التونسية (تونس) نظم «التيار الديمقراطي» أمس بأحد نزل العاصمة ندوة صحفية بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الفساد تحت عنوان «مكافحة الفساد: الواقع والآليات»بحضور شخصيات مهتمة بهذا الشأن من قضاة ومحامين وبعض مكونات المجتمع المدني. وقد افتتحت الندوة الأستاذة نجاة العبيدي التي أكدت أن الهدف من مثل هذه التظاهرات هو التحسيس بخطر الفساد الذي يهدّد تونس ودعم القيم الثلاث والمتمثلة في نشر الشفافية والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. كما بينت العبيدي من خلال مداخلتها أن الفساد هو السبب الرئيسي في اندلاع الثورة نظرا لانتشاره بصفة غير مسبوقة في الأعوام الأخيرة لحكم بن علي. وقد تخلل الندوة عرض فيديو لم تتجاوز مدته العشر دقائق قدم تقريرا مفصلا بالوثائق عن ظاهرة الفساد في تونس واستشرائها زمن بن علي. ومن بين الحاضرين في الندوة كان العضو السابق للجنة المصادرة القاضي احمد صواب والذي كانت مداخلته بعنوان «بين الفساد والمصادرة» تحدث فيها عن حجم الفساد الذي اطّلع عليه عن قرب فترة ممارسة مهامه بلجنة المصادرة مقدّما رقما للبنك العالمي يقدّر حجم فساد العائلة الحاكمة السابقة ب23 بالمائة من أرباح القطاع الخاص قبل الثورة. وأضاف صواب بأن الخسارة في التعريفات الديوانية فقط بين سنتي 2001 / 2009 بلغت قرابة 3 آلاف مليار. وأكد العضو السابق للجنة المصادرة أنّه تمّت مصادرة قرابة 550 عقارا و600 شركة وأنّ حصيلة الأملاك المصادرة بلغت 20 ألف مليار حسب قوله. كما أشاد القاضي بالمجهودات التي بذلها الراحل عبد الفتاح عمر من خلال لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة وقال إنّ عمر «فصّل وشخّص وأعطى الحلول اللازمة لمقاومة الفساد لكنه مات غبنا» مضيفا أنّه اليوم خائف على ملفات لجنة عبد الفتاح عمر. وقد أبدى صواب تخوفه أيضا من أن يقع تمرير بعض الأسماء خلال قانون المصالحة ومحاولات السعي إلى التقليص في مجال المصادرة وقال «أنبّه لشيء يدبر بالنهار لا بالليل في ما يخص المصادرة, وهناك وكالات دولية أكدت ارتفاع الفساد ببلادنا وأكدت أيضا أن آليات مقاومة الفساد ولّدت فسادا في حد ذاتها». وعن هيئة الحقيقة والكرامة أكد القاضي أن هذه الهيئة ولدت مشوّهة من أصلها لكونها بنيت على أساس المحاصصة السياسية وإنّها بناء على ذلك لن تنجح في أداء مهامها مضيفا بأنّ استقالة بعض الأعضاء دليل على وجود مشاكل بها وتعطّل العمل داخلها. وأشار احمد صواب إلى أن الحكومة الحالية متّهمة بالتبييض والتواطؤ مع الفساد وسوء استخدام السلطة وان وزراء ما بعد الثورة لم يقوموا بملء أماكنهم للحد من الفساد بما في ذلك «الترويكا». النائب بالمجلس التأسيسي ومقرّر لجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد نجيب مراد أكد من جهته أن قيمة ما تمّت مصادرته من عقارات ومنقولات وحسابات وغيرها بلغ 50 ألف مليار دينار نهب في الداخل والخارج ,و بين مراد سعيهم لاسترجاع الأموال المنهوبة في ظل «جبن سياسي لحكومات متعاقبة عبر الثورة ثبت تواطؤها مع عدة أطراف فاسدة» حسب قوله. وقال النائب «كان من الأجدى أن تتم المحاسبة بصفة مبكرة لكن جزءا كبيرا من الذين كان يجب أن يحاسبوا صاروا في الحكم وصاروا ضمن الدولة العميقة وتسببوا في تعطيل عجلة الاقتصاد ونهوض الدولة». وعرج مراد على تقصير البنوك العمومية الثلاثة والبنك المركزي مشيرا إلى ضرورة محاسبة الفاسدين بالبنوك. وأضاف «لصوص الثورة والثروة يرتعون بلا رقيب ولا حسيب والفساد اليوم يعتبر اخطر من الإرهاب, فالقطاع المصرفي مثلا ينخره فساد كبير والديبلوماسية التونسية تغط في نوم عميق فهي لم تقم بواجبها في مصادرة الأملاك والأموال بالخارج. كما أن اغلب السياسيين الأجانب أشبعونا كلاما معسولا ووعودا لم تطبق على ارض الواقع... اليوم مخطئ من يظن أن تونس دولة فقيرة، كنا قادرين على عدم الالتجاء للقروض الأجنبية لو لم يكن هناك نهب واستنزاف لمؤسسات الدولة واستشراء للفساد». إبراهيم الميساوي رئيس جمعية مكافحة الفساد أكد من جانبه أن الجميع من موقعه مسؤول عن مكافحة الفساد, وان الفساد وباء يقضي على الاقتصاد والديمقراطية. وأشار الميساوي إلى ضرورة وضع منظومة عمل كاملة لتحفيز المبلّغين عن أشكال الفساد كالتهريب مثلا ووضع الإجراءات اللازمة لحماية المبلغين. كما بين إبراهيم الميساوي غياب الوازع الوطني والشعور بالانتماء لدى بعض المواطنين لدرجة وصولنا إلى «التطبيع مع ظاهرة الفساد» وظهور ما يعرف ب«ثقافة الفساد» من منطلق «افرح بيّ» و«مشّي حويجة» وغيرها من المصطلحات التي صارت متداولة. كما عرج أيضا على ضرورة أن يلعب المجتمع المدني دوره إلى جانب السلط المعنية في إطار شراكة فاعلة وملموسة كي لا تبقى دار لقمان على حالها. من جهته أكد الأمين العام للتيار الديمقراطي محمد عبو أن للفساد في تونس الكثير من الأنصار وقال «دورنا اليوم أن نقول للحكومات استفيقي كي لا ندخل في ما وقع ببلدان أخرى من ظهور مافيات مسلحة تنهب الدولة وتضعفها ,الفساد في تونس وجد من يحميه عن طريق تخاذل بعض الأطراف وتواطؤها. وبعد أن يئسنا من السياسيين أصبحنا متمسكين بدور القضاة في فتح ملفات الفساد. وعليه وجب الضغط اليوم من طرف الشعب وهياكل المجتمع المدني لوضع قانون لتطهير القضاة والمحاماة وتجريم الإثراء غير الشرعي وهذا القانون جدّ ضروري في حال وجود رغبة جدية لمقاومة الفساد». وأضاف عبو «أريد أن أؤكّّد اليوم انه إن لم تحصل إجراءات لمكافحة الفساد لن يكون هناك تقدم في تونس ,وانه في حال رغبنا في الحصول على مستثمرين وجب توفير عنصرين أساسيين هما الشفافية والأمن وعليه وجب وجود صرامة في مكافحة الفساد». إيناس المي