يتحدّد اليوم نهائيا ممثل الحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الامريكية المنتظرة لنوفمبر القادم الذي وكما هو معروف سيكون إما باراك أوباما السيناتور الاسمر أو هيلاري كلينتون السيدة الاولى السابقة للبيت الابيض وإلى حد اليوم يبدو مصير الاحزاب الديمقراطية أو لنقل اليسارية بالغرب متشابها. ولئن كانت عدة نقاط تجعل الحياة السياسية بكل من الولاياتالمتحدةالامريكيةوفرنسا وهما دولتان غربيتان من بين أقدم الديمقراطيات في العالم مختلفة بين هذه وتلك فإننا نلاحظ وكأن قدرا واحدا يجمع بين الحزب الاشتراكي الفرنسي والحزب الديمقراطي الامريكي. فقد عجز الحزب الفرنسي عن الفوز بالانتخابات الرئاسية للمرة الثالثة على التوالي في حين لا تبدو حظوظ الحزب الامريكي مضمونة مائة بالمائة للفوز بالانتخابات بعد أن فشل فيها في مرة أولى وفي مرة ثانية على التوالي. ما يجعلنا ندفع بهذه الفرضية ما لاحظناه من أن شخصية السيناتور ماكاين ( الاريزونا ) الذي من المرجح أن يكون هو ممثل الحزب الجمهوري ما يوازي تقريبا في فرنسا حزب اليمين الحاكم حاليا وتلعب شخصيته دورا هاما في جعل نتائج الانتخابات الامريكية القادمة يصعب التكهن بها وبالتالي فإن توقع هزيمة مؤكدة للجمهوريين في االانتخابات بعد فترة حكم الرئيس بوش التي كانت كارثية وفق أغلب المحللين السياسيين يبدو بعيدا عن الواقع وربما هو توقع ساذج. ما أشبه أمريكا اليوم بفرنسا الامس كنا نتوقع مثلا بعد فترة حكم الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي كانت تواجه بنقد لاذع خاصة في العامين الاخيرين سواء في الاوساط الاعلامية أو لدى المشتغلين بالسياسة من بين أهل المعارضة وغيرهم أضف إلى ذلك نتائج سبر الاراء غير الايجابية وفشل الحكومة في مسألة التشغيل ومسألة الامن والهجرة ثم ذلك الجواب بلا في الاستفاء الذي دعت له الدولة حول تبني الدستور الاوروبي إلخ كلها عوامل تجعل من المنطقي أن يتكهن الواحد بفشل حزب اليمين الحاكم في الانتخابات الرئاسية الفرنسية. لكن ما حدث هو العكس. لقد انتصر ممثل هذا الحزب السيد نيكولا ساركوزي وبأغلبية واضحة في هذه الانتخابات. لماذا؟ لان شخصية الرجل حينذاك هي التي رجحت كفته فقد كان الرجل أقرب إلى تمثلات الشعب الفرنسي لرئيسه القادم. وهكذا فقد فضله على مرشحة حزب اليسارالسيدة سيغولان رويال رغم ما برهنت عليه من خصال عديدة. وقد تمكن نيكولا ساركوزي بذكاء واضح من الظهور في مظهر المعارض صلب عائلته السياسية. فلا ننسى أن حملته الانتخابية قامت كلها تقريبا على شعار القطيعة مع النظام القائم حتى أن الناخب الفرنسي نسي أو تناسى أن مرشح اليمين جزء من هذا النظام بل لعله الجزء الاهم نظرا للمسؤوليات التي كان يتقلدها في الحكومة وخاصة من بينها وزارة الداخلية قبل أن يجمع بين مهامه في الحكومة ورئاسة الحزب الحاكم. السيد جون ماكاين يكاد يعيد السيناريو ذاته لكن بالولاياتالمتحدة فهو يحرص على الظهور في موقف المعارض ويحمل شعار التغيير والتجديد في الحزب الجمهوري. ويبدو أنه قد اهتدى إلى الحل السحري ذلك أنه لا يجد صعوبات كبيرة إلى حد الان في الانتخابات التمهيدية في حزبه على خلاف مرشحي الحزب الديمقراطي ونتصور أنه سيواصل في استعمال نفس الاسلحة ضد خصمه ممثل الحزب الديمقراطي. المجتمع الامريكي والتغيير هناك بالتأكيد رغبة نابعة من جزء من المجتمع الامريكي في التغيير وهو ما يفسر النجاح الذي يلاقيه السيناتور أوباما. هذا الاخير لم يسطع نجمه فقط لانه ينحدر من أصل أفروأمريكي وليس لانه يعبر عن طموحات الاقليات بالمجتمع الامريكي ولا هو مثال لانتصار دعاة تساوي الحقوق المدنية. إنه يحظى تماما بما حظي به بيل كلينتون من قبل من شعبية لانه يعتبر دما جديدا بالعودة إلى عمره الشاب وإلى مظهره المميز. ولما يتحلى به من خصال أبرزها الكاريزما التي بدونها لا يتحرك الناخب الامريكي إلا نادرا حتى أن بعض الناخبين لا يترددون في إيجاد نقاط تشابه بين باراك أوباما وجون كينيدي من حيث الوسامة والجاذبية حتى ولو اختلف لون بشرتهما. هذا الميل التلقائي الذي يلاحظ بشأن أوباما ليس ببعيد عن تذكيرنا بموجة المساندة التي حظيت بها السيدة سيغولان رويال لدى القواعد بحزبها الذين فرضوها في نهاية الامركمرشحة رسمية لهم في الانتخابات الفرنسية التي لو شئنا لقلنا أن الفرنسيين ربما يتساءلون اليوم لو أن أحوالهم ستكون أفضل لودفعوا بسيغولال رويال إلى قصر الايليزي بالعودة إلى نتائج استطلاعات الرأي في فرنسا التي تؤكد أن الرئيس الفرنسي لا يتمتع بعد أشهر على ممارسته للحكم بأي شعبية تذكر. لكن هذا القسم من الشعب الامريكي الذي يبقى محافظا في كثير من الامور هل يكفي لوحده حتى يتسنى تحقيق تغيير جذري في الحكم ببلادهم؟ إن للناخبين سواء بفرنسا أو بالولاياتالمتحدة أو بأي ديمقراطية كانت حساباتهم الخاصة عندما يصوتون لهذا أولذاك. لقد برهن الشعب الامريكي على ذلك عندما انتخب مرة ثانية الرئيس جورج وولكر بوش رغم مدته الرئاسية الاولى التي لم تكن مشجعة. لكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر جعلت الشعب يلتف من حوله من جهة ثم يعيد انتخابه من جهة ثانية. لقد كان للعوامل الامنية دورها المؤثر في تحديد اختيارات الامريكيين وهوتماما نفس السلاح الذي اعتمده الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أجل التأثير على الناخب الفرنسي. فإن كان شبح منظمة القاعدة ليس حاضرا بالمجتمع الفرنسي بالشكل الذي هو عليه بالولاياتالمتحدة التي دخلت في حرب ضدها فإن الخطر يأتي وفق ما تهيأ للفرنسيين من الهجرة ومن المهاجرين الافارقة والمغاربة بالاساس الذين يهددو ن الهوية والبلد وفق الترسانة الدعائية لحزب اليمين. اليسار والضرر الاقل في العالم ترفض إلى حد الان أحزاب اليسار في هذين البلدين المؤثرين في الاحداث بالعالم استعمال نفس أسلحة أحزاب اليمين والمحافظين. لذلك لن نستغرب إن آل النصر في نهاية الانتخابات إلى دجون ماكاين. الرجل الذي كان ومازال من أكبر المنتصرين للحرب الكارثية على العراق والذي لن يقتقصر على الحروب التي تقيمها بلاده على أكثر من بلد في صورة وصوله إلى البيت الابيض. وهو يتعامل مع الامور بجدية حتى أن تقدمه في السن لا يبدو أنه يشكل أي عائق بالنسبة له خاصة وأنه يتباهى بماضيه العسكري وقضائه سنين رهن الاعتقال خلال حرب الفيتنام. وهو يعتبر أن حكاية عمره تخدمه أكثر مما تظره بما أنه يكاد يحصر نقده لاوباما في افتقاده حسب رأيه للخبرة السياسية اللازمة. ربما تحكم الولاياتالمتحدة مؤسساتها القائمة ومصالحها تمر قبل أي شيء أيّا كان رئيسها لكن الاعوام أكدت خاصة الاخيرة منها أن الديمقراطيين أقل ضررا للعالم فهم رغم خصوصيات الحياة السياسية بالولاياتالمتحدة يبقون من التقدميين مقارنة بالتشدد الذي يظهره الجمهوريون وخاصة الجناح المتصلب من بينهم في علاقتهم بالعالم. لذلك قد يكون من المفيد لهم أن يتعضوا من الماضي وأن لا تكون مواقفهم رخوة حتى لا يتساووا من حيث الهزائم في الانتخابات الرئاسية مع اليسار الفرنسي. تكاد تأتي الانتخابات التمهيدية بالحزب الديمقراطي التي تتميز بشدتها على جهود المترشحين وهو ما جعل الملاحظين يتساءلون عن مدى الاستعداد للمواجهة مع الخصم في المرحلة الثانية من السباق خاصة وأن إعلان رالف ندار الترشح للانتخابات بشكل مستقل خلق حالة من التخوف إزاء مصير الديمقراطيين في هذه الانتخابات. فهو يتحمل في نظر الديمقراطيين المسؤولية في هزيمة آل غور في الانتخابات ما قبل الفارطة بسبب ترشحه باسم الخضر. رالف نادار يترشح هذه المرة بشكل مستقل (لا يمين ولا يسار) الدور الذي لعبه تقريبا فرانسوا بايرو رئيس الحركة الديمقراطية والرجل الثالث خلال الانتخابات الفرنسية الاخيرة.