مازالت تصريحات قائد الجيوش الثلاثة السابق رشيد عمار بخصوص الأحداث الجارية بجبل الشعانبي قبل أن يقدم مطلب اعفائه من مهامه، تثير العديد من التساؤلات.. وجاءت جريمة اغتيال 8 عناصر من الجيش الوطني في نفس المنطقة لتعمّق الغموض بهذا الشأن خاصة أن رشيد عمار والمتحدث الرسمي لوزارة الدفاع مختار بن نصر كان قد أعلنا حينها أن عمليات التمشيط في الشعانبي أثبتت اختفاء العناصر الإرهابية.. والسؤال المطروح: كيف عاد الإرهابيون إلى الجبل، وهل تم تضليل الجنرال بهذه المعلومات، أم ربما حملت تصريحاته رسائل مشفرة بدأت معالمها بالإنكشاف؟ يذكر أن رشيد عمار رفض التعليق على الجريمة النكراء التي أودت بحياة 8 من جنود جيشنا الوطني. حملنا هذه التساؤلات إلى الخبير في الأمن الإستراتيجي نصر بن سلطانة و الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية علية العلاني. في قراءته لتصريحات رشيد عمار قبل طلب اعفائه وعلاقتها بجريمة الشعانبي أكد نصر بن سلطانة أن رشيد عمار "قدم معلومات دقيقة بهذا الشأن وليست هناك مغالطات و لا تضليل في كلامه..غير أن دهاء المجموعات المسلحة والمتحصنة بالجبل والتي تتقن جيدا الإختفاء وتغيير المناطق حسب ما تقتضيه المهمة..جعلها تضلل الجيش في عملية البحث".. وحسب قول بن سلطانة فقد "نزلت مجموعة من الإرهابيين إلى المدن والقرى المجاورة واختلطوا بالسكان بعد العمليتين الأولى والثانية..في حين بقيت مجموعة أخرى متحصّنة بالجبل وتحديدا بالمناطق الأكثر وعورة التي يصعب على القوات العسكرية أن تصل إليها..وهو ما أكده الجنرال رشيد عمار عندما أقر باستحالة الدخول إلى بعض المناطق في الشعانبي نتيجة الطبيعة الصعبة" كما اشار الخبير الأمني إلى أن العمل الإستخباراتي الكبير الذي تنتهجه المجموعات المسلحة، ساعدها على الخروج من الشعانبي واخلائه قبل انتهاء عمليات التمشيط وبالتالي فإن تصريحات رشيد عمار بهذا الشأن كانت مطابقة للواقع تلميحات الجنرال وأشار بن سلطانة إلى أن حديث الجنرال حمل تلميحات إلى وجود استهداف مباشر للمؤسسة العسكرية ومحاولات لإرباكها وإضعافها من خلال عملية الشعانبي الأولى.. وهو ما أكدته جريمة الإثنين الفارط.. وقد تلقف رشيد عمار هذه الرسالة في وقتها ومفادها أن الجيش التونسي صمام أمان البلاد أصبح ضعيفا وعاجزا على الاضطلاع بهذا الدور في ظل قيادته..وجاء إصراره على مغادرة منصبه ليؤكد أن هناك أمورا غامضة تلف أحداث الشعانبي، وأن هناك رغبة كبيرة من بعض الأطراف لإجباره على الإستقالة.. استغلال الفترة الإنتقالية من جهته أكد الباحث في شؤون الجماعات الجهادية علية العلاني أن عملية جبل الشعانبي جاءت كتتويج لتدريبات الخلايا الإرهابية وعمليات تهريب السلاح..والتي بدأت عقب الثورة في مختلف المناطق الجبلية الحدودية واشار العلاني إلى أن المؤسّستين الأمنية والعسكرية كانتا على علم بذلك خاصة أن بعض التقارير الإعلامية أكدت تلك المعلومات..وكان متوقعا حدوث مثل هذه العمليات ولم يستبعد تضمّن تصريحات رشيد عمار قبل اعفائه لإشارات بخصوص إمكانية تجدد العمليات الإرهابية رغم تأكيده بأن التمشيط أثبت عدم وجود عناصر مسلحة في الشعانبي..وهو ما أرجعه العلاني إلى التكتيك الذي انتهجه المسلحون والقائم على القدرة على التخفي والالتحام بالمجموعات السكانية واعتبر أن سبب الجريمة الأخيرة، هو دافع الانتقام الذي دفع الجهاديين للرّد على اعتقال أميرهم الجزائري "بن عربية"..موجهين في نفس الوقت رسالة تؤكد التطور النوعي في عملهم..وتوقع العلاني تسارع وتيرة العمليات الإرهابية في الفترة القادمة و التي تسبق إنتهاء المرحلة الانتقالية..سعيا من الخلايا الإرهابية إلى استغلال الوضع الراهن الهش أكثر ما يمكن قبل أن تظطلع سلطة رسمية بالحكم..عندها لن يكون بمقدورها التحرك وتنفيذ عملياته بنفس السهولة