أثارت تصريحات رئيس الحكومة المؤقتة حمادى الجبالي حول موعد الانتخابات القادمة، ردود فعل متباينة حيث اعتبرها البعض مراوغة كبرى في حق التونسيين، في حين أكد البعض الآخر أنها محاولة لطمأنة الغرب بوضوح التمشي الديمقراطي في تونس من خلال ضبط موعد الانتخابات القادمة. وكان الجبالي قد أعلن أن الانتخابات ستنتظم في أجل لا يتجاوز 18 شهرا وذلك في بيان مشترك بين تونس والاتحاد الأوروبي صدر في أعقاب الزيارة التي أداها رئيس الحكومة إلى بروكسل. وأضاف أن هيئة عمومية مستقلة ستشرف على تنظيم الانتخابات. «التونسية» حاولت قراءة تصريحات الجبالي من خلال آراء بعض السياسيين والحقوقيين. قال الصادق بلعيد أستاذ القانون الدستوري إن تصريحات الجبالي تعتبر مراوغة كبرى في حق التونسيين بعد التطمينات الشفوية والكتابية التي أرسلتها الحكومة للداخل والخارج مشيرا الى أن رسالة لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي كانت واضحة بضرورة اعادة ترتيب البيت خاصة أمام الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي عرفته البلاد في الفترة الفارطة. وأضاف بلعيد أن تحديد موعد الانتخابات بعد 18 شهرا يعد هروبا الى الأمام مبينا انه « كلما تأزمت الأوضاع كلما حاولت الحكومة تأخير آجال الانتخابات». واعتبر الصادق بلعيد أن الحكومة استعملت الدستور للتمطيط في آجال مهمتها مشيرا الى أن الإسراع بصياغة الدستور أصبح ممكنا الآن قائلا إن «لا علاقة بين العمل الدستوري والعمل السياسي». خطأ ومضيعة للوقت ورفض فتحي الجربي عضو الهيئة التأسيسية لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» أي تمديد في موعد الانتخابات القادمة مؤكدا أن تصريحات الجبالي تعبر عن غياب للإرادة الصادقة في الإصلاح داعيا الى ضرورة الإسراع بصياغة الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في أقرب الآجال. وأضاف الجربي: «عوض الحديث عن موعد انتخابات بعد 18 شهرا، كان من الضروري على الحكومة التوقف برهة وتقييم الوضع ودراسة ما لها وما عليها قبل اتخاذ القرارات وإطلاق الوعود». وبخصوص الهيئة، قال الجربي إن تكوين هيئة جديدة للانتخابات يعد خطأ ومضيعة للوقت مؤكدا أن هيئة الجندوبي قامت بالعديد من الانجازات فلماذا لا نستثمر خبرتها؟ التزام الحكومة بمدة سنة من جانبه نفى عبد الحميد الجلاصي علمه بالتصريح الذي أدلى به الجبالي حول موعد الانتخابات القادمة قائلا «ما أعتبره رسميا هو ما صرح به السيد الجبالي أمام المجلس التأسيسي حيث أكد التزام الحكومة بمدة سنة». وقال الجلاصي أن أي تمديد في الموعد المحدد لن يتجاوز الستة أشهر مضيفا أن حركة «النهضة» تعمل على ألا تتعدى أشغال المجلس التأسيسي السنة وبالتالي تحديد موعد الانتخابات في غضون ذلك. ودعا الجميع للعمل على ذلك الموعد. واستبعد الجلاصي أي تدخل أوروبي في عمل الحكومة التونسية وتحديد موعد انتخاباتها القادمة قائلا إن «مسألة الانتخابات تتعلق بالشأن الداخلي ولن نسمح في حال من الأحوال بأي تدخل أجنبي أو ضغوطات لتحديد سياساتنا الخارجية أو الداخلية». وحول هيئة الانتخابات المستقلة، أكد الجلاصى أن بقاء الهيئة أو تعويضها بهيئة جديدة يعود بالأساس الى المجلس التأسيسي، المؤهل قانونيا للحديث حول هذه المسألة. محاولة لطمأنة الغرب أما سمير بالطيب عضو المجلس التأسيسي عن القطب فقال إن تصريح الجبالي كان محاولة لطمأنة الغرب وأوروبا بوضوح التمشي الديمقراطي في تونس من خلال ضبط موعد الانتخابات القادمة. وأضاف بالطيب أن مقترح الجبالي ليس بجديد قائلا «لقد تناولنا الموضوع سابقا في المجلس التأسيسي وتم الاتفاق على ألا يتجاوز الموعد السنة وفي حال التمديد سيكون ذلك بستة أشهر لا غير». ولم يستبعد بالطيب استغناء الحكومة عن الهيئة المستقلة للانتخابات القديمة وتعويضها بهيئة جديدة قائلا «شخصيا اعتقد أنه سيقع الاعتماد على تركيبة جديدة وهيئة جديدة». وختم سمير بالطيب حديثه بالقول «لن نشكك في تصريحات الجبالي لكننا سنحاسب حكومته على الأفعال والاقوال». قرارات اعتباطية واستغرب محسن مرزوق تصريحات الجبالي معتبرا أنها تدخل في صلاحيات المجلس التأسيسي قائلا « من المفروض أن المجلس التأسيسي سيد نفسه والموعد مرتبط بالمدة التي سيستغرقها المجلس في صياغة دستور البلاد الجديد الذي ستجرى على أساسه في وقت لاحق انتخابات رئاسية وتشريعية». وتساءل مرزوق عن سبب التمديد بستة أشهر خاصة بعد التزام الجبالي بموعد السنة قائلا «ما الذي حصل لإضافة 6 أشهر كاملة في ظرف أسبوع؟». ودعا مرزوق الحكومة الى التوقف عن اتخاذ القرارات الاعتباطية وإطلاق التصريحات التي تزيد من أجواء عدم الثقة مؤكدا أن وضع خارطة طريق للمرحلة المقبلة يتطلب توافقا بين جميع الأطياف السياسية بالإضافة إلى قرار المجلس التأسيسي المخول الوحيد. واعتبر مرزوق أن تصريح الجبالي جاء نتيجة ضغوطات محلية (بيان السبسي) وخارجية (أطراف أوروبية) تريد وضوحا في المحطات السياسية المقبلة كشرط من شروط دعم الاستثمار والتعاطي مع الشأن التونسي. وانتقد مرزوق تفكير الحكومة في تعويض الهيئة المستقلة التي أشرفت على الانتخابات رافضا أي محاولة لإقصائها داعيا في نفس الوقت إلى تعزيزها ومراجعة الأخطاء التي وقعت فيها.