أبو مازن لعل من المسلّمات عند العامة أن البلاد تعيش أزمة مجتمعة الأركان، بعضها اقتصادي و بعضها اجتماعي لقدرة التأقلم مع دستور الجمهورية الثانية التي ما زالت تلوح في الأفق و تخالج الأمل. أما مكونات الائتلاف الحكومي فيعزون الأزمة الى التدرج نحو الديمقراطية وانتقال الحكم فعليا الى الشعب بعد زلزال الثورة الذي غيّر الواقع بين يوم وليلة. فالانسان يتعافى من زكام أصابه ساعة خروجه في يوم قرّ، بعد أيام عديدة يتقلب فيها بين الحمى و الصداع و يتجرع فيها شتى أنواع الأدوية. أما فريق المعارضة فيرون أن الأزمة تتعمق أكثر فأكثر وأن مجرد شراء الأصوات والاحتيال على الناخبين بالوعود الزائفة لا يمكن أن يبني دولة حديثة و ديمقراطية. هنالك يعلنون فشل الفريق الحكومي ويطلبون حل البرلمان وهو حق دستوري للرئيس لعلهم يظفرون بمقعد نصف مريح في انتخابات سابقة لأوانها. تتنزل مبادرة الباجي في هذا السياق فيراوغ المعارضة ويستجيب جزئيا لطلبهم ويعلن فكرة تشكيل حكومة وحدة وطنية حتى يبدد أحلام الانقاذ الذي كان داعيا لها فيما مضى، ويأخذ من جهة أخرى بيد الائتلاف الحكومي المركب تركيبا معقدا فيربت على كتفه ويهدأ من روعه ويمنحه جرعة من الأوكسجين فيسترد انفاسه ولو لشهر الصيام وهذا صيف مقبل حيث تطلّق السياسة والاحتجاج بالثلاث ثم تكون رصاصة الرحمة في موفى سبتمبر القادم عملا بقول اليوم .... و غد أمر. المبادرة ذاتها تعيد حسابات الاتحاد الذي انقسمت ذاته نصفين فهو المرحب بمجرد الفكرة وهو المتنصل من هول المشاركة في الفريق الحكومي. الاتحاد بدأ استعداده حثيثا لجولة من الاحتجاجات والخزعبلات الاجتماعية وهي تشمل قانون التقاعد و ملفات الفساد و التشغيل و حمار المعارضة القصير " قفة المواطن". الائتلاف الحكومي الرباعي رغم أنهم أضحوا قاب قوسين أو أدنى ثلاثي أي تروكيا جديدة بعد اضمحلال الحر اندماجا في النداء أو استقالة من الحياة السياسية لا يرى في كلمة رئيس الجمهورية جديدا ولا قديما بل أمرا منتظرا ومعلنا منذ انطلاقة العمل أي قبل عام ونصف تقريبا. لنذكر جيدا أن العديد من أهل السياسة أعلنوا حينها ان عمر هذه الحكومة لا يجاوز السنة ونيف وذلك حسب أهدافها وأولوياتها وقد نجحت نسبيا في عدد من النقاط. ما الجديد اذن في كلمة بابا الباجي؟ رئيس الجمهورية أراد أن يسجل هدفا في خانة المعارضة الغير محروسة والغير مستعدة أصلا للحكم لا سيما وأن غليانها بدأ يصدر أصوات النفير و خطط الانقاذ المزعوم بدأت تدون وتقترح في القصر على مرآى و مسمع الجميع. بابا الباجي قام بهذه المراوغة التي يسمح له بها الدستور الجديد دون أن يسجل هدفا لعدم تكافؤ القوى والكتل في البرلمان. لأن الرئيس يعلم جديدا أن ميلاد حكومة جديدة يتطلب وقتا طويلا وجهدا عسيرا وتكليفا ثم اختيارا وأغلبية برلمانية قد لا تتوفر لأي مغامرة. مراوغة جميلة ومدروسة رغم انكار الائتلاف علمه بالمبادرة و تفاجئه و هدوء الصيد المنقطع النظير الذي رحب بالفكرة و قال فيما قال أن المهم هو مصلحة تونس. لقد تخلص الصيد بمثل هذه الخطوة ثقة في قيادة حكومة جديدة تحت امرته بعد النجاحات الكبيرة التي حققها فريقه في مكافحة الارهاب و مواصلة المسير نحو تكريس بنود الدستور وتركيز هيئاته. ربح كذلك الصيد فك الارتباط من عدد من وزرائه الذي أثقل تسارعهم نحو الشهرة والشعبوية كاهله و ورطه في مشاكل مع النقابات. يبقى حلم الجبهة و من لف حولها من المشروع و عدد من وجوه اليسار الراديكالي هو طرد النهضة من الحكم والحكومة و حصرها في خانة المعارضة وهذا أمر صعب المنال لضعف مردود الجبهة و تشكيلاتها الاعلامية و مجتمعها المدني و ضعف تمثيليتها البرلمانية أيضا. يعلم الباجي مؤكدا أن هؤلاء يرضون بأي حكومة دون النهضة مهما كان وزراؤها و مهما كان عددهم ولكن الرجل مراوغ ماهر يعلم الممكن من المستحيل فيسخر جهده لضمان فترة حكم قد يخلدها التاريخ ايجابا أن كان أحد مهندسي أشغال الجمهورية الثانية. Publié le: 2016-06-04 07:35:09