البلدية بثلاثة مطالب عروض وتمّ الحصول على أرض تابعة للبلدية تتوفر على هكتار بمنطقة الحرايرية بكلفة أقل من مليون دينار وسيتمّ فيها بناء 160 مسكنا عوضا عن 56 مسكنا.
مشروع الوكايل من جانفي 1991 إلى 31 ماي 2002 المرحلة الأولى (من نوفمبر 1991 إلى جوان 1992( أعيد إسكان 489 عائلة كانت تقطن ب89 وكالة: المرحلة الثانية (1994 و1996( تمت إعادة إسكان 416 عائلة. المرحلة الثالثة (من سنة 1996 إلى 30 نوفمبر 2005( إعادة إسكان 1082 عائلة موزعة على النحو التالي: 604 عائلات انتفعت بمساكن جديدة شيدتها البلدية بحي 25 جويلية بدائرة سيدي حسين بكلفة 7.472.000 د. 52 عائلة انتفعت بمساكن جديدة شيدتها البلدية بحي المشتل بالعقبة العليا من دائرة الحرايرية بكلفة 656.500 د. 202 عائلة انتفعت بمساكن جديدة شيدتها البلدية بالمدينة العتيقة من دائرتي المدينة وباب سويقة بكلفة 2.668.516د. 5 عائلات ساعدتها البلدية على اقتناء مساكن عن طريق الشركة الوطنية العقارية للبلاد التونسية. 209 عائلات انتقلت إلى مساكن جديدة بحي المروج 2 الكبارية.