تونس الصباح يمر القطاع الفلاحي هذه السنة بصعوبات جمة ناجمة عن النقص المسجل في كميات الأمطار. واذا كانت بعض الزراعات المروية عبر الآبار ومياه السدود قد حافظت على انتاجها من الخضر والغلال بشكل عادي، فان الزراعات الكبرى أو المساحات المخصصة للأعلاف قد شهدت هذه السنة نقصا واضحا في الزراعة والانتاج مما أثر سلبا على قطاع تربية الماشية وأربك المربين بشكل كبير جدا، واضطرت وزارة الاشراف واتحاد الفلاحين إلى اللجوء الى توريد انواع من الأعلاف للحفاظ على القطيع. هذه الوضعية يبدو أنها مازالت قائمة في عديد جهات البلاد، وهو أمر يدعو إلى ضرورة أخذ تدابير عاجلة وآجلة لتجاوز هذه الصعوبات. ولعل الهام في هذه التدابير هو تطوير الامكانيات التونسية في مجال توفير أعلاف محلية يمكنها أن تعوض نزيف التوريد من هذه المادة، وتكون في متناول المربي والفلاح التونسي لإنتاجها بأيسر السبل. بين الواقع والإمكانيات المتوفرة في البلاد إن الأزمة بخصوص الأعلاف وما يعاني منها المربين في معظم جهات البلاد هي في الحقيقة نتاج لوضع عالمي من جهة وداخلي من جهة أخرى. فبحكم تطور أسعار مشتقات الحبوب في العالم شهد الأعلاف باعتبارها مشتقات منها ارتفاعا في الأسعار وندرة في التوفر. ويشار في هذا الجانب أن القنطار الوحيد من الشعير أو القطانية قد ارتفع بما يقارب الضعف، كما شهدت بعض انواع مشتقات العلف المركب أيضا ارتفاعا في أسعارها، مما جعل تكاليف توريدها ووصولها الى تونس باهظا جدا. لكن وعلى الرغم من هذا تواصل توريدها وتحمل نفقاتها على اعتبار الحاجة الملحة اليها في تغذية القطيع. ومقابل هذا أيضا شهدت البلاد نقصا في الأمطار في معظم الجهات، مما أثر سلبا على الزراعات الكبرى والمساحات المخصصة لزراعة الأعلاف الخشنة مثل القرط والتبن على وجه الخصوص، وتأثرت المراعي أيضا بنقص الكلإ حتى أنها لم تعد سندا للمربين في تلبية حاجيات قطاع الابقار والضأن من الاعشاب، وتم التعويل بشكل كبير على الاعلاف الركبة وانواع الاعلاف الخشنة التي ارتفعت اسعارها بشكل ملفت للإنتباه. وفي هذا يشار الى أن وحدة او "بالة " القرط قد تضاعف ثمنها عن المعتاد لتصل الى حدود 8 دينارات في معظم جهات البلاد، كما تراجع توزيع أنواع الأعلاف الاخرى من حيث الكميات وذلك على الرغم من تدخل الدولة في الضغط على اسعار الشعير، وبعض المشتقات الأخرى مثل "السداري" فكيف يمكن التوصل الى حلول في هذا المجال خلال الأشهر القادمة، خاصة وأن محاصيل الاعلاف الخشنة ستكون محدودة مثلها مثل محاصيل الزراعات الكبرى التى نبه وزير الفلاحة الى محدوديتها خلال هذا الموسم؟ لابد من تدابير تونسية في هذا المجال إننا لا نشك أبدا في وعي السلط المسؤولة والمنظمة الوطنية للفلاحين بهذا الوضع، والعمل على أخذ التدابير اللازمة لتجاوزه، وذلك بشكل ظرفي وعلى المدى البعيد، خاصة وأن الجميع يدرك أن ارتباك قطاع الضأن او الابقار تكون له انعكاسات سلبية على مجالات انتاجية أخرى عديدة وفي مقدمتها الحليب واللحوم الحمراء، وأن أي نقص في القطاع يتطلب سنوات لاستعادة دوره ومردوديته. فماذا عن الحلول التونسية البحتة في مجال توفير الأعلاف وبالتالي الحفاظ على القطيع؟ بحوث علمية في المجال الفلاحي واجراءات عملية إن تونس كسائر البلدان التي في طريق النمو، أو الاكثر تقدما منها، ترتكز مواردها في بعد هام على الفلاحة. ومن هذا المنطلق لابد من ايلاء هذا القطاع الحيوي ما يستحق من البحوث العلمية والميكنة والتطور حتى لا يبقى رهين العوامل الطبيعية والمناخية. وفي هذا المجال هناك جانب هام نعتقد في أهمية استغلاله وتطويره وتعميق البحث العلمي حوله لأن الاستفادة منه تبقى مضمونة جدا بحكم التجارب التي سبقتنا بخصوصه في عديد البلدان، ونعني بذلك المياه المستعملة واعتمادها بعد الرسكلة في مجالات الري لبعض انواع الانتاج الفلاحي مثل انواع الاعلاف على وجه الخصوص. الأرضية والامكانيات من هذه المياه متوفرة ما لا يمكن تجاهله هو توفر المياه المستعملة في كل جهات البلاد والحفاظ عليها وحسن التصرف فيها من قبل الديوان الوطني للتطهير، حيث هناك مئات محطات التطهير الموزعة على كافة المدن، ولا تخلو أي مدينة كبرى من محطة تطهير تتجمع بها هذه المياه. وهكذا فإن هناك من كميات هامة من هذه المياه التي ترقد في هذه المحطات دون استعمال. وهذه الكميات من المياه يمكن التعويل عليها اذا ما تم العمل بشكل جدي وعلمي في مجال رسكلتها مما يجعلها احتياطا هاما في دعم بعض مجالات الفلاحة وبعض الزراعات خاصة من انواع الاعلاف. والسؤال الذي يتبادر للذهن في هذا المجال هو لماذا لم يحصل تعاون جدي بين وزارتي الفلاحة والبيئة من أجل تطوير البحوث العلمية حول هذه المياه واستغلالها بما يفيد القطاع الفلاحي؟ رسكلة المياه المستعملة ضرورة لا بد أن تتطور البحوث بشأنها إن الامكانيات من هذه المياه المستعملة تبدو هائلة في تونس، كما توزيعها على كافة الجهات حسب المدن عامل ايجابي ايضا في امكانيات تحويلها الى مجال الري. ولعل جملة هذه العوامل الايجابية لا ينقصها سوى تعميق البحث في رسكلة هذه المياه وايجاد السبل لايصالها الى الاوساط الزراعية، وهو أمر كان لابد من التفطن اليه منذ سنوات والعمل به ليمثل دعما للفلاحة واستفادتها منه. واذا كانت قد تمت بحوث في المجال ورسكلة كميات من هذه المياه واستعمالها في انتاج حتى بعض أنواع الخضر، فلماذا لا يقع تعميق هذه البحوث وايجاد برامج في مجال رسكلة المياه وايصالها الى الفلاحين وبالتالي اعتمادها في انتاج انواع الاعلاف، وبذلك نكون قد وفرنا ما نستحق من الاعلاف ومن العملة الصعبة في توريد بعض أنواعها واستنبطنا أيضا أنواعا تونسية بحتة من هذه الأعلاف التي لا يمكن الاستغناء عنها، وضمنا أيضا توفرها على الدوام ما دامت مادتها الاساسية التي تتمثل في الماء متوفرة.