لم يعد التعليم في تونس فخرنا، فقد انقطعت أسباب الفخر المتعلقة به، فلم يعد الحديث عن نسب المتعلمين والاهتمام بالتعليم واستعراض عدد المتحصلين على الشهادات استثناءا تونسيا مقارنة بالدول المجاورة والمجاورة للمجاورة وبالقارة وأقطار الوطن العربي، فقد مضى زمن الاستثناء في ذلك، اذا لم نقل أن أقطارا شقيقة أصبحت تفوقنا كما ونوعا وانتاجا في هذا الميدان. ولكن، وحتى لا نحجم قيمة التعليم في بلادنا، فانه لا يخفى على أي تونسي أن تعليم الناشئة أصبح عادة وضرورة ملحة للتونسيين كما «الخبزة» وحليب الرضع والأطفال، فلا يتصور تونسي أن أحد أبنائه يبلغ سن السادسة دون أن يدخل قاعة التدريس ودون أن يلبس ميداعته ويحمل محفظته وينطلق للمدرسة. ورغم أن افاق التعليم لم تعد مشجعة للتونسي، ليستثمر في أبنائه لنيل الشهادة، فتونس حصلت أكثر من 250 ألف صاحب شهادة معطل عن العمل في جميع المستويات اجازة وماجستيرا ودكتوراه، فان فئات من المجتمع مازالت تراهن على التعليم وعلى نيل الشهادة لايجاد شغل يحفظ الكرامة وللارتقاء في السلم الاجتماعي. على كل، أيام قليلة تفصلنا عن العودة المدرسية، هذه «السنة»، «الفرض» المباركة للشعب التونسي، الذي يقدس المدرسة والمعهد والجامعة، ولكن دون جديد، دون اجراءات ارتجاجية، ثورية، تقدمية طموحة تذكر، تعيد الريادة لهذا الميدان الاستراتيجي الحيوي، بل بروتين راكم الغبار على المؤسسات التربوية والجامعات وجعلها تنزل الى مواقع قياسية في الانحدار ضمن التصنيف العالمي لها. ولكن هذا العيد يعود أيضا، مذكرا بحال ينحدر من السيء الى الأسوء مع الأسف، فسنتنا الدراسية تنطلق هذا العام و البحث العلمي لا يحظى سوى ب 0.5 بالمائة من ميزانية الدولة، وتستهل وقد قلصت الدولة من دعمها لعدد الطلبة المتفوقين والباحثين بالخارج، وتنطلق وقد تم الترفيع في أثمان الأدوات المدرسية المدعمة بنسب تبلغ ال10 بالمائة، لتفتح المدارس والمعاهد والجامعات أبوابها دون أن يتم مراجعة النظام التعليمي الحالي، الذي لا يمكن أن يوصف الا باليا وفاشلا بأتم معنى الكلمة. اذا، تنطلق السنة الدراسية الحالية دون أن يكون للحدث قيمته، ولموضوع اصلاح التعليم مكانته التي تستحقه، فالكراسي وتوزيعها وخاصة التشبث بها أهم وأجدر، فهو الموضوع الرئيس وهو مستقبل البلاد وافاقها، أما التعليم والتربية ومجال البحث العلمي فكلها شبع زائد وترف ولا يمكن أن يكون لها الدور في تكوين أجيال تخلصنا من براثن الجهل العالقة في جسد هذا المجتمع والناجحة في اعادته بين الفينة والأخرى سنوات فضائية للوراء، الى أزمان غابرة كان حينها الناس يعتقدون أن الكرة الأرضية مسطحة وأنها متكئة على قرني ثور في قيلولة مستمرة أبدية، جاء العلم ليصفع الانسان ويفيقه من سبات عميق كاد يفتك به وينسيه ملكة عقله. فما قيمة التعليم والتعلم، وهل هو موضوع يحظى بهذه الأهمية القصوى؟ وكيف لمجتمع أن يتدافع وهو متعلم؟ وكيف له أن ينبت الارهاب خلايا سرطانية وهو متعلم؟ وهل هي حلول أن يجري المستثمر للاستثمار في أرضك وهي تعج كفاءات وطاقات مختصة متعلمة مواكبة للتطورات التكنولوجية والعلمية العالمية؟ أكيد فان هذا الحديث جانبي فاقد للأهمية، ركيك متداول ومضجر .. على كل هنا، قدوة الشباب والناشئة السيد الوزير طارق ذياب، العصامي الذي لم يتحصل على السادسة ابتدائي الذي شق طريقه بين المعطلين من أصحاب شهادات الأستاذية والدكتوراه.. فلا مكان للتعليم والباحثين وان جنحوا وطاروا زمن الولاءات.