يحتل القطاع المصرفي في تونس مركزا محوريا صلب الاقتصاد الوطني، كما يشكل أحد أولويات برامج الإصلاح باعتباره القناة الرئيسية لتعبئة الادخار الوطني والممول الرئيسي للأعوان الاقتصاديين. وأكّدت وزارة المالية في وثيقة صادرة عنها تلقت "الصباح نيوز" نسخة منه أن القطاع المصرفي واصل جهوده في تمويل الاقتصاد بشكل فاعل خلال سنتي 2011 و2012 في ظل ظرف اقتصادي واجتماعي صعب مما يشكل دلالة واضحة على متانة المقومات المالية والفاعلية العملياتية لهذا القطاع وذلك بالرغم من الإشكاليات الهيكلية التي تشكل مصدر هشاشته وتؤثر على نجاعته. وللإشارة، فإنّ عدد المؤسسات الناشطة في الحقل المصرفي تبلغ 42 مؤسسة تتوزع على النحو التالي: - 21 مؤسسة بنكية مقيمة تتولى القيام بكل العمليات البنكية بدون استثناء وتدير هذه المؤسسات حجم أصول ب 70 مليار دينار أو ما يعادل إجمالي الناتج المحلي للبلاد منها 38% راجع لثلاث بنوك عمومية و29% راجع لأربع بنوك ذات راس مال أغلبه أجنبي ويعود الباقي ل3 بنوك ذات رأس مال أغلبه تونسي. - 8 مؤسسات بنكية غير مقيمة تتولى تقديم خدمات مصرفية لغير المقيمين وتدير هذه البنوك حجم أصول يبلغ 2,3 مليار دينار. - 13 مؤسسة مالية مختصة تتكون من 9 مؤسسات إيجار مالي ومؤسستي ادارة ديون وبنكي أعمال. وتتصرف هذه المؤسسات في حجم أصول يناهز 3 مليار دينار أغلبه يرجع لمؤسسات الإيجار المالي. كما بيّنت وزارة المالية أنّ القطاع المصرفي يواجه 3 اشكاليات جوهرية تشكل مصدر هشاشته وتعوق تطوره ونجاعته وتتمثل في : - المستوى المرتفع لحجم القروض المصنفة الذي يتجاوز 7 مليار دينار حاليا ونسبة 13٪ من إجمالي تعهدات البنوك وضعف نسبة تغطية القروض المصنفة بالمدخرات البالغة 57% وخاصّة قروض القطاع السياحي. - هشاشة الوضعية المالية للبنوك العمومية وضعف قدراتها التنافسية باعتبار الدور الريادي التي قامت به هذه البنوك في تمويل التنمية وتحملها عبء هام في تركيز النسيج الاقتصادي بالبلاد لمدة ثلاث عقود علاوة على بعض الاشكاليات على مستوى أنظمة حوكمتها وتسييرها. إلا ان هذه الاشكاليات ليست بالحدة التي تهدد ديمومة هذه البنوك وإنما تستوجب ارساء برامج تصحيحية صلبة تستند إلى تشخيص معمق لوضعيات هذه البنوك ومكامن الخلل الأمر الذي استدعى اللجوء إلى اجراء عمليات تدقيق شاملة مبرمجة لسنة 2013. - اشكاليات على مستوى هيكلة القطاع المصرفي والمناخ التنافسي تِِؤثر سلبا على نجاعته في الاضطلاع بدوره في تمويل الاقتصاد لعل أهمها ارتفاع عدد المؤسسات الناشطة في الحقل المصرفي وصغر حجمها مقارنة بالبنوك الكبرى على المستوى الاقليمي وقصور أنظمة الحوكمة وادارة المخاطر وعدم تطور الأنظمة المعلوماتية. وفي هذا السياق وإزاء هذه الوضعية التي يواجهها القطاع البنكي ، أكّدت الوزارة أن السلطات شرعت في اتخاذ جملة من الإجراءات في إطار برنامج تصحيحي ومتكامل لتطوير القطاع و إعادة هيكلته. وتتمثل جملة الإجراءات في ما يلي : - تم في مرحلة أولى اتخاذ إجراءات لفائدة بنك عمومي وذلك بمضاعفة رأس ماله وتفعيل ضمان الدّولة لفائدته بعنوان اقتراضات خارجية وذلك في إطار تعزيز مقومات صلابته المالية بما يمكنه من استعادة توازنه المالي ويضمن احترامه المتواصل لقواعد التصرف الحذر وقد حظيت هذه القرارات بمصادقة المجلس التأسيسي . كما تم في نفس هذا السياق برمجة اعتمادات إضافية لمزيد لتدعيم الأموال الذاتية للبنوك العمومية. - و بالتوازي مع ذلك قامت وزارة المالية بالإعلان عن طلب عروض دولي للقيام بمهمة تدقيق خارجي شامل للبنوك العمومية الثلاثة (الشركة التونسية للبنك والبنك الوطني الفلاحي و بنك الإسكان ) وثمانية شركات متفرعة عنها،ويتمثل هذا المشروع في إنجاز تقييم تشخيصي شامل للوضع المالي للبنوك المعنية ومنظومة حوكمتها وتسييرها ومنظوماتها المعلوماتية وتدقيق اجتماعي ، للوقوف على مختلف النقائص المؤسساتية والعملياتية والتنظيمية التي تعاني منها هذه البنوك وبلورة مختلف السيناريوهات الممكنة لإعادة الهيكلة. وسوف يتم اعتمادا على هذه السيناريوات وأعمال لجنة قيادة مهمة التدقيق الشامل البتّ في اختيار السيناريو الأمثل لإعادة هيكلة البنوك العمومية. - كما يجري حاليا إعداد مشروع قانون لإنشاء شركة تصرف في الأصول يهدف إلى تدعيم الصلابة المالية للبنوك من خلال طرح الديون المصنفة في القطاع السياحي من موازناتها من جهة و تطهير القطاع السياحي للمحافظة على ديمومته و تعزيز قدراته التنافسية من جهة أخرى. - وفي إطار تدعيم قواعد الحوكمة الرشيدة ، قامت جلّ البنوك بتعيين متصرفين مستقلين صلب مجالس إدارتها بما يدعّم دور مجلس الإدارة و يعطيه أكثر استقلالية في اتخاذ القرارات المناسبة. هذا وعبرت الوزارة عن أملها في أن يؤدي تجسيم هذه الإجراءات إلى المساهمة في تطوير القدرات المالية للبنوك والرفع من أدائها حتى تضطلع بدورها على الوجه الأكمل في تمويل الاقتصاد ومواجهة المنافسة الخارجية.