احتفلت المرأة التونسية بعيدها الوطني 13 أوت 2012 وبالذكرى 56 لإصدار مجلة الأحوال الشخصية التي تعد في مقدمة المكتسبات النيرة للمجتمع التونسي لرمزيتها العميقة من جهة كونها حاوية لقيم ولمبادئ الجمهورية. لكن تزامن هذه السنة الاحتفال بعيد المرأة الوطني مع جدل حول مسألة حقوق النساء اعتقدنا أننا تجاوزناه وحسمنا الأمر فيه أمام ما حققته المرأة التونسية من وعي وتقدم ومساهمة فعلية وبناءة في التحرر الوطني وبناء تونس الحديثة والثورة ضد الديكتاتورية. إنّ الدافع لهذا الجدل الاقتراح الذي تقدمت به حركة التهضة «الفصل 28» من مشروع الدستور الجديد للبلاد التونسية حيث وقع التنصيص على تكامل الأدوار في الأسرة دون التنصيص على المساواة بين الجنسين. إن تعويض مفهوم المساواة بكلمة تكامل لا يعد فعلا مجانيا تقوده نوايا حسنة كما يؤكده أعضاء وعضوات حركة النهضة في لجنة الحقوق والحريات، فالتكامل مفهوم موقع تاريخيا وسياسيا وثقافيا.un concept signié ذلك أن المتمعن في أدبيات الحركات الإسلامية يدرك غياب مفهوم المساواة بين الجنسين لما يثيره من توجس وشبهة وحضور مصطلحات بديلة منها التكامل والعدل ويفسر ذلك بإنشداد هذه الحركات إلى تصور ومفهوم محافظ للنصوص الإسلامية التأسيسية التي رسخته كتب الفقه والتفسير والتي تقودها عقلية ذكورية يحكمها منطق الوصاية على المرأة وتبعيتها للرجل . كما أن اختيار أغلب أعضاء لجنة «الحقوق والحريات» برئاسة السيدة فريدة العبيدي مصطلح التكامل بديلا عن المساواة تقوده خلفية سياسية، فحركة النهضة تدعي احترامها لمبدأ المساواة بين المواطنين في القانون أي الحقوق والواجبات لكن لم تستعمل في أدبياتها مطلقا مفهوم المساواة بين الجنسين ما عدى الوثيقة الصادرة عن جبهة 18 أكتوبر التي أمضتها بمعية أطراف يسارية وتقدمية لكن تحفظت على مبدأ المساواة التامة باعتبار موقفها المبدئي من مسألة الإرث والتبني... ويتأكد ذلك اليوم في تبرير السيدة رئيسة اللجنة الاستعاضة عن مصطلح المساواة بمصطلح التكامل بأن» الفصل 22» نصّ على المساواة بين المواطنين. نعم، تستعمل حركة النهضة مصطلح المساواة بين المواطنين لكن ترفض التنصيص على المساواة بين الجنسين لأنه مفهوم يفترض إلغاء كل أشكال التمييز بين الرجل والمرأة.غير أنه من باب المغالطة عندما سئلت السيدة عن المبرر للاستعاضة عن مصطلح المساواة بمصطلح التكامل في «الفصل28»أجابت «لتجنب التكرار» وقد تغافلت السيدة على أن التكرار جائز في اللغة عندما يراد به التأكيد وبهذا المعنى يصبح مستحبا عندما يتعلق الأمر بكتابة فصول دستور جديد للبلاد. ضف إلى ذلك أن مصطلح التكامل كما نص عليه «الفصل28» يتعلق بالأدوار داخل الأسرة وهي مختلفة، غير أن هذا الاختلاف لا يثير إشكالا على مستوى طبيعي بحكم أن المرأة تنفرد بدور الولادة والرضاعة ولكنه يمثل موضوعا جداليا إذا تعلق الأمر بإدارة شؤون البيت وتربية الأبناء والإنفاق... باعتبار أن هذه الأدوار تحسم ثقافيا واجتماعيا. ومادام التشريط الاجتماعي و الثقافي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية يكرس صورة نمطية للمرأة تقودها عقلية ذكورية فإن الحقوق الأساسية للمرأة تستهدف بإسم أن المرأة مكملة للرجل مما يفتح الباب أمام أشكال مختلفة من الهيمنة والاستغلال لها والأمثلة على ذلك لا تحصى ولا تعد في العديد من الدول العربية التي تتبوأ فيها حقوق النساء مرتبة أدنى من الصفر (زواج القصر، الزواج العرفي، ختان البنات، إرتفاع نسبة الأمية، الفقر والعنف ضد النساء، منع المرأة من قيادة السيارة وفتاوي جديدة تمنعها من الإبحار على الإنترنات...). لذلك تأتي أهمية دور المشرع في التنصيص ودسترة مبدأ المساواة لغاية إنصاف المرأة وحمايتها من أشكال التجاوزات بإسم الموروث الثقافي والعادات والتقاليد واعترافا بمشاركتها الفعلية في بناء الأسرة ورعايتها وبمساهمتها الجدية في النهوض بوطنها وخاصة الإعتراف بإنسانيتها ومواطنتها... على هذا الأساس أرى أنه من المؤسف خوض مثل هذا الجدل بشأن حقوق النساء بعد أن كانت بلادنا رائدة في الوطن العربي بهذا الشأن وكانت نساء تونس تأمل بعد ثورة 14 جانفي2011 دعم هذا المكسب التاريخي وتطويره بإتجاه المساواة التامة و الفعلية بما يجعل حقوقها الأساسية منسجمة مع مبادئ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية إلى جانب ضمان حقوقها الإقتصادية والإجتماعية منها (الحق في العمل اللائق والمساواة في الأجر والمعاملة والحق في التغطية الإجتماعية وحماية الإمومة.) كما نأسف للعودة إلى الجدل من جديد حول مسألة حقوق النساء بعد 56سنة من إصدار مجلة الأحوال الشخصية والحال أن الحراك الاجتماعي على أشده في العديد من الجهات التي كانت تطمح إلى تنمية عادلة وتعاطي جدي مع الملفات الاجتماعية وتصدي فعلي لسياسة التهميش المبرمج ولكن الواقع يؤكد تراجعا فظيعا في الخدمات الأساسية للمواطن (الشغل، الأمن، الماء، الكهرباء، النظافة...) وغياب كلي لرسائل مطمئنة من الحكومة المؤقتة تخفف من معاناة الموطنين اليومية وتفتح الأمل في إمكانية تحقيق أهداف ثورة الشعب المجيدة . لذلك أرى كمواطنة وكنقابية أن إثارة موضوع المقدسات أو موضوع حقوق النساء غير مجانية وفيها مغالطات إذ الغاية منها تحييد الرأي العام عن قضاياه الفعلية التي قادت ثورة 14 جانفي 2011تحت شعار مطلبي سياسي وإجتماعي»شغل،حرية،كرامه وطنية» وهي مطالب لا تعرف التضييق الجنسي أو العرقي أو الجهوي أو الإيديولوجي... وإنما هي مطالب الشعب التونسي عامة . لذلك فإن الكثير من نساء تونس قلقات ومدركات أن محاولة تمرير» الفصل 28» سيؤدي ضرورة إلى مراجعة كل الفصول القانونية الحامية لحقوقها الأساسية خاصة أنه في إطار إعادة ترتيب الأدوار في الأسرة على قاعدة «الأساسي والمكمل» سيضع موضع سؤال وحتي تراجع حق المرأة في التعليم والشغل والصحة والتنقل والزواج....ولا نستغرب ذلك خاصة وأن ثمة بعض الحركات الدينية المتطرفة تحمّل المرأة مسؤولية ارتفاع نسبة البطالة وإنحلال الأسرة و»الفساد» الأخلاقي... على هذا الأساس فإن كتابة دستور جديد للبلاد مسؤولية تاريخية ووطنية وإنسانية لا تخضع لمنطق الكتل النيابية ومنطق الأغلبية إنه دستور كل التونسيين بتنوعهم واختلافاتهم لذلك من الأبجديات التقنية في كتابته تجنب الصيغ العامة والمفاهيم الملتبسة، إذ ليس الدستور نصا أدبيا ولا لائحة من لوائح مؤتمر حزب أو بيانا سياسيا ، فالواجب صياغته بوضوح وبدقة تجعله بمنآي عن التأويل الذي يفتح المجال للانتقاص من المكاسب أو التراجع عنها. وليعلم أعضاء لجنة «الحقوق والحريات» أن نساء تونس ورجالها الأحرار عيونهم مفتوحة على هذه المكاسب وعازمين على تطويرها ومتمسكين بضرورة التنصيص الواضح على مبدأ المساواة التامة والفعلية، فقد ناضلت من أجله الحركات النسائية منذ السبعنيات آملة في تنقيح مجلة الأحوال الشخصية حتى تستجيب لتطلعات المرأة التونسية ولاخيار لهن اليوم سوى مواصلة الدرب لأنه يعد بعد 14جانفي2011 استحقاقا ثوريا. لذلك بودنا أن أعضاء وعضوات لجنة الحقوق والحريات سحب مصطلح التكامل ودسترة مبدأ المساواة بين الجنسين بصفة تامة وفعلية. هكذا يعبرون عن تحررهم من أجندات حزبية ضيقة والتزامهم الأخلاقي بكتابة دستور تونسالجديدة المدنية والحرة والديمقراطية كما يعبرون عن صوت المرأة التونسية الغيورة على مكاسبها التاريخية والآملة في غد أفضل لها ولأطفالها ولأسرتها إنه استحقاق ثوري ناضل من أجله الرجل والمرأة معا نقابيا وجمعياتيا وسياسيا تحت شعار «مساواة حقيقية= مواطنة فعلية» ،»لا للتكامل نعم للمساواة». * نقابية وعضو بالمكتب الوطني الإتحاد العام التونسي للشغل