دعا البنك الدولي في قراءته للوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس وفي تقرير خاص بالوضع ببلادنا إلى ضرورة اعتماد الحكومة القادمة تدابير جديدة للمالية العمومية مصحوبة بإجراءات صارمة لاحتواء فاتورة الأجور المرتفعة وتخفيض دعم الطاقة التنازلي وتحسين إدارة المالية العامة، واصلاح المؤسسات العمومية من أجل تحسين مكونات العملية الجارية لضبط أوضاع المالية العمومية. وبينت مصادرنا أن البنك الدولي أوصى بالتعجيل بتنفيذ الإصلاحات الهيكلية لضمان تحقيق نمو أقوى وأكثر احتواًء لمختلف شرائح السكان وإنشاء شبكة للأمان الاجتماعي تستهدف المستحقين بشكل دقيق، على أن تكون مصحوبة بإصلاحات في دعم الطاقة لحماية الأسر المعيشية محدودة الدخل. الإصلاحات المطلوبة من تونس واعتبر البنك الدولي أن الاصلاحات الاقتصادية الجارية حاليا جاءت بطيئة وأنه إن لم يتم تسريعها فإن خطرا سيتشكل حول مستقبل تونس وأن عجز تونس عن القيام بإصلاحات عميقة للنظام الاقتصادي مثل السبب الذي أدى الى اندلاع ثورة جانفي 2011. ونبّه البنك كل المعنيين بالشأن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي بأن تونس تتعرض الآن الى خطر حقيقي يتمثّل في العودة إلى الوضع الاقتصادي الذي كان قائما قبل الثورة مع ادخال تعديلات هامشية على النموذج التنموي . من جهة أخرى وفي لقاءات عديدة قام بها كل من ممثلي البنك الدولي وصندوق النقد الدولي أكدوا أنه بعد مضي ثلاث سنوات على قيام الثورة، لم يتغيّر النظام الاقتصادي الذي كان قائما في ظل بن علي بشكل جوهري وأنّ مطالب التونسيين بالحصول على الفرص الاقتصادية مازالت أمرا بعيد المنال. كما تم التأكيد على أن اجراء تغييرات عميقة في البيئة الاقتصادية أمر يصعب تنفيذه عمليا، وبالتالي فإنّه سوف يكون هناك بالضرورة فارق زمني بين اعتماد سياسات جديدة وتنفيذها الفعلي على أرض الواقع. وتبين مصادرنا أن المؤسسات المالية الدولية تطالب الحكومة التونسية بالمضي في الاصلاحات العميقة وأنّها إصلاحات حساسة سياسيا، ومن ثم فإنّه يمكن أن تكون ذات دوافع سياسيًّة أو أن يتم توظيفها سياسيا. ودعا صندوق النقد الدولي في تقرير خاص بالوضع في تونس إلى ضرورة اعتماد تدابير جديدة للمالية العمومية مصحوبة بالتدابير التي تستهدف احتواء فاتورة الأجور المرتفعة وتخفيض دعم الطاقة التنازلي وضرورة إجراء إصلاحات في الإيرادات، وتحسين إدارة المالية العامة، واصلاح المؤسسات العمومية من أجل تحسين مكونات العملية الجارية لضبط أوضاع المالية العمومية. وفي هذا الإطار علمنا أن ممثلين عن المؤسّسات المالية العالمية سيزورون تونس قصد دفع الاقتصاد التونسي إلى التخلّص ممّا يسمى الحواجز التي تحول دون الوصول إلى الأسواق والتي تقوض نمو الانتاجية وخلق فرص العمل في نهاية المطاف والتركيز على أنّ نموّ القطاع الخاص يقتضي أن يتم التركيز على تعزيز المنافسة وإزالة الحواجز ودعم دخول شركات جديدة وخاصة الكبرى منها، وإزالة العقبات أمام نمو الشركات حتّى تتمكن الشركات الصغرى من النمو. وعرض تقرير صادر عن البنك الدولي في هذا الشأن رؤية لنموذج اقتصادي جديد تكون فيه انتاجيّة الشركات أساسا لقدرتها التنافسية ومناخا تتكافؤ فيه الفرص لتمكين الشركات الأكثر انتاجيّة من النجاح وخلق فرص عمل جيدة. وتعتبر مصادرنا أن جميع التقارير تكشف أن الدعم الموجه للمحروقات غير منصف، وأن ٪70 منه يتجه لفائدة الأغنياء في حين لا يتمتع الفقراء والفئات الشعبية والمتوسطة إلا ب٪20 وهم من المواطنين المنتمين للفئات الضعيفة. وبيّنت مصادرنا أن إصلاح منظومة الدعم يتطلب إصلاح منظومة الضمان الاجتماعي قصد حماية الأسر ضعيفة الحال من الآثار التي قد تترتب عنها هذه الإصلاحات وبينت أن عملية الإصلاح داخل منظومة الدعم ستسير جنبا إلى جنب مع جملة من التدابير الاجتماعية المخففة التي من شأنها حماية الفئات الفقيرة والهشة مع اعتماد مساعدات وتحويلات موجهة لبعض القطاعات وإعفاءات جبائية وأسعار تفاضلية للطاقة ودعم لتشغيل العملة ذوي الوضعيات الصعبة. وستتوجه هذه الاصلاحات نحو توفير مساعدات وتحويلات مالية وترفيع في الأجور وفي ال«سميغ» للأجراء حتى تتمكن مثل هذه التدابير الاجتماعية من الحد من انعكاسات الإصلاحات على الأسر. وسترتبط عملية الإصلاح بإصلاح منظومة الضمان الاجتماعي في تونس كشرط مسبق لجميع الإصلاحات التي تحتاج إلى تعزيز من أجل حماية فعالة للفئات الهشة والفقيرة، والتحسين من النجاعة وتحقيق مزيد من الإنصاف. كل هذه التدابير والأفكار ستتمّ مناقشتها في المؤتمر الوطني للاقتصاد وخاصة كيفية توجيه الدعم لمستحقيه وعدم توجيهه لجهات تستغل الدعم لتحقيق مكاسب مادية على حساب المجموعة الوطنية . الإصلاحات القادمة وعلمت «التونسية» أن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي قدما شروطا جديدة لدعم الحكومات القادمة أهمها إعادة هيكلة قطاع الوظيفة العموميّة بما يعني ذلك من ضغط على كلفة الأجور وتقليص الانتدابات في القطاع العام والوظيفة العمومية وأوصى كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بضرورة مزيد تحرير التجارة الخارجيّة وفتح الأسواق المحليّة أمام تدفّق البضائع الأجنبيّة تنفيذا لما ورد باتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ومع منظمة التجارة العالمية. وتم التأكيد على تحرير ملفّ الطاقة وتشجيع الاستثمارات الأجنبيّة في هذا المجال وتطوير مواردها غير التقليدية عبر الطاقات المتجدّدة والبديلة. وستتم خلال السنوات القادمة رسملة البنوك العموميّة والتفويت في ما تبقى منها لفائدة الخواص وتحرير نسب الفائدة المعمول بها وتحديد تدخل البنك المركزي في رسم سياسات الدولة النقدية والبحث عن حلول للصناديق الاجتماعية بإعادة هيكلتها وإنقاذها من الإفلاس باعتماد الزيادة في نسب الاقتطاع والترفيع في سنّ التقاعد وتقليص مجالات تدخلها وخاصة في ما يتعلق بالمنظومة الصحية والعلاجيّة. كما أنه من المنتظر مراجعة مجلّة الجباية بما يضمن تطوير مداخيل الدولة وذلك بالترفيع في نسب الاقتطاع الملقاة على عاتق الأجراء والموظفين وأصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة . كما سيتم تطوير قانون 1996 المتعلق بإنقاذ المؤسسات التي تشكو من صعوبات إقتصاديّة وذلك بتخفيف شروط إعلان الإفلاس والتعويضات المنجرّة عن ذلك وتدخّل الدولة لجبر الأضرار اللاحقة بأصحاب هذه المؤسسات وتحملها التكاليف المالية الناجمة عن هذه الصعوبات. وسيعمل كل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على تعزيز وتطوير الاستثمار الخارجي بتسهيل شروط التملك والانتصاب ومراجعة الشروط الماليّة والجبائية والقانونية المتعلقة بالاستثمار وتدفق الاستتثمار الأجنبي. وسيتم خلال السنوات القادمة العمل على مراجعة مجلّة الشغل في اتجاه مزيد من المرونة في العلاقات الشغليّة ومن المنتظر النظر في ملف التفويت في عدد من المؤسسات العموميّة وخاصة تلك المتعلّقة بالمجالات الحيويّة وخاصّة الضامنة منها لأكثر ربحيّة.