بعد أربع جلسات عامة، شهدت الكثير من المد والجزر والنقاش الحاد حول مسائل جوهرية في مشروع القانون الأساسي المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، تمت المصادقة صباح اليوم الجمعة على هذا المشروع، بعد التوصل خلال اجتماع رؤساء الكتل الذي تواصل إلى وقت متأخر من ليلة أمس، إلى توافقات واسعة أقنعت نواب الجبهة الشعبية بالعودة إلى المشاركة في الجلسة العامة والتصويت على القانون. وقد حظي القانون في صيغته المعدلة، وبعد إدخال العديد من التنقيحات على نص لجنة التشريع العام، وإضافة قرابة 10 فصول جديدة، بتصويت 131 نائبا لفائدته واحتفاظ 8 آخرين بأصواتهم واعتراض 14 نائبا. ورغم التوافقات، فإن العديد من النواب لم يعبروا عن الرضا التام بما تم التوصل إليه، ومن بينهم من رأى في عدد من فصوله خرقا واضحا للدستور قد يكون سندا للطعن في دستوريته لدى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين. أما الجبهة الشعبية، التي انسحبت منذ المصادقة على الفصل الاول من هذا المشروع، والتي سجلت حضورها فقط لضمان عدم تعطيل سير الجلسات، فقد عادت اليوم بعد ما لمسته من "سعي الى إيجاد أرضية للتوافق كانت شبه منعدمة سابقا"، وفق ما أكده رئيس الكتلة أحمد الصديق، الذي ثمن التعديل المدخل بالخصوص على الفصلين 1 و39 باقتراح من الجبهة، حرصا منها على إرساء سلطة قضائية مستقلة. ولاحظ في المقابل، أن كتلته لم تتوفق في إقناع بقية الأطراف بالمزيد من التعديلات، معتبرا أن مضمون النص المصادق عليه اليوم «بعيد كل البعد عما يجب توفيره والقيام به لضمان استقلال حقيقي للسلطة القضائية، وهو ما دفع الجبهة الى ممارسة حقها والتصويت ضده"، وفق تعبيره. من ناحيتها، صوتت كتلة آفاق تونس ضد المشروع المعروض، حسب ما صرحت به ريم محجوب رئيسة الكتلة، التي أكدت الحرص طيلة فترة النقاش وفي اجتماعات رؤساء الكتل، «على البحث عن توافقات وعلى الضغط في اتجاه تعديل ما يمكن تعديله بما يضمن الحد الأدنى لاستقلالية السلطة القضائية". وقالت «لم نترك مقاعدنا شاغرة وحاولنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه»،» مضيفة أن هذا القانون لا يرقي إلى المستوى المأمول، وهو إرساء مجلس أعلى للقضاء يضمن سلطة قضائية مستقلة، باعتباره يتضمن فصولا غير دستورية كإقحام القضاء العسكري في تركيبة مجلس القضاء العدلي، ومنح الجلسة العامة صلاحيات تقريرية والحال أن الدستور يمنحها فقط صلاحيات استشارية، وإفراغ المجلس الأعلى للقضاء من صلاحياته، ليكون فقط ساهرا على سير المسار المهني لمنظوريه. ولاحظت أن هذه الخروقات، «يمكن أن تكون سندا للطعن في دستورية المشروع إذا ما توفرت الإرادة والرغبة لدى 30 نائبا للتقدم بالطعن أو رئيس الحكومة أو رئيس الجمهورية"، مطالبة رئيس الحكومة بتمرير هذا القانون على الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين نظرا لوجود هنات تشوبه على مستويات عديدة. وأفاد سالم الابيض (حركة الشعب)، بأن نواب حزبه تحفظوا على هذا القانون، رغم التعديلات المدخلة عليه، والتي قال "إنها جزئية وليست جوهرية"، معتبرا أن المجلس "وقف عاجزا على صياغة نص قانوني يضمن تكريس سلطة قضائية متوازنة، ولا يسمح بتغول القضاة من جهة، ويضمن آليات رقابة شعبية من طرف البرلمان على مجلس القضاء من جهة اخرى". أما بخصوص الطعون، فقد قال نائب حركة الشعب "إن وجدنا قوى جادة ولها الرغبة في مراجعة هذا القانون بما يكرس استقلالية القضاء ويجسد نوعا من الرقابة الشعبية على السلطة القضائية، فلا مانع لدينا من المشاركة في توجيه طعن إلى هيئة مراقبة دستورية مشاريعه القوانين». في المقابل، فإن نواب أكبر الكتل عددا وأكثرها دفاعا على مشروع القانون المقدم من قبل لجنة التشريع العام، نداء تونس والنهضة، فقد اعتبرا أن النص المصادق عليه في صيغته المعدلة ورغم ما يشوبه من نقائص، فهو مكسب للقضاة ويمكن أن يكون منطلقا للتأسيس لسلطة قضائية مستقلة. فقد دعا رئيس كتلة نداء تونس محمد الفاضل عمران القضاة، الى اعتبار هذا القانون "مكسبا"، معتبرا ان الطعن في دستورية القانون هي من قبيل "الإجحاف"، والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين هي الفيصل للحسم في هذه المسألة. وذكر أن هذا القانون في مجمله «كان محل وفاق لم يكن تحقيقه سهلا»، وأن كل الأطراف الممثلة في المجلس وعلى اختلاف آرائها ومواقفها كان يجمعها هدف مشترك وهو الخروج بقانون متوازن يحفظ حقوق الجميع ويدعم استقلالية القضاء كسلطة. أما مقررة لجنة التشريع العام، عضو كتلة حركة النهضة سناء مرسني، فقد اكدت أن النص المصادق عليه "يحترم بشكل تام ما ينص عليه الدستور في باب السلطة القضائية"، وأن كل ما يهم القضاة في تكوينهم ومسارهم المهني والتأديب هو موكول إلى المجلس الأعلى للقضاء. وبينت بخصوص إمكانية الطعن في هذا المشروع ،أن قانون الهيئة الوقتية للقضاء العدلي ينظمها، وأنه بعد استيفاء الآجال دون تقديم طعون سواء من طرف 30 نائبا أو أي جهة أخرى يحددها القانون، سيتم نشر القانون بصيغته المصادق عليها ليكون قانونا من قوانين الدولة، يتم على اثرها المرور إلى المرحلة التالية وهي تنظيم انتخابات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء. يذكر أن القانون الأساسي عدد 14 لسنة 2014 المتعلق بالهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، ينص في الفصل عدد 18 على أن تنظر الهيئة في دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو ثلاثين نائبا على الأقل، يرفع إليها في أجل أقصاه سبعة أيام من تاريخ مصادقة المجلس على مشروع القانون المطعون فيه أو المطعون في أحد أحكامه.