سعيد يستقبل وزير الداخلية ويشدد على ضرورة سد الشغورات    سعيد يشرف على جلسة عمل لاستكمال تنقيح الأحكام المتعلقة بالشيك دون رصيد    سعيد.. حق الشعب التونسي لن يسقط بالتقادم أو، كما يتوهّم البعض، بأوراق الاقتراع    رئيس الجمهورية يستقبل الصحفي الفلسطيني وائل الدحدوح    درجات الحرارة المنتظرة يوم الثلاثاء 28 ماي 2024    4 ألوان تجذب البعوض ينبغي تجنبها في الصيف    وزير الشؤون الاجتماعية الجديد يتسلم مهامه    وزير الصحة يؤكد مواقف تونس الداعمة لاعتماد معاهدة الوقاية من الجوائح الصحية    «السكّر المرّ» للمنجي القطّوفي كوميديا سوداء عن مسيرة مستثمر تونسي    للبحث في وضعية جامعة كرة القدم...وزير الرياضة يستقبل وفدا عن «الفيفا» وال«كاف»    المرصد التونسي للاقتصاد سياسات صندوق النقد تزيد في عبء تداين الدّول    أولا وأخيرا .. بالرؤية دون حساب    بعد غد الاربعاء.. "احبها بلا ذاكرة" في بيت الرواية    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس ومجمع الشركات الفرنسية والنمساوية لتطوير وانجاز مشاريع الهيدروجين الأخضر    مذكرة تفاهم بين تونس ومجمع الشركات الفرنسية والنمساوية: التفاصيل    النجمة سيلين ديون ستغني في حفل مباشر للمرة الأخيرة في حياتها    عاجل/ الترجي يوضّح حقيقة ما حصل في مصر    الكريب: حريق يأتي على هكتار من صابة القمح    ابتدائية تونس: شبهات غسل أموال وإثراء غير مشروع في حقّ الزغيدي وبسيس    صدر بالرائد الرسمي : تعيين سفيان بالصادق كاتب دولة لدى وزير الداخلية مكلفا بالأمن الوطني    منزل تميم: يستغلون قوارب الموت لتهريب المخدرات    يحدث في منوبة ...توهمهم باستحضار ''جن '' واستخراج الكنوز لتستولي على نصف مليار    نحو التعاون المشترك في قطاعات الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر بين تونس و إيطاليا    وزير الرياضة يستقبل وفدا عن 'الفيفا' و'الكاف'.. وهذه أبرز المخرجات    وائل الدحدوح من تونس: "سعيد جدا بهذه الزيارة الافتتاحية لأول بلد عربي"    يستعملون ''التوك توك'' للتوزيع : تفكيك عصابة ترويج مخدرات بالمتلوي    عاجل/ المتحدّث العسكري المصري: إستشهاد احد العناصر المكلّفة بتأمين الحدود في رفح    بن عروس: الهيئة الفرعية للانتخابات تضيف 14 مركز اقتراع جديد بعد انتهائها من عملية تحيين المراكز    الوكالة الالمانية للتعاون الدولي تفتح باب الترشح امام شركات التمور للتكوين واستكشاف السوق الاوروبية    بشرى سارة لهؤولاء: قروض تتجاوز قيمتها 560 ألف دينار..    بن عروس : اختتام الدورة الثالثة والثلاثين لمهرجان علي بن عياد للمسرح    جندوبة: انتشال جثة طفل غرق في سدّ بوهرتمة    اتحاد الفلاحة: 10 ولايات موبوءة بالحشرة القرمزية    لاعبة المنتخب الوطني تتوج بلقب الدوري الإيطالي    عاجل : أنس جابر تتأهل الى الدور الثاني من بطولة رولان غاروس    في باجة وسوسة: حجز بضائع مهربة فاقت قيمتها الجملية 300 ألف دينار    الإدارة الوطنية للتحكيم: نستغرب إتهامات النجم الساحلي .. والأخطاء التحكيمية موجودة في كل الأقسام    رئيس الجمهورية في زيارة إلى الصين    مفزع/ حوادث: 10 حالة وفاة خلال 24 ساعة..    بابوا غينيا الجديدة :أكثر من ألفي شخص دفنواأحياء بسبب انزلاق التربة    البرلمان العربي يستنكر "المجزرة البشعة" بحق المدنيين الفلسطينيين في مخيمات النازحين برفح..    وزير الصحة يؤكد، في الملتقى الفرنكوفوني للصحة بجنيف، أهمية تعزيز العلاقات شمال جنوب والتعاون الثلاثي في المجال الصحي ضمن الفضاء الفرنكوفوني    إدانات عربية لقصف إسرائيل خيام النازحين في رفح    رابطة افريقيا لكرة السلة - الاتحاد المنستيري يواجه اليوم هوبرز النيجيري في الدور ربع النهائي (س16)    ثلاثة أفلام تونسية في الدورة 24 من مهرجان روتردام للفيلم العربي    بن عروس : 14 مؤسسة تربوية تشارك في الملتقى الجهوي للمسرح بالوسط المدرسي    المنستير: "مدننا العتيقة دون بلاستيك" حملة نظافة وتظاهرة ثقافية في عديد المعالم الأثرية ضمن مبادرة "سنة النظافة 2024"    كاس البرتغال : بورتو يحتفظ باللقب للموسم الثالث على التوالي    الاحتفاظ بمنظم عمليات اجتياز للحدود البحرية خلسة في قليبية (الحرس الوطني)    يهم التونسيين : هذه هي نسبة امتلاء كافة السدود التونسية    يقلل مؤشر نسبة السكر في الدم...فوائد لا تعرفها عن تجميد الخبز    هذه أعراض الإصابة بضربة شمس دكتورة توضح    مفاجأة "غير سارة" لعائلة أميركية تناولت لحم الدب    أولا وأخيرا «عظمة بلا فص»    أليست الاختراعات التكنولوجية كشفٌ من الله لآياته في أنفس العلماء؟    معهد الفلك المصري يكشف عن موعد أول أيام عيد الأضحى    معهد الفلك المصري يحدّد موعد أول أيام عيد الأضحى    مواقف مضيئة للصحابة ..في حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كثير من التونسيين لم يهنؤوا بالثورة لأن ظالميهم لم يحاسبوا بعد
لقاء مع محمد الرحموني أستاذ الحضارة بجامعة أم القرى في مكة الغرب وقف إلى جانب ثوراتنا حفاظا على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية
نشر في الشعب يوم 16 - 04 - 2011

في غمرة الفوضى السياسية الوليدة بعد 14 جانفي نحتاج قراءات هادئة لفهم الحالة التونسية بعد الثورة، نحتاج فهما لاولويات المرحلة وفهما لما يجب ان يكون عليه »العقل السياسي التونسي« في هذا الوقت الذي يكاد يتحول الى لحظة عصيبة .وفي الوقت الذي ينبري فيه السياسيون في مشاحنات قد لا تكون هي من اسباب الثورة او من اهدافها تظهر القراءات الحضارية للمجتمع كاحدى القراءات الهادئة التي يمكن ان تقدم لنا وجها اخر لما يحدث او لما يمكن ان يحدث في المستقبل .لذلك نستضيف الدكتور محمد الرحموني استاذ الحضارة بالجامعة التونسية و بجامعة ام القرى في مكة المكرمة.
❊ نلاحظ كمّا معتبرا من المصطلحات والشعارات يغزو وسائل الإعلام والاتصال ويؤثث حلقات النقاش ويدور كله حول فكرة واحدة / أو هكذا يبدو الأمر: اللائكية / العلمانية / فصل الدين عن السياسة / فصل الدين عن الدولة / تحييد المساجد عن النشاط الحزبي / الحفاظ على مكاسب المرأة التونسية إلخ مارأيك؟
ينبغي الانتباه أولا إلى أن كل هذه المصطلحات والشعارات مصدرها الفكري والإيديولوجي والسياسي واحد أو يكاد أعني بذلك اليسار الماركسي وبعض المثقفين والجامعيين الذين يقدمون أنفسهم على أنهم علمانيون ولائكيون... وثانيا يبدو لي أن هناك الكثير من »الفهلوة« والخلط المتعمد أحيانا في استعمال هذه المصطلحات والشعارات:
فماذا يعني فصل الدين عن السياسة وكل تاريخ الإسلام منذ الفترة النبوية كما بيّن ذلك بحق هشام جعيط هو تاريخ التعالق والتداخل بين الدين والسياسة ؟ ثم إن الكثير من رافعي هذا الشعار وخصوصا أولئك المهتمين بقضايا الحضارة العربية الإسلامية يرددون صباح مساء شعار »تاريخية الفكر الإسلامي« الذي يعني في ما يعنيه أن شعائر الإسلام وفرائضه هي مسائل تاريخية لعبت السياسة بمعناها الواسع دورا كبيرا في بلورتها على الشكل الذي وصلتنا عليه. وبعني ذلك في المحصلة أن الدين الإسلامي سياسي بقدرما السياسة دينية. من جانب آخر يردد هؤلاء بكل سذاجة أن التدين أمر شخصي والجميع يعلم أن كل شعائر الإسلام وطقوسه جماعية وإذا كان من الممكن أداء الصلوات الخمس فرديا فليس الشأن كذلك مع صلاة الجمعة والعيدين والجنازة ومع صوم رمضان ومع الحج وعندما تكون الشعائر جماعية لا شيء يضمن عدم تسرّب »السياسة« إليها فكل عمل جماعي هو عمل سياسي بالضرورة.
نفس الملاحظة السابقة نسوقها فيما يتعلق بالدعوة إلى تحييد المساجد عن النشاط الحزبي فالمقصود بهذه الدعوة أمران كما صرّح بذلك الكثيرون:
1 عدم تمكين حركة النهضة من منبر »إضافي« للدعاية الحزبية.
2 تحييد المساجد عن السياسة وقصرها على العبادة.
بالنسبة إلى الأمر الأول أتساءل لماذا الربط بين المساجد وحركة النهضة؟ فالقوميون من ناصريين وبعثيين والليبراليون والاشتراكيون يرتادون المساجد أيضا لأداء الصلاة وبإمكانهم أيضا أن يوظفوها للدعاية الحزبية مثلما حصل في مصر والعراق واليمن والجزائر فهذا الربط يفهم منه أن الحركات ذات المرجعية الدينية هي وحدها المستفيدة من المساجد. أما بالنسبة إلى موضوع تحييد المساجد فالأمر لا يخلو من لبس فهل يسمح للخطيب يوم الجمعة أن يتناول الشأن العام أم يكتفي بالمواضيع المجترة التافهة التي لا تنفع الناس بل تزيد أذهانهم بلادة؟ هل للخطيب مثلا أن يتناول قضايا الساعة (العدون الإسرائيلي على العرب ، الثورات العربية) أم يتجاهلها؟ فإذا ما كانت الإجابة بنعم فهو يحكي بالسياسة كما يقول المشارقة، (وبالمناسبة لا أدري ما رأي الجماعة العلمانية بتونس في رجال الدين الذين لعبوا ومازالوا دورا مشرفا في دعم الثورات العربية؟
وأخيرا وفي ما يتعلق بمكاسب المرأة التونسية فالأمر عجيب وغريب إذ يُقدّم الموضوع وكأن مكاسب المرأة هي من إنجاز الحركة العلمانية ويُقدّم الإسلاميون عموما وحركة النهضة تحديدا على أنهم أعداء بالفعل أو بالقوة لهذه المكاسب. ولكن التاريخ يقول إن محرري المرأة في تونس وفي العالم العربي خرج معظمهم من المؤسسة الدينية وإن دعوتهم لتحرير المرأة إنما كانت ثمرة قراءة مجددة للنص الديني، وفي ما يتعلق بموقف الإسلاميين وحركة النهضة تحديدا فلا أحد ينكر خطورة بعض الأفكار وبعض الكتابات المهددة فعلا لهذه المكاسب ولكن أيهما أصدق إنباء الكتب أم الواقع والممارسة.
يبدو لي أن المرأة »النهضوية« لا تختلف في سلوكها وتفكيرها وآمالها وأحلامها ومزاجها عن غيرها من نساء الوطن ويبدو لي كذلك أن لا أحد بإمكانه أن بفرض على المرأة التونسية ما لا ترضاه فوسطية المرأة التونسية باعتبارها محافظة على التقاليد من جهة وحاملة لواء الحداثة من جهة أخرى هي السد المنيع أمام كل ما يمكن أن يهدّد مكاسبها.
❊ هذا يعني أنك تقدّم الإسلاميين في صورة مثالية وتشيطن اليسار؟
أبدا فلا أحد يمكنه أن ينكر المخاوف التي تثيرها بعض الخطابات الدينية المنفلتة ولكن إذا كان هؤلاء صادقين في خوفهم على مكاسب الحداثة في تونس فليكفّوا عن الخطابات التحريضية التي تصل أحيانا حدّ الإسفاف وليكفّوا عن »النبش« في ماضي الأحداث التي كانت لها ظروفها وخصوصياتها وليعملوا على تدعيم المجتمع المدني والثقافة الديمقراطية ودولة القانون وإصلاح التعليم فتلك السبيل الوحيدة لدرء خطر التطرّف. ثم لماذا ربط التطرف بالإسلاميين أليست بعض الخطابات الحداثية أو بالأحرى التي تدّعي ذلك أكثر تطرّفا من »القاعدة« فالتطرف ليس فكرا وإنما هو منهج في التفكير ينبني على التصنيف والتخوين والتكفير ومقولة الفرقة الناجية.
❊ إذا سلّمنا بما تقول فإنّ خطاب اليسار في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية خطاب ناضج وواضح مقارنة بالخطاب الأخلاقي للإسلاميين وهذا هو المهم في العمل السياسي الحزبي؟
عن أيّ وضوح تتحدث؟ هل يكفي أن نردد بعض أدبيات الفكر الماركسي حتى نقول بأن لدينا برنامجا اقتصاديا؟ إنني أتساءل بكل قلق كيف سيكون البرنامج الاقتصادي لحزب العمال الشيوعي في ظل اقتصاد عالمي يهيمن عليه اقتصاد السوق؟ أعتقد أن شعارات الحزب ورمز المطرقة والمنجل هي معضلة حقيقية وضع الحزب نفسه فيها. فهل من الممكن إقناع الناس اليوم بمثل هذه الشعارات، وهل من الممكن تطبيقها؟ أعتقد أننا إزاء خطاب أخلاقي يمكن أن يدغدغ أحلام الناس ولكن صلته بالواقع ضعيفة جدا. إنها شعارات تشبه من حيث بنيتها شعارات »الخلافة الإسلامية« و»المهدي المنتظر« و»الإسلام هو الحل« الخ...
❊ كيف تنظر إلى تطورات الثورة التونسية اليوم؟
مسار الثورة مسار عادي في عمومه وما زال الوقت مبكرا لجني الثمرات الكبرى ومن الممكن أن تحصل انتكاسات ومشاكل . وذلك »ضروري« في منطق الثورات ومع ذلك أرى أن أمرا مهما ينبغي الإلحاح عليه إنصاف المظلومين فكثير من التونسيين لم يهنؤوا بعد بالثورة لأن ظالميهم ومضطهديهم لم يحاسبوا بعد بل بعضهم مازال طليقا والبعض الآخر يتبوّأ المناصب »الثورية« ويتقدّم مقاعد النضال!
إنه أمر مؤلم حقا ومقرف ومهين لتونس ولثورتها؟ لذلك أرى أن من أوكد مهام المجلس التأسيسي أن يعيد للتونسيين كرامتهم والخطوة الأولى في هذه الطريق هي محاسبة كل من أجرم في حق الوطن ولا أعني بذلك عصابة بن علي والتجمع فقط وإنما كلّ »اللواحس والزواحف« الذين استفادوا بطريقة أو بأخرى من نظام بن علي. والشعب لم ولن يفقد ذاكرته وهو مستعد لتقديم القوائم وكل التفاصيل والحيثيات. وبهذه المناسبة أدعو وسائل الإعلام إلى أن تفتح أبوابها أمام الشعب ليحكي قصة عذابه وصبره ومقاومته للاستبداد كخطوة أولى لإنشاء متحف للذاكرة الوطنية، فلا معنى للثورة دون محاكمات ودون حساب وعقاب.
❊ ربيع الثورات العربية ما آفاقه في رأيك؟
إنها الثورة العربية الثانية ، ولن يتوقف المدّ الثوري مهما حصل. إنها سنة التاريخ. ومن المفارقات أنها تمت هذه المرة بمساعدة الغرب، ومخطئ من يظن أن الغرب وقف إلى جانب الشعوب الثائرة حفاظا على مصالحه الاقتصادية فقط بل حفاظا أيضا على قيمه أو ما يعتبرها قيمه أي الحرية والعدالة والديمقراطية. لقد أدرك الغربيون أن مساندتهم للمستبدين لم تكن فقط خيانة للشعوب العربية وإنما أيضا لقيم الحداثة التي ارتبطت تاريخيا بالحضارة الغربية.
❊ ولكن الغرب مازال يقف ضد تطلعات الشعب الفلسطيني؟
لن يكون الأمر ممكنا بعد الآن والغربيون في تقديري لن يتحملوا مستقبلا صمتهم على جرائم إسرائيل ولن يكونوا شركاء في جرائمها. لن يكون في مقدورهم الدفاع عن إسرائيل ولكن ذلك مشروط باندلاع انتفاضة ثالثة عندها لن يكون من الممكن للذين دافعوا عن الشعوب العربية أن يتجاهلوا حقوق الفلسطينيين. إنها مرحلة جديدة أوجدتها الثورات العربية وعلى الفلسطينيين حسن استغلالها.
❊ كلمة الختام
في غمرة سنوات الحزن والجمر كنت أقول بأن هذه البلاد لا تنبت فيها الآمال أمّا اليوم فأراها لا تنبت غير الآمال والرجال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.