اليوم .. تصويت مرتقب في الأمم المتحدة بشأن "عضوية فلسطين"    حالة الطقس اليوم الجمعة    بعد معاقبة طلاب مؤيدين لفلسطين.. رئيسة جامعة كورنيل الأمريكية تستقيل    فوز رئيس المجلس العسكري في تشاد في الانتخابات الرئاسية    بنزرت.. الاحتفاظ بثلاثة اشخاص وإحالة طفلين بتهمة التدليس    نبات الخزامى فوائده وأضراره    وزير الخارجية: تونس حريصة على المحافظة على العلاقات التّاريخية والطّبيعية التّي تجمعها بالاتّحاد الأوروبي    المرسى: القبض على مروج مخدرات بحوزته 22 قطعة من مخدّر "الزطلة"    بسبب التّهجم على الإطار التربوي.. إحالة ولي على محكمة الناحية بسوسة    استدعاء سنية الدّهماني للتحقيق    أولا وأخيرا...شباك خالية    للنظر في إمكانية إعادة تأهيل عربات القطار: فريق فني مجري يحل بتونس    أم تعنّف طفليها وتسبب لهما كسورا: وزارة المرأة تتدخل    الرابطة 1 (مرحلة التتويج) حسام بولعراس حكما للقاء الكلاسيكو بين الترجي والنجم    المدير الفني للجنة الوطنية البارلمبية التونسية ل"وات" : انطلقنا في الخطوات الاولى لبعث اختصاص" بارا دراجات" نحو كسب رهان التاهل لالعاب لوس انجليس 2028    قبلي: تنظيم يوم حقلي في واحة فطناسة بسوق الاحد حول بروتوكول التوقي من عنكبوت الغبار    هام/ وزارة التربية: "نحن بصدد بلورة تصوّر جديد لمعالجة هذا الملف"..    المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بصفاقس تواصل حملتها على الحشرة القرمزية    تونس تفوز بالمركز الأول في المسابقة الأوروبية لزيت الزيتون    عاجل : إغلاق مطار دكار بعد إصابة 11 شخصاً في حادث طائرة    اللغة العربية معرضة للانقراض….    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    شكري حمدة: "سيتم رفع عقوبات الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات في أجل أقصاه 15 يوما"    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سابقة.. محكمة مغربية تقضي بتعويض سيدة في قضية "مضاعفات لقاح كورونا"    نابل: الكشف عن وفاق إجرامي يعدّ لاجتياز الحدود البحرية خلسة    181 ألف بناية آيلة للسقوط في تونس ..رئاسة الجمهورية توضح    الزمالك المصري يعترض على وجود حكام تونسيين في تقنية الفار    وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد الأوروبي بتونس    زغوان: حجز 94 طنا من الأعلاف غير صالحة للاستهلاك منذ افريل المنقضي    أبطال أوروبا: دورتموند الأكثر تمثيلا في التشكيلة المثالية لنصف النهائي    يمنى الدّلايلي أوّل قائدة طائرة حربية مقاتلة في تونس    كأس تونس: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ثمن النهائي    دراسة صادمة.. تناول هذه الأطعمة قد يؤدي للوفاة المبكرة..    السلطات السعودية تفرض عقوبة على كل من يضبط في مكة دون تصريح حج.    عاجل/ الحوثيون يعلنون استهداف ثلاث سفن بصواريخ وطائرات مسيرة..    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    الزغواني: تسجيل 25 حالة تقتيل نساء في تونس خلال سنة 2023    قضية مخدّرات: بطاقة ايداع بالسجن في حق عون بالصحة الأساسية ببنزرت    مفزع: 376 حالة وفاة في 1571 حادث مرور منذ بداية السنة..    حماية الثروة الفلاحية والغابية من الحرائق في قابس....و هذه الخطة    مقارنة بالسنة الفارطة: تطور عائدات زيت الزيتون ب91 %    الثلاثي الأول من 2024: تونس تستقطب استثمارات خارجيّة بقيمة 517 مليون دينار    الفيلم العالمي The New Kingdom في قاعات السينما التونسية    كشف لغز جثة قنال وادي مجردة    على طريقة مسلسل "فلوجة": تلميذة ال15 سنة تستدرج مدير معهد بالفيسبوك ثم تتهمه بالتحرّش..    البطولة العربية لألعاب القوى للشباب: ميداليتان ذهبيتان لتونس في منافسات اليوم الأول.    كتاب«تعبير الوجدان في أخبار أهل القيروان»/ج2 .. المكان والزّمن المتراخي    آخر أجل لقبول الأعمال يوم الأحد .. الملتقى الوطني للإبداع الأدبي بالقيروان مسابقات وجوائز    «قلق حامض» للشاعر جلال باباي .. كتابة الحنين والذكرى والضجيج    بطولة روما للتنس للماسترز : انس جابر تواجه الامريكية صوفيا كينين في الدور الثاني    محمد بوحوش يكتب...تحديث اللّغة العربيّة؟    مدْحُ المُصطفى    ستنتهي الحرب !!    إذا علقت داخل المصعد مع انقطاع الكهرباء...كيف تتصرف؟    بعض مناضلي ودعاة الحرية مصالحهم المادية قبل المصلحة الوطنية …فتحي الجموسي    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو مجتمع الثقافة أم مجتمع المعرفة!؟
المنظومة التّربوية
نشر في الشعب يوم 28 - 01 - 2012

الرّهانُ على نمطين من المجتمع الذي نريد، مجتمع الثّقافة أم مجتمع المعرفة!؟
الارتكاز على نمط بيداغوجي قائم على الكم أو نمط بيداغوجي قائم على الكيف؟
الحديث عن تجويد الفعل التّربوي أو جودة التّربية؟
أو التّأسيس التّربوي الجديد تناغُمًا مع الحدث التّاريخي «المجلس الوطني التّأسيسي» وصياغة الدستور الجديد.
هذه أسئلة تحتاج إلى تشخيص الظّاهرة التربوية وتحليل مراجعها القانونيّة وإزاحة ما يمكن إزاحته ووضع المقترح كضابط جديدٍ يمكن الاعتمادُ عليه.
أوّلا، النّظام التّربوي التّونسي قائم على الكم لأنّ النظام السّياسي بدوره قائم على الكم فالانتخابات تلامس نسبة 100٪ وحقوق الانسان مضمونة تقريبًا 100٪ والتّنمية والنّمو يكادُ يتجاوز نسبة النّموّ في الصّين والبنية التحتية سليمة 100٪ وهكذا...
والتربية موصوفة بكثرة المواد، كثرة المفاهيم، ارتفاع نسبة التّمدرس، ارتفاع نسبة النّجاح، كثرة الكتب المدرسيّة، كثرة التّوقيت المدرسي، كثرة اللّجان «المختصّة»، كثرة استيراد الأنماط، كثرة القوانين الارتجالية، كثرة الاجتماعات التّكوينية... أي جعجعة دون طحين.
وعلى هذا الكم تخصّص الدّولة ما يقارب 8٪ من ناتجها المحلّي الخام للإنفاق على التّعليم بينما المستوى العالمي لا يتعدّى 5٪ أي أنّ 3٪ مخصّصة للنّهب والصّفقات المشبوهة ولا تخدم بذلك التّعليم ومؤسّساته فزاد ذلك في تأزّم المنظومة التّربويّة ممّا جعلها فاشلة وهي بمثابة «تركة الرّجل المريض»: تركة المعضلة البيداغوجيّة وتركة المعضلة التنظيميّة.
I) المعضلة البيداغوجيّة:
يتجسّد ذلك في حشو البرامج بعدد فاحشٍ من المواد الضّخمة دون التّمييز بين ما هو جوهري وماهو تكميلي.
فاللّغات والرّياضيات تعالج على قدم المساواة مع المواد التّكميلية كالتّربيات والتّاريخ والجغرافيا ممّا يجبر التّلاميذ على الحفظ العقيم دون فهم أو تمحيص، وهذا يؤدّي في معظم الحالات إلى تفوق تلميذ بالأعداد المرموقة في المواد التّكميليّة (تربيات) على تلميذ آخر يتقن أحسن منه بكثير المواد الجوهريّة (لغات حساب) وهذه الطّريقة الجمعيّة تجعل الضّعف يتراكم فينتج عن ذلك الرّسوب فالانقطاع عن الدّراسة وهو ما يفضي إلى:
تبذير فادح لطاقات للبلاد المادية والبشرية.
نبذة المعرفة دون المعايير الدّولية.
تفشّي ظاهرة الغشّ والمراوغة والتّواكل.
استمرار التّباين بين الفئات الاجتماعية (سياسة الانتقاء).
II) المعضلة التّنظيميّة:
إنّ احتكار الادارة المركزية للقرار وطريقة التّدريس والتّقييم التي تجعل المدرهس مُطبّقًا للمناشير والأدلّة البيداغوجيّة بصورة ميكانيكيّة وكذلك المسؤول الاداري (إدارة مدرسة إدارة معهد...) فهو يطبّق المناشير الاداريّة والماليّة والمذكّرات بصفة آلية، فلا اهتمام بالخصوصيّة والمحليّة، أي تنظيم أساسه مركزيّة مجحفة في التّصرف والتسيير دون تعبئة القوى البشريّة الفعّالة.
الخلاصة:
معضلة بيداغوجيّة تتجسّد في نمط بيداغوجي قائم على الكم ومعضلة تنظيميّة ترتكز على المركزيّة المجحفة والقرار السّياسي وتزداد الحالة سوءًا في التّعليم العالي وتتجلّى في:
تراجع فادح لمستوى الطّلبة اللّغوي فلم يعد الطّالبُ يعوّل على أخذ مذكّرات الدّروس بنفسه بل يعمل على الحضور للأستاذ الجامعي الذي بدوره يعتمد على الإملاء السّرديّة الغامضة والعقيمة في مدارج عملاقة عوض الإلقاء والتّوضيح والنتيجة:
 إهدار الوقت
 تدهور المستوى المعرفي لعموم الطّلبة.
 عدم التّمكن من أصول اللّغة (عدم بناء أو تحرير لمقال)
 فقدان الطّالب القدرة على التّصرف في زاد المعرفة المتوفّر لديه واعتماده على سرد المقاطع دون فهم.
ولسَتْر هذا الفشل عملت سلطة الاشراف على التّقطيع السّنوي المدرّس في جلّ الاختصاصات إلى جُزَيْئات سداسيّة وإكثار عدد المواد، كما ضاعفت الامتحانات: إجراء امتحان كتابي لكلّ المواد مرّتين في السّنة والحال أنّ الامتحانات كانت تُجْرى فقط في المواد الجوهريّة ومرّة واحدة في السّنة.
كما أنّ تقييم الطّالب يعتمد على الطّريقة الجمعيّة لعشرات الأعداد الكتابيّة دون التّمييز بين ماهو جوهري وماهو تكميلي، وهذا يؤدّي إلى ارتفاع نسبة النّجاح لكن بضعف معرفي فادح لأنّ الطّالب يخصّص وقته للحفظ عوض الدّراسة والأستاذ الجامعي يخصّص وقته للحراسة والاصلاح.
المفارقة:
بروز نموذج حامل الشّهادة العليا لإجازة بامتياز في حين مستواه في المواد الجوهريّة هزيل للغاية لفقدانه معرفة الفعل.
وهذا يعود أيضا إلى التّوجيه القسري للطّالب الذي يفضي إلى:
طالب ذو نبذة معرفة ضعيفة
إرهاق كاهل الدّولة دون نتيجة ايجابيّة.
إرهاق كاهل العائلة بنفقات هائلة في النّقل والأكل والمبيت. كما أنّ مركزيّة القرار (وزارة التعليم العالي) اضافة إلى بيروقراطيّة الجامعات (رئيس الجامعة) عملت على تهميش الهياكل: هيكل المعهد هيكل الكلّية المجلس العلمي رئيس القسم فأصبح مسؤول الهيكل منزويا مستقيلاً وعليه أن يطبّق القرار.
هذا كلّه يتناقض مع الفصل 57 من القانون التّوجيهي حول المهارات:
1 المهارات العمليّة
2 المهارات المنهجيّة
3 كفاية المبادرة
4 الكفاية السلوكيّة.
إذا اعتبرنا أنّ للاستثمار في رأسمال البشري دورًا محوريًّا في الانتاجيّة وزيادة النّمو الاقتصادي وهو مرهون بمدى توفّر تلك المهارات (تكوين عام تكوين مهني).
وإذا نظرنا إلى الاقتصاد الأوروبي الذي يتميّز بهرم مهارات يرمز إليه ب 20 / 60 / 20 أي 20٪ من مواطن الشغل تؤمّنها عمالة غير ماهرة، 60٪ عمّال مهرة وتقنيون، 20٪ من خرّيجي التعليم العالي، فإنّنا نجد هرم الكفاءات في تونس يتهيكل على منوال 60٪ / 30٪ / 10٪ وهو ناتج عن الفصل اللاّمنطقي بين التّكوين العام والتّكوين المهني لأنّنا نتعلّم لا لنتثقّف فقط بل أيضا لنعمل ونعيش ونساهم بالتّالي في النّمو الاقتصادي.
واعتبارًا أنّ خريج الجامعة أصبح مؤهّلا للعمل فإنّ استقلاليّة مؤسّساتها أصبحت ضرورة ملحة والتّسييس المفرط أو المجحف أصبح أمرًا مرفوضًا وعلى سلطة الاشراف الجديدة أن تفهم هذا الأمر فتحرّر الجامعة من ربقة القرارات والإلزام، وتعلن أنّ جودة التّربية أو التّربية الجيّدة هي الارتقاء بالفعل التّربوي والتّعليم إلى أعلى درجات النّجاعة والفاعليّة وأنّ الوصول الى منظومة تربويّة جديدة لا يحتاج إلى قرار آحادي الجانب على أساس شرعيّة المؤسسة التنفيذية (الحكومة الوزارات ذات الصّلة) بل شراكة وطنيّة ملزمة بإمضاء متعدّد الأطراف حتّى تكون المسؤولية جماعيّة ومقنعة لأهل البيت أي هيكل التّدريس، هيكل التّفقّد والارشاد، الهيكل الاداري، وعلى هذا الاجماع أن يستند إلى مؤشّرات الجودة:
1 التصرّف في الميزانيّة:
على قاعدة الأولويّة الخاصّة بكلّ مؤسّسة تربويّة أُسُّها القرار الجماعي الدّاخلي.
2 التّصرّف في الموارد البشريّة:
على قاعدة الاستحقاق وفق المرتبة والسّلوك والقيام بالدور الموكول.
3 إنجاز التّعلمات: على أساس مبدأ الإنصاف والمواكبة.
4 قيادة المؤسّسة: الكلّ مساهم في القيادة بالاجماع وإنجاز الدّور.
5 تنظيم الحياة المدرسيّة: ضوابط علائقيّة، مساهمة جماعيّة.
6 التّصرّف في الموارد الماديّة: موارد كامنة، موارد مطلوبة كما يجب أن يحدّد المعايير الخاصّة بجودة كلّ موشّر كأن نتحدّث عن المعايير الخاصة بمؤشّر تنظيم الحياة المدرسيّة أو المعايير الخاصّة بمؤشّر إنجاز التّعلمات مثلا... لأن الحياة المدرسيّة قابلة للقيس، عاكسة للخصوصيّة المحليّة، ضامنة للإنصاف في علاقة بالرّفاه البيداغوجي، مؤمّنة بحظوظ متكافئة للنّجاح، مساهمة في تحقيق المعايير المؤمّل توفّرها في أداء المتعلّمين.
كما أنّ الأطراف الاجتماعيّة (الطّرف النّقابي الطّرف الجمعياتي الطّرف الحقوقي...) وكذلك الطّرف السّياسي أي الأحزاب، اضافة الى المجلس الوطني التّأسيسي الذي سيصوغ الدّستور وهو الضّامن الأساسي لصياغة المبادئ الأساسيّة للتّعليم من مبدأ الاختلاط إلى مبدأ الانصاف إلى مبدإ تكافؤ الفرص إلى مبدإ المساواة، فتضمين تعليم وطني المحتوى، ديمقراطي، شعبي الإطار عقلاني التّوجّه... هذه الأطراف لابدّ أن تكون شريكًا فاعلاً وفعّالاً. حاضرًآ ومُدافعًا في كلّ ما يتعلّق بالمنظومة التّربويّة استنادًآ إلى استشارة وطنيّة واسعة وندوات وطنيّة مكثّفة باعتبار أنّ التّربية شأن عام له بُعْدان أساسيان: البعد التّاريخي والبعد الاستشرافي.
إنّ التربيّة الجيّدة هي التي تتميّز بخصائص أساسيّة وهي أن تكون:
1 لحقوق الانسان.
2 محقّقة لمختلف أدوار المتعلّم في مختلف دوائر انتمائه: العائلة المجموعة الاجتماعية العالم.
3 مساهمة في نشر قيم العدل والإنصاف والسّلام.
4 عاكسة للخصوصيات المحليّة (وسط ريفي وسط قروي وسط حضري وسط فلاحي زراعي وسط فلاحي صيد بحري وسط صناعي وسط خدماتي وسط سياحي وسط ثقافي...).
5 مستفيدة من ماضيها العقلاني، مواكبة لحاضرها مهيّئة للمستقبل.
6 مساعدة على اكتساب معارف وقيم وكفايات.
7 موفّرة لأدوات تساعد على جعل الواقع أفضل.
8 قابلة للقيس والتقدير.
وإذا ربطنا البعدين أي البعد التاريخي والبعد الاستشرافي بمفهوم الجودة ومؤشّراتها ومعاييرها وخصائصهغا فإنّ هذا كلّه يتطلّب ثلاثة شروط لتحقيق الجودة وهي:
1 التّفاوضية: مشاركة كلّ الأطراف
2 النّمائيّة: قابليّة التّعديل والتّأطير
3 محدّدة الزّمن: ضبط مدّة الإنجاز.
وإذا عزمنا على إرساء منظومة تربويّة جديدة أساسها الجودة فلابدّ من إصلاح عميق وجذري، قوامه التّلازم بين غايتين أساسيتين:
الإرشادُ نحو مجتمع الثقافة أوّلا، حتّى نضمن الاستقرار الكامل، وبالتّوازي بلوغ أسس مجتمع المعرفة ثانيا.
هذا يحتاج إلى خطّة تنفيذية محدودة في الزّمن، وخير مثال على ذلك ما وصلت إليه الحضارة الأوروبيّة من ثقافة الحياة اليوميّة وثقافة الحياة السياسيّة من خلال المؤشّرات الإيجابيّة:
1 السلوك الحضاري
2 قبول الآخر
3 المواطنة السّليمة
4 التّلازم بين الحريّة والمسؤوليّة وبين الحقّ والواجب
5 المبادرة والالتزام
6 الديمقراطيّة والتّسامح
7 السلوك المدني
أي مختلف التّعبيرات اللفظيّة والحركيّة التي تصدر عن الفرد الواعي بالعيش المشترك محليّا، جهويّا، وطنيّا، عالميّا ضمن مؤسسات عادلة تضمن للجميع الكرامة المستحقّة للإنسان.
لماذا؟ لأنّنا نحتاج إلى الثّقافة قبل المعرفة نظرًا إلى التخلّف الحضاري وبروز الفكر الكامن من الموروث الثقافي السّلبي كالفكر السّلفي وهو فكر وثوقي لا يعترف بالآخر مطلقا منهجه ثقافة العنف وهو فكر ارتدادي عائق للتطوّر الحضاري أضف إلى ذلك النّعرات الجهوية والعشائريّة والسّلوك الرياضي وثقافة الجمع المفرّد (نحن من فعل كذا...) وما يزيد الطّين بلّة الاعتداء على حرمة المؤسّسة التّربوية طيلة فترة الحكم السّابق وتدهور قيمة المدرّس بصفة عامة وكذلك سلطة أمنيّة تحتاج إلى إعادة بناء جديدة أساسها التّدخل في كلّ ما يسمّى من السّلوك الحضاري الجيّد.
نحن في حاجة عاجلة إلى تعديل السّلوك العام للتّلميذ وللمواطن، فهل كان القانون التّوجيهي عدد 80 2002 المؤرخ في 23 جويلية 2002 وكذلك الخطّة التّنفيذية لمدرسة الغد 2002 2007 يستجيبان إلى إرساء مجتمع الثقافة حتّى لا أقول مجتمع المعرفة!؟
إنّ رسالة التّربية المبنيّة على أسس: الانتماء الانفتاح المواطنة تحتاج إلى إعادة النّظر في القانون التّوجيهي والخطّة التنفيذيّة لأنّ سنّ الفصول المرتهنة الى الرّهان السياسي للحكم القائم تعني الفشل الكلّي للمنظومة لهذا علينا أن نعدّل ونتمّم ونُنقّح ونحذف ونسُنّ وهو ما يتطابق مع الدّور التّأسيسي للمجلس الوطني التّأسيسي، ولنْبدأ:
الفصل 14: ضبط تنظيم الحياة المدرسيّة بأمر.
ضبط نظام التّأديب بقرار وزاري.
لم يعد من الممكن ضبط الحياة المدرسيّة أو نظام التّأديب بأمر أو قرار وزاري دون مشاركة الأطراف ذات الصّلة.
الفصل 15: تعمل الدّولة على النّهوض بالتربيّة قبل المدرسيّة في إطار التكامل بين التّعليم العمومي والمبادرات المحلّية والجمعيات والقطاع الخاص.
الاضافة: المنظمات والرّابطات ذات الصّلة أيضا
الفصل 16: السنة التّحضيرية.
لا تنطبق عليها أحكام الفصل 4 من القانون التّوجيهي حول مجانيّة التّعليم وإجباريّة.
الفصل 21: ينصّ على خطيّة بين 20د و200د و400د عند العود في صورة امتناع الولي عن إلحاق منظوره بالتّعليم أو سحبه.
هذا الفصل يهدّد الولي بالخطّية الماليّة وكأنّ هذا العقاب سيردعه والحال أنّه بإمكان بعضهم دفع الخطّية، كما أنّ بعض التّلاميذ لم يعد يرغب في الدّراسة أصلا لفقدان الثّقة في قدراته.
الفصل 33: يتولّى المجلس البيداغوجي مساعدة إدارة المدرسة على معالجة المسائل المتعلّقة بتنظيم التّعلمات والتّقييم والزّمن المدرسي والدّعم والمرافقة.
التّعديل: يتولّى المجلس البيداغوجي بمعيّة إدارة المدرسة على معالجة المسائل المتعلّقة بتنظيم التّعلمات والتّقييم والزّمن المدرسي والدّعم والمرافقة.
التّعديل: يتولّى المجلس البيداغوجي بمعيّة إدارة المدرسة معالجة كل المسائل المتعلّقة بجودة التّربية.
الفصل 36: تتكوّن موارد المؤسّسة التّربوية من:
1 منحة الدّولة
2 منحة الأشخاص الطّبيعيين
3 منحة الأشخاص المعنويين
4 الوصايا
5 الهبات
6 مداخيل الممتلكات
7 مداخيل الخدمات
8 مقابيض رسوم التّسجيل
9 رسوم التّأمين
هذه الموارد غير كافية لأنّها تتضمّن ماهو قارّ وماهو غير قارّ فالوصايا والهبات ومنحة الأشخاص الطّبيعيين غير قارّة، لذا وجب اضافة المورد المتعلّق بالجباية العامّة:
1 ضريبة التّعليم تقدّر بنسبة كذا من الدّخل
2 ضريبة المؤسسات المحليّة وتقدّر بنسبة كذا من الدّخل الرّبحي لأنّ الاعتماد على الضّريبة يجعل المورد قارًّا، كما أنّ دافع هذه الضّريبة قد استفاد من منتوج التّعليم وانتشاره في جميع القطاعات بحيث أصبح لديه يد عاملة متعلّمة وأخرى متخصّصة وأصحاب خبرة ومكوّنون وهو ما يدفع بالزيادة في الانتاج والرّبح لأنّ المدرسة والمعهد والجامعة تعلّم التلميذ أو الطّالب مدى قيمة العمل والضّمير المهني والحفاظ على الملك العام والملك الخاصّ والانضباط ومنافع زيادة الانتاج على المجموعة الوطنيّة، وبالتّالي يستفيد كلّ من رجل الأعمال والفلاحّ والمالك العقاري ورؤوس الأموال من التّعليم العمومي وعليهم أن يردّوا الجميل بالاستجابة لإجراء دفع الضّريبة.
الفصل 46: يتابع الاطار التّربوي والاداري التّكوين المستمرّ لضرورة التحوّلات المعرفيّة.
هذا الفصل يتناقض كلّيا مع مطلب فتح الآفاق فالمفروض أن تكون الدّراسة مدى الحياة قصد المواكبة المعرفيّة للمدرّس اضافة الى استحقاقاته الارتقائية في المهنة، وعلينا أن نضيف إليه أنّ فتح الآفاق العلميّة بات أمرًا ملحًّا لا غنى عنه، وليس أمرًا موسميًّا.
الفصل 67:
يشمل البحث التّربوي:
البيداغوجيا مناهج التّعليم البرامج الوسائط أداء المربي الحياة المدرسيّة المحيط أنظمة التّقييم الدّراسات المقارنة الاستشراف رصد التّجديدات الميدانيّة المستجدّات العالميّة.
علينا أن نضيف أنّ البحث التّربوي يشمل أيضا نشاط الجمعيات والمنظمات ذات الصّلة بالتربيّة. وكذلك البحوث العمليّة.
هذه بعض الفصول من القانون التّوجيهي نوردها ويمكن تتبّع بقيّة الفصول ونقدها.
أمّا الهيكلة العامة للنّظام التّربوي التّونسي فهي مشابهة للهيكلة العامة للأنظمة التّربويّة المعروفة إذ:
1 يمرّ التّعليم ب 3 مراحل
2 تدوم 12 سنة
3 تعليم إجباري ومجاني
لكن ما نلاحظه أنّ مكانة بعض التّعلمات ضعيفة والمقصود المواد الجوهريّة، بعض المضامين تقادمت ولم تعد صالحة، ضعف اندماج المواد، انفصال المواد، غياب حريّة التصرّف في برمجة الدّروس، انعدام حريّة المنهج.
هذا ما أنتج ضعفا في المستوى حسب المعايير الدّوليّة، وقد تجلّى ذلك في تقييم TIMSS الأولمبياد الرّياضي الذي يتناول التّعلمات الأساسيّة: رياضيات، علوم والذي شاركت فيه 38 دولة وكانت رتبتنا 29 من 38 في الرياضيات و34 من 38 في العلوم.
هذا الفشل ناتج عن كون البرامج في نظامنا التّربوي في الرياضيات لم تتعرّض الى عدد من المفاهيم والمواد الرياضية التي تدرّس في معظم البلدان المشاركة كما أنّ التوقيت المخصّص للعلوم عندنا يمثّل 5٪ من جملة التوقيت المخصّص لجلّ المواد بينما على المستوى الدّولي 12٪.
لهذا نحتاج الى اجراءات عاجلة لوضع المتعلّم في قلب العمليّة التّعليمية وفي محور النّظام التّربوي اجراءات لابدّ منها:
1 اجراءات بيداغوجيّة (التعلّم ككلّ).
2 اجراءات هيكليّة (تنظيم مراحل التّعليم المسالك التّوجيه).
3 اجراءات تنظيميّة (تنظيم الزّمن المدرسي الحياة المدرسيّة).
فالبرامج تحتاج إلى مراجعة جذريّة امّا لنقص واضح في المفاهيم وعدم مواكبة المستجدّات العالميّة أو لأخطاء مقصودة قصد التّضّليل وطمس الحقائق (كالحقيقة التّاريخية في مادّة التاريخ) والمناهج تكبّل المدرّس ولا تمكّنه من المبادرة، والوسائل تقادمت وبعضها لم يعد صالحًا وبعضها فقد قيمته بفعل منظومة المعلوماتيّة والعمل بالطّباعة.
أمّا الفنون والأنشطة الثّقافية فهي تكاد تكون منعدمة وخاصّة في الأوساط الريفية والشّعبيّة وان وجدت فهي لا تضفي ثقافة بل هشاشة ونمطًا سائدًا في المجتمع كالغناء الرياضي المتعلّق بالنّوادي، ونحن نبحث عن ثقافة توسيع الخيال انطلاقا من الأدب والفنّ والعلم، لهذا يجب أيضا تعميم ظاهرة نوادي السيّنما للأطفال لما يتوفّر في السيّنما من روايات ولغات ومشاهد وتنوّع كما يجب العمل على الارتقء بصيغ الشّراكة بين المؤسسات التربوية والمتدخّل الثقافي والمبدع (مطرب، فنّان تشكيلي، شاعر، أديب، مسرحي، عازف...).
إنّ التمشّي التّراكمي للمعارف السّائدة في ثقافتنا المدرسيّة وهيمنة النّزعة الموسوعيّة غيّب الخصائص المميّزة لمجالات المعرفة والمواد وكأنّ لها نفس الأهداف والمناهج فأصبحت الفوارق بينها شكلية ترتكز على تفاضل اعتباطي غير ضوارب غير متكافئة.
وهذه المواد تصنّف تراتبيًّا:
1 مجالات تعلّم ذات أولويّة.
تستغرق الجانب الأر من التوقيت اليومي والأسبوعي والسّنوي.
2 مجالات تعلّم ذات بعد تربوي وفنّي كمواد التّنشئة الاجتماعية والفنّية والبدنيّة.
الاّ أنّ اللّغات باعتبارها اختيارًا استراتيجيًّا واتقانها رهين تطوير الوسائل المعتمدة والطّرق البيداغوجيّة المتوخاة ونوعيّة تكوين المدرّسين المكلّفين من اللغة الفرنسيّة كلغة تقدّم الحضارة الأوروبية منذ عصر التّنوير والثّورة الفرنسيّة الى اللّغة الانقليزية كلغة العصر لا يجعلنا نخلّ بلغة على حساب أخرى لحاجتنا التّواصليّة والمنفعة الاقتصاديّة وكذلك العلميّة.
اضافة الى ذلك علينا أن نعتمد على مبدإ الاحتراف أو المهنيّة لأنّ فاقد الشّيء لا يعطيه فالانقليزية لا يحتاج الى تكوين على عجل مادام يتوفّر لنا أصحاب الأستاذيّة أو الاجازة في الانقليزية فبالإمكان تدريس الانقليزية في مدرستين أو ثلاث متجاورة.
إنّ شبة معقّدة من العلاقات المتداخلة بين عناصر بشريّة وأجهزة وقوانين وتراتيب تتفاعل وتتأثّر ببعضها البعض، قاعدتها الأولى المدرسة الابتدائية لأنّها الأنموذج الأوّل للبناء السّليم لأنّها تنحت شخصيّة الطّفل وتحدّد سلوكه حاضرًا ومستقبلا حتّى ينشأ على ثقافة جديدة قوامها السّلوك الحضاري وقيم المواطنة واحترام الآخر ونبذ التّزمّت والانغلاق والرّؤية الضّيقة، لهذا نحتاج جميعا الى نظام تربوي جديد يسعى إلى بناء مجتمع الثّقافة قبل الحديث عن مجتمع المعرفة لأنّ المعرفة أشمل فهي تضمّ الثقافة وتحلّلها وتفكّ رموزها وتعطى انطباعًا حولها كما أنّ المعرفة تتميّز بالموضوعيّة نسبيا فإذا أردت أن تحلّل الظاهرة التّاريخية فإنّك تحتاج الى علم التّاريخ والوثيقة التّاريخيّة حتّى تتمكّن من فهم سياق الحدث التّاريخي أسبابه ونتائجه دون أن يكون لك اغترار بفتح الأندلس مثلا أو بسلامة الامبراطوريّة العثمانية وعدم ارتكاب مجازر تجاه الأرمن من طرف الأتراك باسم الخلافة الاسلامية.
إذن، للولوج إلى مجتمع الحداثة يفترض تعدديّة لغات لإعادة النّظر والقراءة لتكوين ذوات منشئة في ظلّ مجتمع الاقصاء والخيبة، لابدّ من بعث الرّغبة من جديد في الاندماج والتنشئة الايجابيّة والمشاركة النّشيطة في الحياة العامة والمواطنة الكاملة لابدّ من نمط بيداغوجي جديد قائم على الكيف على قاعدة أنّ الانسان هو دائما «مشروع في تطوّر» pro-projet ودون حلم لا يمكن لنا أن نتقدّم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.