كثيرة هي مناطقنا الداخلية بأريافها وقراها وكثر سكانها بين مجمعات سكنية ومنازال متناثرة داخل السهول والأحراش لاشيء يجمع بين سكانها سوى مسارب صغيرة تصل بعضها ببعض. هذا الواقع الذي عليه مناطقنا الداخلية وسكانها قد لا يدركه الكثيرون من سكان المدن الذين يتمتعون بكافة أنواع الرفاه وتصلهم كافة أنواع المواد الاستهلاكية من كافة الجهات، لكن سكان الريف لهم حياتهم الخاصة وواقهم الذي لا يحسدون عليه في كافة الأحوال. ففي شهر رمضان تراهم يهبون إلى العمل منذ طلوع الفجر، ويقضون يومهم تحت حرارة الشمس والقيظ، لا يحميهم من ذلك سوى ظل بعض الشجيرات.. بعضهم يرعى الأغنام والبقر والبعض الآخر يعمل في الحقول حسب إنتاج الجهة وخصوصياتها دون كلل أو ملل. ففي هذه الجهات تستوي الأيام عند سكانها ولا فرق بين شهر الصيام وبقية أشهر السنة، فعلى الرغم من حرارة الطقس تجد النساء ساعيات للحصول على الماء الذي كثيرا ما يكون مفقودا ويتطلب الحصول عليه قطع مسافات طويلة، وقد يشاركهم في ذلك الأطفال، أما شهواتهم الرمضانية فهي تبقى محدودة ولا تتجاوز في أكثر الحالات شيئا من الغلال إن توفرت، لتكون مائدة إفطارهم عادية جدا وبسيطة. وليل سكان الجهات الداخلية في رمضان يبقى هو الآخر دون مهرجانات او سهرات فنية أو غيرها مما يتوفر في المدن، فكبارهم يتحلقون حول التلفاز إن توفر و"براد التاي"، أما شبابهم فإنه يتلهى بلعب الورق والسهر تحت ضوء القمر بحثا عن نسيمات الليل التي تشفيهم من لهيب اليوم وحرارته. هذا هو واقع سكان مناطقنا الداخلية وأريافها في رمضان، وهذه هي حياتهم. ولعل صبرهم وتحملهم للحرارة والعطش والحرمان من كافة الكماليات وحتى بعض الضروريات يجعلنا ندرك أن من التونسيين من يعاني الكثير ويصبر أكثر ويتحمل جملة الصعاب التي لا يعرفها سكان المدن مهما كان مستواهم المعيشي.