لا صوت يعلو فوق صوت المال في الديمقراطية الأمريكية، ففي هذا البلد الذي يملك فيه 1 في المائة من أثرى أثريائه، قرابة ثلث الموارد، يبدو من العسير على المرشّح لأي منصب الوصول إليه دون رضا ودعم أصحاب المليارات. ففي عام 2010 ألغت المحكمة العليا في الولاياتالمتحدة أكبر قيد على تمويل الحملات الانتخابية بمنح الشركات الحقوق نفسها التي يتمتع بها الأفراد في التبرع لهذا المرشح أو ذاك. وتعتزم المحكمة الآن ان تلغي السقف الذي يحدد ما يمكن ان يتبرع به الفرد أو الشركة للمرشح، وهذا في بلد يملك 1 في المائة من أثرى أثريائه أكثر من ثلث ثروته. ويعني إلغاء سقف التبرعات للمرشحين ان الديمقراطية الأمريكية ستكون ديمقراطية 1 في المائة لديهم من سطوة المال ما يتيح لهم إيصال المرشح الذي يخدم مصالحهم سواء الى الكونغرس أو إلى البيت الأبيض. ويحذّر محلّلون من ان صعود الأوليغارشية الأمريكية هذه يشكل مبعث قلق على النظام الديمقراطي ذاته. وفي هذا الشأن أفادت صحيفة "فايننشيال تايمز" بأن العديد من الجمهوريين الذين يخططون للترشيح في الانتخابات الرئاسية القادمة تقاطروا الاسبوع الماضي على لاس فيغاس لتقديم آيات الاحترام الى الملياردير شيلدون اندلسن الذي يملك كازينوهات قمار في ولاية نيفادا وجزيرة ماكاو الصينية وسنغافورة. فهو مستعد لإغداق عشرات ملايين الدولارات على المرشح الذي يدافع عن مصالحه. وإذا كان رجل قادرًا بملايينه على تغيير من يريد الحزب الجمهوري انتخابه لخوض السباق الرئاسي فانه يستطيع ان يهدد الحزب نفسه، كما يحذر محللون. وهناك ايضا توم ساير الملياردير الليبرالي الذي يعتزم انفاق 100 مليون دولار خلال الانتخابات النصفية القادمة على المرشحين الذين يتعهدون له بمعالجة ارتفاع حرارة الأرض. ولكن المحللين يحذرون من ان ساير بصرف النظر عن موقفه يريد ان يوجه النقاش حول الاحتباس الحراري حسب مشيئته. وهناك بين الجمهوريين من يتذكر ان بيل كلنتون كاد في عام 1996 ان يخرق القانون بفتح غرفة نوم ابراهام لنكولن في البيت الأبيض كي يبات فيها متبرعون أجزلوا العطاء لحملته. وحين يستطيع المال ان يخترق المقر الرسمي للقائد العام للقوات المسلحة بهذه السهولة فان ديمقراطية هذا البلد تكون مهددة بإحالتها على المزاد لتكون ملك من يدفع أكثر. والحقيقة غير المريحة هي ان كلا الحزبين الكبيرين في الولاياتالمتحدة برسم الايجار، على حد تعبير صحيفة "فايننشيال تايمز." وفي حين ان الولاياتالمتحدة نشأت في مواجهة فساد الارستقراطية الاوروبية فان الثروة الموروثة فيها اليوم أرسخ موقعا وأقوى نفوذا منها في أي بلد من اوروبا. ويصح هذا على السياسة ايضا. فإن سبعة من الانتخابات الرئاسية التسعة الماضية شهدت تنافس مرشح من افراد عائلة بوش أو كلينتون. ومن الجائز ان تكون الانتخابات القادمة هي الثامنة من أصل عشرة. وتغترف كلتا العائلتين موارد ضخمة من شبكات متبرعين اقامتا معها أواصر متينة منذ عشرات السنين. وغني عن القول ان المتبرعين ايضا يحققون منافع من فوز مرشحي هذه الأسر. وعلى سبيل المثال ان نجل جيب بوش شقيق الرئيس السابق جورج بوش مرشح لتولي ادارة مكتب الأراضي العامة وما فيها من موارد في ولاية تكساس، ويقال ان تشيلسي ابنة بيل وهيلاري كلينتون تمهد لدخول معترك السياسة الامريكية على خطى والديها. وكان الرئيس باراك اوباما الاستثناء الذي يثبت القاعدة. وخاض حملته واعدا بوضع حد لنفوذ اباطرة المال. ولكن جهوده لم تسفر عن نتيجة. وعدا المنع الشكلي لعمل اللوبيات في ادارته فانه عجز عن منع الشركات من ضخ المال لأغراض سياسية. وفي عهد اوباما تحديدا بلغت اللامساواة مستوى لم يُعرف له مثيل منذ عشرينات القرن الماضي، بحسب صحيفة "فايننشيال تايمز". ويقول اقتصاديون ان حقيقة استئثار 1 في المائة من أثرى اثرياء الولاياتالمتحدة بالقسم الأعظم من الثروة تعطل النمو لأنها تضعف القوة الاستهلاكية للطبقات المتوسطة. ولكن آخرين يرون ان مثل هذه الثروة تشكل حافزا لمحبي المغامرة كي يعملوا على الجيل القادم من الاختراقات التكنولوجية. وبصرف النظر عن وجاهة هذا الرأي أو ذاك فان الفارق بين متوسط ثروة العائلة الامريكية البالغ 113 ألف دولار سنويا ومتوسط دخل اعضاء الكونغرس الذي يزيد على مليون دولار للعضو لا يمكن ان يكون فارقا مقبولا في مجتمع ما يُسمى تكافؤ الفرص. وتواجه ديمقراطية الولاياتالمتحدة الآن خطر ان تحل محل القاعدة القائلة "شخص واحد بصوت واحد"، قاعدة تقول "صوت واحد بدولار واحد" نزولا عند سطوة المال. (إيلاف)