حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    غدا نزول كميات هامة من الأمطار بهذه الجهات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    سينعقد بالرياض: وزيرة الأسرة تشارك في أشغال الدورة 24 لمجلس أمناء مركز'كوثر'    دولة الاحتلال تلوح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة    السعودية: تحذير من طقس اليوم    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    قبل نهائي رابطة الأبطال..«كولر» يُحذّر من الترجي والأهلي يحشد الجمهور    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    حادث مرور مروع ينهي حياة شاب وفتاة..    أولا وأخيرا: لا تقرأ لا تكتب    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    إيران تحظر بث مسلسل 'الحشاشين' المصري.. السبب    إنتخابات جامعة كرة القدم: إعادة النظر في قائمتي التلمساني وتقيّة    بين قصر هلال وبنّان: براكاج ورشق سيارات بالحجارة والحرس يُحدّد هوية المنحرفين    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    بسبب القمصان.. اتحاد الجزائر يرفض مواجهة نهضة بركان    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    بطولة المانيا : ليفركوزن يتعادل مع شتوتغارت ويحافظ على سجله خاليا من الهزائم    2024 اريانة: الدورة الرابعة لمهرجان المناهل التراثية بالمنيهلة من 1 إلى 4 ماي    تونس تترأس الجمعية الأفريقية للأمراض الجلدية والتناسلية    الكشف عن مقترح إسرائيلي جديد لصفقة مع "حماس"    المعهد التونسي للقدرة التنافسية: تخصيص الدين لتمويل النمو هو وحده القادر على ضمان استدامة الدين العمومي    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    بطولة مدريد للتنس : الكشف عن موعد مباراة أنس جابر و أوستابينكو    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    استغلال منظومة المواعيد عن بعد بين مستشفى قبلي ومستشفى الهادي شاكر بصفاقس    الدورة الثانية من "معرض بنزرت للفلاحة" تستقطب اكثر من 5 الاف زائر    جدل حول شراء أضحية العيد..منظمة إرشاد المستهلك توضح    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    كلاسيكو النجم والإفريقي: التشكيلتان المحتملتان    اليوم.. انقطاع الكهرباء بهذه المناطق من البلاد    وزير السياحة: 80 رحلة بحرية نحو الوجهة التونسية ووفود 220 ألف سائح..    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسالة إلى أعضاء المجلس الوطني التاسيسي : مقترحات من أجل بناء تونس الجديدة
نشر في الصريح يوم 29 - 11 - 2011


هل تصبح وزارة الثقافة وزارة سيادة ؟
لأنني أؤمن بأن الثقافة هي قاطرة الحضارات الإنسانية، فإنني سأبدأ بالدعوة إلى تحويل وزارة الثقافة من وزارة هامشية إلى وزارة مركزية، بل إلى وزارة من وزارات السيادة...
ومثلما يعلم الجميع، فإن علماء السياسة اعتادوا تصنيف الوزارات، حسب نوع الأعباء الملقاة على عاتقها، إلى ثلاثة أصناف كبرى هي وزارات السيادة التي تندرج تحت لوائها وزارة الدفاع، ووزارة الشؤون الخارجية، ووزارة الداخلية، ووزارة العدل... والوزارات ذات الطابع الاقتصادي التي تندرج تحت لوائها مثلا وزارة الاقتصاد، ووزارة التجارة، ووزارة الزراعة ووزارة الصناعة... والوزارات ذات الطابع الاجتماعي والثقافي التي تندرج تحت لوائها مثلا وزارة الصحة، ووزارة التربية، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الثقافة...
وانطلاقا من أن وزارات السيادة سمّيت بهذا الاسم لأنها مكلفة بالحفاظ على كيان الوطن... فإنني أرى أن وزارة الثقافة يفترض بل ينبغي أن تدخل في هذا الصنف من الوزارات، بل أن تكون في طليعتها لأنها هي القوامة على هوية الوطن الحضارية، وعلى مقومات الشخصية الوطنية...
ولا يذهبنّ الظن بأحد إلى أن هذه المسألة مسألة شكليّة... وإنما هي، على العكس من ذلك تماما، مسألة جوهرية تستتبع الأخذ بجملة من المفاهيم المغايرة التي ينبغي لوزارة الثقافة أن تؤسس عليها عملها المستقبلي، واستحداث جملة من الآليات البديلة التي ينبغي أن تسخّرها في الاضطلاع بمهمتها.
وفي رأيي الشخصي، فإنها تستتبع أول ما تستتبع رسم معالم سياسة ثقافية قادرة على إحلال رجال الثقافة والفكر والأدب المكانة التي تليق بهم، والتي تجعلهم قادرين على الدفاع عن قيم البلاد ومقوماتها...
ولا يمكن لرجال الثقافة والفكر والأدب أن يكونوا كذلك إذا ظلت يدهم هي السفلى مثلما كان الشأن في ظل النظام المتهافت السابق الذي شكلت سياسة الدعم الثقافي، أحد أسوإ اختراعاته، لأن هذه السياسة لم تكن تهدف إلى تحرير طاقاتهم الإبداعية، بقدرما كانت تهدف إلى تقييدها، وإلى جعلهم يلهثون، طوال الوقت، وراء الدعم، بدل اللهاث وراء ما ينفع الناس ويمكث في الأرض ولا يذهب جفاء كما يذهب الزبد...
لقد كانت تلك السياسة، في الواقع، نوعا من الإرتشاء المقنّع الذي خرّب ضمائرهم، وحولهم إلى ما يشبه العشبة الطفيلية التي تعتاش على "صدقات" يتبعها المن والأذى، وهو ما أفضى بهم، إلا من رحم ربك، إلى الاستقالة من وظائفهم الأصلية في الدفاع عن الحق ومقارعة الباطل وأخرجهم، من دائرة الفعل الثقافي الحقيقي الذي ينطلق من رؤية حصيفة واعية للراهن القائم، ويبشر برؤيا ريادية إلهامية تغييرية، لا يمكن لأي مجتمع يطمح الى التقدم أن يتقدم بدونها...
أجل لقد أدت تلك السياسة الى انحسار دور رجال الثقافة والفكر والأدب، والى زرع بذور "الانتفاعية" في نفوسهم حتى باتوا لا يستطيعون الفكاك من أحد أمرين، إما اللوذ بالصمت على الأنساق الفكرية والسلوكية البائسة التي أفرزها النظام المتهافت السابق، وإما الانخراط في الترويج لها بدل مقاومتها، ولذلك فإنه من المتحتم، ونحن نقف على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخ تونس أن يتم استئصال هذه السياسة من جذورها، والبحث عن بديل لها يشجع الفعل الثقافي ويذكر الفاعلين الثقافيين التونسيين بأن للوطن الحبيب هوية وقيما ومقومات وانتماءات جغرافية وتاريخية وحضارية ينبغي العمل على ترسيخها، والوقوف في وجه محاولات تفريغها وتغريبها وتمييعها...
لا بد من العودة إلى الوسطية الاقتصادية ؟
من المفاهيم التي احتلت موقعا مركزيا في أدبيات النظام المتداعي السابق مفهوم "الوسطية".
ولأننا، أصلا، نؤمن بأن الله عز وجل جعلنا "أمة وسطا" فقد كنا أميل إلى حسبان أنه كان، قولا وفعلا، يعتنق هذا المفهوم... غير أن واقع ممارساته كان يؤشر إلى أنه كان يعتنقه اعتناقا انتقائيا، فيزرعه في حقول الدين والفكر والسياسة، أما في حقل الاقتصاد فقد كان يزرع التطرف في أشنع مظاهره وأبشعها، وقد جاءت الوقائع لتثبت ذلك، إذ ليست "مغارة بن علي" التي تغار منها "مغارة علي بابا" الأسطورية إلا أبلغ برهان على ذلك التناقض...
ولقد كنا، منذ سنين، نستشعر خطورة هذا التناقض، ونشعر بالخوف من "الشرخ الاقتصادي" الذي بدأ يحدثه بين أبناء تونس التي اختارت، يوم استقلت، أن تتقاسم مواردها بمقدار معقول من التوازن حتى لا ينشطر مجتمعها إلى قلة ترتفع إلى ما فوق الثريا، وغالبية تنحدر إلى ما تحت الثرى...
ولعل هذا الشرخ يتجلى بشكل صارخ في الفوارق الشاسعة التي نشأت وترعرعت خلال السنوات الأخيرة بين المرتبات الدنيا والمرتبات العليا التي باتت الدولة وبعض مؤسساتها تصرفها لأعوانها، ففي حين كان الفارق بين أدنى المرتبات وبين أعلاها لا يتجاوز، في مرحلة أولى، العشرين ضعفا على الأقصى، أصبح اليوم يصل إلى المائة ضعف وقد يتجاوزها...
وربما برر البعض هذا "المنزع" بتداعيات العولمة وتبعات الخوصصة، والانخراط في دورة الاقتصاد العالمي، ونحن لا ننكر أن لهذه العوامل تأثيراتها، غير أننا نعتقد أن دور الدولة هو حماية المجتمع من هذه التأثيرات، أو على الأقل الحد من مفاعيلها، فلا يوجد، مثلا، شيء يفرض عليها مساواة مرتب مسؤول تونسي في إحدى مؤسساتها بمرتب مسؤول أجنبي جاء للعمل في المؤسسة لأن بلاده شريكة في رأسمالها، وإلا فإن المنطق يفترض أن تساوي بين مرتبات جميع الأعوان بمرتبات نظرائهم الأجانب...
وبقطع النظر عن ذلك، فإنني أرى أن الفارق "الجنوني" بين المرتبات بات يشكّل سببا من أسباب إصابة المجتمع بأدواء ينبغي التعجيل بعلاجها حتى لا تفتك به، إذ ليس أخطر على المجتمعات من التحاسد بين أبنائها، ومن اتخاذ الفساد والإفساد سلما لترقّ هو، في الواقع، انحدار...
ولقد قال أبو العلاء المعري قديما إن "غنى زيد لفقر عمرو..."، وما أحوجنا إلى أن نتذكر هذه الحقيقة، في هذه المرحلة التي نريد فيها بناء تونس الجديدة على أسس سليمة قويمة...
ومن هذا المنطلق، فإنني أدعو خبراء الاقتصاد الوطني إلى التفكير في طريقة مثلى يمكن بها إعادة الأمور إلى توازنها المعهود والمنشود، من خلال إرساء نظام تأجيري يضع في حسابه واقع البلاد، ويحتسب الأجور وفقا لمتطلبات عيش سكانها "الدائمين"، لا متطلبات أجانب "عابرين" سيغادرونها مهما طالت إقامتهم فيها... أما الهدف منه فينبغي أن يكون العودة الى "الوسطية الاقتصادية" التي تعني فيما تعني تحقيق حد أدنى من التوازن في تحديد رواتب جميع موظفي الدولة حيثما كانوا، وإلغاء المرتبات "الفلكية" التي بات البعض في بعض المواقع يحصل عليها دون مبرر، كما تعني الحد من الامتيازات التي باتت توزع على البعض دون وجه حق أو استحقاق، ومنع مراكمة المهام وبالتالي مراكمة التعويضات في أيدي بعض الأفراد المحظوظين وكأن البلاد التي ثار خريجو جامعاتها لأنها لم تستطع تشغيلهم، تنقصها الكفاءات...
وانني لعلى يقين من أن مثل هذا النظام التاجيري، إن قيّض له أن يرى النور، سيساعد على تقريب الشقة بين أبناء تونس، وسيسهم في إعادة إعادة التوازن والاتزان إلى المجتمع التونسي، وما أحوجه إليهما.
شروط القضاء على ظاهرة "تغوّل الوزراء"
لعلّكم لاحظتم مثلما لاحظت، أن من أغرب الغرائب التي شاهدناها خلال السنوات الأخيرة من عمر النظام المتداعي السابق، أن العديد من الوزارات صارت تعقد اتفاقيات تعاون مع وزارات أخرى، وكأنّ كل وزارة باتت مستقلة بذاتها، أو كأنّها باتت دولة داخل الدولة، فلا يجوز أن تتعاون مع وزارة ثانية إلا بالإستناد إلى اتفاقية توقّع في موكب مشهود، وتعلن على الملإ في مختلف وسائل الإعلام، ثم تنشر في الرائد الرسمي لترسّخ وجودها رسميا...
وربّما كانت هذه الممارسة الغريبة أسطع دليل على الدرك الأسفل الذي انحدر إليه "تغوّل" بعض الوزراء الذين كانت لهم في "تغوّل رأس النظام" على مستوى أعلى وأعرض وأعمق "أسوة حسنة".
والمقصود بتغوّل الوزراء هو أن يرى الوزراء في وزاراتهم ما يشبه الإقطاع أو الملكيات الخاصة، فيتصرفون فيها دون حسيب أو رقيب، ودون مبالاة بقانون أو بأخلاق... فيستبيحون، عندئذ، رفض التعاون مع وزارات أخرى إلا بعد إبرام اتفاقيات معها، ويستحلّون التعاون مع جهات أخرى خارج أي إطار قانوني، بل حتى ضد القانون إن كانت لهم مصلحة فيه...
وربما كان الأنكى من تصرّفهم مع الوزارات الأخرى، تصرفهم مع أعوان وزاراتهم، فهم، بالنسبة إليهم، لا يعدون أن يكونوا جزءا من ملكياتهم الخاصة، يقرّبون من يقرّبون، ويقصون من يقصون، ويهمّشون من يهمّشون، ويأتون بمن شاؤوا من أقربائهم وأصدقائهم ليمتّعوهم بما شاؤوا من الامتيازات دون ضابط أو رابط، وكم أهدروا بهذه الممارسات المنحرفة من الطاقات، وكم أحبطوا من الكفاءات، لا لسبب إلا لأنها لم ترق لهم، أو لم تسبّح بحمدهم، أو استنكفت من إرضاء نزواتهم المريضة...
والمفارقة هي أن النظام المتداعي السابق كان يفرد الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري بوزارة خاصة، وكان ينظم استشارات دورية بدعوى تشخيص أمراض الإدارة وتحديد سبل علاجها، غير أن هذه الاستشارات كانت تخوض في جميع الشؤون، حتى الهامشي منها، لكنها كانت تتحاشى الاقتراب من لب المشكلة، فهي لم تتطرق، أبدا، إلى تحديد اختصاصات الوزراء الفضفاضة، أو الحد من سلطاتهم المطلقة، أو سبل إخضاعهم للرقابة اللصيقة، وعند الاقتضاء للمحاسبة النزيهة العادلة، أو وسائل إرغامهم على تنفيذ أحكام المحكمة الإدارية الصادرة في حقهم أو في حق وزاراتهم.
واعتبارا لما تقدم، فإنني أرى أن فلاح البلاد في إقامة نظام حكم راشد، رهين بثلاثة شروط، أولها وأوكدها هو العمل على علاج ظاهرة تغوّل الوزراء الخطيرة، من خلال اتخاذ ما ينبغي من الاجراءات التشريعية، ووضع ما يجب من الآليات التنفيذية التي تمنع تجدّدها في المستقبل، لا سيما بضبط حدود لتصرّف الوزراء في وزاراتهم لا يجوز لهم تجاوزها، وبمحاسبتهم حسابا سريعا وعسيرا إن تجاوزوها، سواء من مجلس النواب أو من بقية هيئات رقابة الدولة...
أما الشرط الثاني فهو حسن اختيار الوزراء الذين ينبغي أن تكون الكفاءة والنزاهة أهم مقاييس اختيارهم، ذلك أن الكفاءة متعانقة مع النزاهة هما اللتان تقوّيان جهاز مناعة الوزراء ضد الوقوع في الأخطاء وضد ارتكاب المظالم...
أما الشرط الثالث فهو، في نظري، ضمان حق الموظف، بوصفه مواطنا قبل أن يكون موظفا، في إبداء رأيه، علنا وبكل وسائل الاتصال الممكنة، التقليدية منها والحديثة، في كل ما يخص مصالح الوطن العليا، وفي كل ما يتعلق بقضاياه المصيرية... ولا يمكن أن يتأتى ذلك إلا بإلغاء القوانين الموروثة أو المستنسخة عن قوانين المستعمر القديم التي تمنع الموظفين من قول كلمة الحق وكتابتها... وبالتالي من تعرية الاخطاء والمظالم في الإبان، أي فور حدوثها، وقبل أن تستفحل أو تتعفّن.
علامات على طريق تجديد الدبلوماسية التونسية
عندما وقع النظام المتداعي السابق في الرابع عشر من شهر جانفي 2011، فوجئ الشعب التونسي بتشوّه خارطة تمثيل البلاد الدبلوماسي، حيث اكتشف، باستغراب واستهجان كبيرين، أن نصف رؤساء البعثات الدبلوماسية والقنصلية، كانوا من "الدخلاء" على وزارة الشؤون الخارجية، أي ممن لا علاقة لهم بالعمل الدبلوماسي أو العمل القنصلي اللذين يشكلان، في الدول التي تسمى عن حق دول قانون ومؤسسات، اختصاصين مهنيين مستقلين بذاتيهما، لا يحذقهما إلا من تمرّس بهما يوما بعد يوم، وأسبوعا بعد أسبوع، وشهرا بعد شهر، وسنة بعد سنة، حتى اكتسب من المهارات ما يؤهله لتمثيل البلاد خير تمثيل...
ولقد كان أبناء وزارة الشؤون الخارجية يعرفون هذه الحقيقة المرة، ويشعرون بالألم يعتصر قلوبهم من تفاقمها واتساع رقعتها على مر السنين، لا فحسب لأنها كانت تسدّ الآفاق في وجوههم، وتحكم عليهم بأن يظلوا يراوحون في أماكنهم، وإنما أيضا لأنهم كانوا يتابعون، بلا حول، تدهور الدبلوماسية التونسية بعد أن استمرأ النظام المتداعي السابق استباحة ساحتها، وإباحتها لعدد متزايد من أزلامه، ووزرائه وكبار مسؤوليه الفاشلين، وحتى من أتباع أحزاب المعارضة الموالية الذين لا يستطيعون الاضطلاع بوظيفة رئيس مصلحة في إدارة صغيرة، فكيف بوظيفة سفير أو قنصل عام أو قنصل؟
لذلك نعتقد أنه من الضرورات المتأكدة أن تعكف تونس الجديدة، بصورة عاجلة، على إعادة تأهيل وزارة الشؤون الخارجية، ورد الاعتبار اليها حتى تسترجع رونقها الضائع، أو في الحقيقة المضيّع عن سابق إضمار، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مقاليدها سلمت، طيلة النصف الثاني من العقد الماضي، ل"وزير" كان من الضئالة والضلالة أن خلع على السياسة الخارجية والدبلوماسية التونسيتين ضئالته وضلالته.
وفي رأيي، فإن إعادة تأهيل الوزارة يتطلب عمليتي تجديد لا بد أن تباشرا بصورة متوازية ومتلازمة... أما أولاهما فتتعلق بجهازها البشري، وهي التي سنتطرق إليها في هذه المفارقة، وأما الثانية، وهي التي سنتطرق إليها في المفارقة القادمة، فتتعلق بالمادة التي تشتغل عليها أي السياسة الخارجية التي ينبغي تسديد خياراتها الكبرى حتى تكون متوائمة مع انتماءات البلاد الجغرافية والحضارية...
وأول ما ينبغي القيام به فيما يتعلق بجهاز الوزارة البشري هو أن يتم تخليص الدبلوماسيين التونسيين من مشاعر الخوف والتشاؤم واليأس التي رانت على نفوسهم بعد أن قطع عليهم تكاثر "الدخلاء" طربق تحقيق طموحهم المشروع إلى أن يحظوا ذات يوم بشرف تمثيل تونس على رأس بعثة من بعثاتها في إحدى عواصم العالم، بعد أن يكونوا ارتقوا سلم العمل الدبلوماسي، بكل صبر، درجة درجة...
وحتى يتحقق ذلك، سيكون من الضروري وضع قانون أساسي جديد للوزارة، يحدد فيه بكل دقة، مثلما هو الشأن في أغلب الدول المتقدمة، عدد البعثات التي يحق لرئيس الدولة أن يعين رؤساءها، غير أن هذا التعيين لا ينبغي أن يظل مرسلا، بلا ضوابط أو قواعد، بل لا بد من إخضاعه لموافقة مجلس النواب المنتخب انتخابا حقيقيا، من خلال الإستماع إلى مرشحي الرئيس والى برامج عملهم لتطوير العلاقات مع البلدان التي يرشحون للعمل فيها.
واعتقادي أنه من الضروري تعميم هذا الأسلوب على كافة المرشحين لتمثيل تونس في الخارج سواء كانوا من داخل الوزارة أو من خارجها، وذلك حتى لا ينتقل الإطلاق من يد رئيس الدولة، كما كان الأمر في العهد المتداعي السابق، إلى يد الوزير، وكم من وزير تجاهل مقاييس الكفاءة والنزاهة والنظافة ليختار ممثلين من بين متزلفيه، ومنافقيه، ومناصريه ظالما ومظلوما، والساعين بين يديه معتبرين أحلامه أوامر حتى قبل أن تصدر.
من مقتضيات تسديد السياسة الخارجية التونسية
تكملة للحديث الذي بدأته في مفارقة الاثنين الماضي، سأتطرق في مفارقة اليوم إلى بعض مقتضيات تسديد خيارات السياسة الخارجية التونسية حتى يتسنى لتونس الجديدة أن تتبوأ المكانة التي هي جديرة بها بين الأمم، وأن تعزز دورها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأن تؤمن لنفسها، في ذات الوقت، أسباب الأمن والنمو.
ومثلما أكدت من قبل، فإن المطلوب في هذه المرحلة، هو العمل على مواءمة خيارات السياسة الخارجية التونسية مع انتماءات تونس الجغرافية والحضارية...
ومعنى المواءمة في نظري، هو أن تقلع بلادنا التي باتت تتفيأ ظلال ثورة الياسمين التي انتشر عطرها في مختلف أرجاء العالم، عن رفع شعار "تونس أولا" الذي نادى به البعض زورا وبهتانا، وشعار "تونس أولا وأخيرا" الذي زايد به البعض الآخر رياء ونفاقا... فلقد تبين، بعد وقوع النظام المتداعي السابق، أن أنفس هؤلاء وأولئك كانت أول همهم وآخره، ولذلك فإن تونس الجديدة، فيما أرى، بحاجة إلى رفع شعار بديل لا يوحي بالأنانية والأثرة والانعزال، وإنما يوحي بالتجذر في المحيطين الإقليمي والدولي، من منطلق الإيمان بأن لا قوة للوطن إلا من قوتهما، و لا ثراء إلا من ثرائهما...
وإذا ما تبنت بلادنا شعارا من هذا الطراز، فإن ذلك يعني أن سياستها الخارجية المستقبلية ينبغي أن تنبني على جملة من القواعد الجديدة، لعل أهمها، في نظري، القواعد الأربع التالية:
1/ إن الاستقلال لا يعني الانعزال، ومعنى ذلك أن محافظة تونس الجديدة على مقومات استقلالها، في عالم كعالم اليوم متداخل، وثيق الترابط، متشابك المصالح، لا ينبغي أبدا أن يدفعها، بعد الآن، ولو على صعيد الخطاب، إلى أي شكل من أشكال التقوقع والانطواء على الذات، ذلك أنه لم يعد ممكنا لأي دولة اليوم، حتى ولو كانت دولة كبرى، أن تعيش بمعزل عن محيطيها الاقليمي والدولي... بل إن المطلوب لكي تفرض حضورها على ساحة هذين المحيطين أن تعمل على المساهمة، بفعالية، في معالجة أمهات القضايا التي تشغلهما سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو غيرها...
وما من شك أن "ثورة الياسمين" أعطت للسياسة الخارجية وللدبلوماسية التونسية قوة دفع خارقة عندما حررتها من القيود التي كانت تكبل قدرتها عى التحرك والمبادرة ومقاربة الكثير من المسائل والقضايا بما ينبغي من الأريحية والثقة في النفس...
2/ إن الاندماج في العالم لايعني الانسياق لنزعات العولمة، وإنما يعني بذل كل ما أمكن من الجهود الفردية والجماعية من أجل المشاركة، قدر الإمكان، في "سياقة" هذه النزعات إلى ما ينفع البشرية ولا يضر بها...
والسياسة الخارجية التونسية المستقبلية ينبغي أن تكون سياسة لا تكتفي بالانفعال بل تفعل، ولا تقتصر على التأثر بل تؤثر...
3/ لما كانت السياسات الخارجية الفاعلة والفعالة هي السياسات التي ترسم وتنفذ باتزان وعقل ومنطق، فإن سياسة تونس الخارجية المستقبلية بحاجة إلى تطليق العجلة والعاطفة والمزاج في تحديد توجهاتها، وإلى انتباذ كافة الممارسات الفردية الارتجالية العشوائية التي طبعت، في الفترة الأخيرة، جانبا هاما من تحركاتها، وقراراتها التي كانت عبارة عن ردود فعل متسرعة تكلف البلاد خسائر فادحة ماديا ومعنويا...
4/ إن مصلحة تونس ينبغي أن تكون وأن تظل دائما وأبدا فوق مصلحة الأشخاص، ومعنى ذلك أن الفعل السياسي الخارجي التونسي المستقبلي لا بد أن ينبذ الشخصنة، وأن يكون في خدمة الوطن ومصالحه العليا، ولابد أن تكتسي تحركات تونس ومبادراتها والاهداف التي تعمل على تحقيقها طابعا وطنيا لا طابعا شخصيا مثلما كان الشأن في ظل النظام المتداعي السابق.
لا بد من تجديد نظامنا التربوي ...
لأن التربية هي التي تؤسس الإنسان الذي عليه تتأسس الدولة، أيّ دولة في العالم، فإنّ تجديد، بل ربما تبديل النظام التربوي التونسي يجب أن يشكّل أولوية من أولويات تونس الجديدة، فلقد ثبت أن هذا النظام يعاني من عدة نقائص هيكلية لعل من أهم تمظهراتها أن أحد أهم أسباب "ثورة الياسمين" هو فشله في المواءمة بين تكوين خرّيجيه وبين حاجات سوق العمل، وأن موقع الجامعات التونسية في أشهر تصنيفات الجامعات في العالم، وترتيب تلاميذنا في البرنامج الدولي لمتابعة مكتسبات التلاميذ، ليسا مما يدعو إلى الرضا، مثلما سبق أن نبهنا الى ذلك في بعض مفارقاتنا الاثنينية...
ومن نافلة القول أن التجديد أو التبديل المبتغى ينبغي أن يشمل مختلف جوانب النظام التربوي، وكافة درجاته بدءا من الأقسام التحضيرية، مرورا بالمدارس والمعاهد، ووصولا إلى الجامعات...
وليست الغاية من هذه المفارقة الدخول في تفاصيل التجديدات أو التبديلات التي يحتاج إليها نظامنا التربوي، فذلك في نظري شأن أصحاب الشأن أي أهل الاختصاص، وإنما الغاية منها هي الإسهام في رسم بعض الأهداف الكبرى التي يفترض أن يعمل النظام التربوي الجديد أو البديل على تحقيقها.
وفي رأيي فإن هذا النظام ينبغي أن يضطلع بالوظائف الأربع الأساسية التالية:
1/ أن يكون قاطرة الرقيّ: أي أنه مدعو إلى المساهمة في رسم معالم المشروع الحضاري الذي يجب أن يرتقي بالبلاد إلى مصاف البلدان المتقدمة... وإلى إعداد الموارد البشرية التي ستنفذه، ومرافقة خطوات تنفيذه خطوة خطوة، حتى إذا أبطأ حثه على السير، وإذا تعثر أقاله من عثرته...
ولعل من أوكد واجباته في هذا الصدد أن يعمل على ترسيخ قيمة العمل في النفوس وفي العقول... غير أنه لن يستطيع أن يرسخها إلا إذا اهتدى إلى المعادلة الصحيحة التي تمكنه من تخريج أجيال قديرة قادرة على اقتحام سوق الشغل، لا أجيال ضعيفة تستسلم للبطالة وما يصاحبها من عوامل الإحباط واليأس والشك في جدوى التعليم والتعلم.
2/ أن يكون حاضن الديمقراطية: ومعنى ذلك أنه مدعو إلى أن يجعل المدرسة والمعهد والجامعة فضاءات حقيقية لممارسة الديمقراطية والتمرس عليها، وليس لتدريسها كمادة نظرية أو كمفهوم افتراضي...
ولقد كشفت "ثورة الياسمين" عن مدى حاجتنا الماسة إلى مثل هذا النظام التربوي حتى يكون بالإمكان تمرين الأجيال المتعاقبة على الفعل الديمقراطي بما يهيئهم للعمل السياسي ويعدهم لتسلّم مقاليده كلما حان وقت تسليمها، وهو ما سيجنب البلاد تكرار الأزمة التي عشناها وما نزال كنتيجة من نتائج حالة الفراغ الناجمة عن "تعقيم" النظام المتداعي السابق للنظام التربوي طيلة العقدين الماضيين.
3/ أن يكون عنوان الجودة: ونحن نعتقد أن النظام التربوي الجديد يستطيع أن يكون كذلك، إذا أجدنا التصرف في مواردنا البشرية، وأحكمنا توظيف إمكاناتنا المادية، ذلك أن بلوغ بلادنا مرحلة "الاستقرار الديمغرافي" يتيح لها فرصة تحسين السياقات المادية والمعنوية الحافّة بالعملية التربوية...
ومن المفترض بعد أن وصلنا في قطاعنا التربوي إلى حالة شبه تامّة من "التشبع" على المستوى الكمي، أن نركّز من هنا فصاعدا على تلبية حاجات النهوض الكيفي بالوظيفة التربوية...
4/ أن يكون رائد التجديد: ومعنى ذلك أن النظام التربوي الجديد ينبغي أن يعمل على تنمية روح الخلق والإبداع والمبادرة عند الأجيال الصاعدة، بما يعدها للصعود بالبلاد الى المرتبة الرفيعة التي تطمح اليها...
وانطلاقا من أن للتجديد شروطا لا يمكن أن يتحقق بدونها، فإن نظامنا التربوي مدعو إلى تكثيف "تفاعله التخصيبي" مع محيطيه الداخلي والخارجي خاصة على الأصعدة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية...
استلهام الدرس الصيني ...
تحدثت إحدى سفيرات الصين في إحدى أكبر عواصم الدنيا عن معراج بلادها إلى قمة العالم، فروت عدة طرائف نقتطف منها الطرفتين التاليتين اللتين تصوران التطور السريع الذي تشهده حركة الإنشاء والتعمير في بلادها، فقالت: أراد صحافي غربي، ذات مرة، معاينة "الصعود الصيني" عن كثب، فسافر إلى شانغهاي، وحين وصل إلى الفندق الذي اختار الإقامة فيه، طلب من عون الاستقبال أن يعطيه غرفة بنافذة تطل على الساحة المجاورة حتى يتمكن من مراقبة حركة الناس في غدوهم ورواحهم، عله يدرك بعض أسرار هذا الصعود المثير للعجب والإعجاب...
ولما كان وصل ليلا، بعد رحلة طويلة ومتعبة، فقد قرر إرجاء التفرج على الساحة إلى الصباح، غير أنه عندما أفاق وفتحها ألفى أمامه مبنى ينتصب شامخا ويحجب عنه الرؤية... فنزل إلى عون الاستقبال محتجا، فما كان من العون إلا أن أجابه بابتسامة عريضة بأنه سيتثبت من الأمر ويعود إليه، وبعد هنيهة جاءه ليقول بنفس الابتسامة العريضة: إن الحق معك يا سيدي، غير أنه معنا أيضا... فعندما أعطيناك الغرفة البارحة، لم يكن المبنى الذي حجب عنك الرؤية قائما.
وانتقلت السفيرة إلى الطرفة الثانية فقالت: إن بلدية "بيجينغ" العاصمة باتت مضطرة إلى إعادة طبع خريطة المدينة كل شهرين، وقد تضطر في مستقبل قريب إلى إعادة طبعها كل شهر حتى تواكب نسق نموها الذي صار يغير ملامحها بسرعة منقطعة النظير...
غير أن أهم ما في حديث السفيرة هو خاتمته، فلقد استخلصت أن بلادها، بالرغم من نموها، الباهر تظل بلادا في الطريق إلى الغنى وليست غنية، وبلادا في الطريق إلى التقدم وليست متقدمة، وهي لذلك بحاجة الى مواصلة العمل في صمت حتى تبلغ درجة الغنى والتقدم المنشودين.
وقد أحببت أن أبدأ هذه المفارقة الأخيرة من سلسلة المفارقات السبع التي اخترت لها عنوان "في متطلبات بناء تونس الجديدة" بحديث السفيرة الصينية لأنني أعتقد أن فيه درسا ينبغي لنا، في هذه المرحلة، أن نعيه جيدا، وأن نستلهمه...
وعصارة هذا الدرس هي أننا بحاجة إلى كثير من روح العمل الصينية الممزوجة بكثير من خصلة التواضع الصيني حتى نتجنب الوقوع في الإحساس بالإمتلاء الزائف، والخلود إلى شعور الرضا عن النفس الخادع الدافع إلى الاسترخاء...
ولا شك أن "ثورة الياسمين" التي فاح عطرها في مختلف أرجاء العالم العربي وأبعد منه، هي مدعاة إلى الشعور بالفخر، غير أن هذا الشعور يجب أن يدفعنا إلى المحافظة على موقعنا الريادي بالعمل على أن نكون نموذجا في تحقيق النهضة الشاملة، وهو ما لن يتأتى إن لم نؤمن بالعمل ولم ننخرط فيه بكل طاقاتنا...
وفي كلمة فإننا بحاجة إلى أن "نطلّق" المسلكيات المنحرفة التي كان النظام المتداعي السابق يسلكها حين كان لا ينفك يسبّح بحمد نفسه، ويتعاطى بحساسية مفرطة مع كل من يشكك في "كماله"، ويدفع الأموال الطائلة حتى يدفع بالذمم المنافقة، في الداخل وفي الخارج، إلى الكذب عليه وعلى الشعب حتى كاد الجميع يصدقون أن شعبنا ونظامنا خير شعب وخير نظام أخرجا للناس...
وقد كان من الطبيعي، لكل ذلك، أن تكون مفأجاة الناس بما رأوا وسمعوا يوم كشفت الثورة عوراته صاعقة... ولأننا لا نريد أن تتكرر الفاجعة مستقبلا، فإننا بحاجة إلى أن نفتح عيوننا لنرى طريق الصواب فنسلكه، وإلى أن نفتح آذاننا لنسمع من القول أحسنه فنتبعه، ولا بأس، في الأثناء، من أن نصوم عن الكلام قليلا، فأفضل الأمطار غيث نافع ينزل على الأرض هنيئا بدون رعود قاصفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.