تغيرت اليوم ملامح حركة السوق وشهدت حراكا هاما على مستوى العرض والطلب، وهو أمر طبيعي نظرا لما لهذا الشهر الفضيل من قيمة في حياة المواطنين على اختلاف مستوى عيشهم. هذا الحراك الهام له انعكاسات كبرى على الدورة الاقتصادية حيث يتنامى الاستهلاك والعرض في آن واحد، وتتطور فيه مجالات مؤشرات الاقتصاد إلى درجة تفوق معدلات ثلاثية بكاملها عرضا وطلبا. وباعتبار هذا الواقع فإن الاستعدادات تكون واسعة لدى الفلاحين والتجار المزودين، وأيضا وزارات الإشراف التي تحزم نفسها لتوفير ما يلزم من المواد الاستهلاكية التي يفوق الطلب عليها المعدلات العادية بكثير. وتظهر في الأيام الأولى من رمضان طفرة في العرض، حيث تتكدس المعروضات في كافة الأسواق من خضر وغلال ولحوم، وهو أمر معتاد، لكن هذه المظاهر كثيرا ما تتقلص مع نهاية الأسبوع الأول من رمضان لتعود مظاهر المضاربات والاحتكار والترفيع في الأسعار، كما تتقلص القدرة الشرائية للمواطن وتقل النقود من جيبه، ويسعى وقتها إلى التقليص من شراءاته التي تقتصر على الأهم والضروري من الشراءات. هذا الواقع الذي تتسم به الحياة في رمضان تغذيه مظاهر لطالما سعى البعض إلى ترسيخها، لكنها في الحقيقة ليست إلا ضربا من الشره الذي ينتاب الجميع بالإقبال على الشراءات الإضافية دون موجب باعتبارها تذهب في كل يوم إلى القمامات، وتتكدس هنا وهناك لأنها زائدة على نصاب الاستهلاك وعلى حاجة المواطن من الغذاء، لكن وعلى الرغم من الاقتناع بذلك فإن حراك الشراء يتواصل وثقل كاهل العائلات يزداد إلى آخر يوم من رمضان. رمضان يحل هذه السنة في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة تنامت فيها أسعار كافة المواد، وتدهورت خلالها المقدرة الشرائية لكافة الفئات الاجتماعية، وهو أمر متوقع لما أحاط بالبلاد من صعوبات على امتداد سنتين متتاليتين، وهذا الواقع الذي أحاط بالجميع يتطلب تأقلما معه على مستوى نمط الحياة خاصة خلال هذا الشهر الذي يستنزف الكثير من قدراتنا الاقتصادية. فهل يعدل المواطن حياته على هذا الواقع، ويتحكم في مصاريفه وشهواته بالعزوف عن التبذير الذي لا طائل من ورائه، ولا موجب له ليمر شهر الصيام عاديا وليؤسس الجميع لواقع آخر تتعالى فيه النفوس عن كل ما من شأنه أن يتسبب في ارتباك لتوازناتها الاقتصادية والاجتماعية.