تعيش آلاف الأسر التونسية ان لم أقل جلّها في نهاية كل سنة دراسية بعد مثابرة وتضحيات لتحصيل العلم والمعرفة وتعب وشقاء الأولياء وسخاء بلا حدود لكل مستلزمات الدراسة من تسجيل، وأدوات مدرسية، ودروس تدارك وتنقل... الخ على وقع الحدث الأكثر أهمية عند كلّ التونسيين وأبرزه في وجدانهم وأمانيهم لما له من قيمة في تحديد مستقبل أبنائهم وهو الذي يدخل عليهم الفرح والبهجة والارتياح، بل والاعتزاز والفخر.. لنجاح فلذات أكبادهم وبذرتهم في رهان من أكبر رهانات الشعوب والأمم المتقدمة.. وهو النجاح الدراسي فتقام الأفراح والليالي الملاح لنجاحات أبنائهم من الأساسي مرورا بالاعدادي إلى الإجازة والدكتوراء.. فكان الله في عون كلّ العائلات وخاصة منها متوسطة الدخل والمعوزة وأثابهم صبرا جميلا وخيرا وفيرا. كما أحيّي منتجي هذه العقول السادة المربّين الذين لا همّ لهم سوى غرس بذرة العلم والمعرفة ومكارم الأخلاق وحبّ الوطن في هذا العرس الجميل.. ولكن بعد النجاح.. والأفراح نجد كلمة «وبعد» وهذه هي الكلمة المفتاح أو مربض الفرس كما يقولون، انّها أم المسألة التي تبدو للعيان سهلة ولكن في الحقيقة جوهرية ومصيرية مسالة توجيه أبناءنا التلاميذ الناجحين في شهادة الباكالوريا سواء من المتألقين منهم أو متوسطي المؤهلات وحين نتدارس وضعية توجيه أبنائنا التلاميذ طلاب المستقبل ورجال الغد.. أن نتحلّى بالعقلانية والواقعية وفي نفس الوقت نقرأ بكلّ عمق متغيرات سوق الشغل المتجددة وانطلاقا من هذا الواقع نبحث عن مؤهلات أبنائنا العلمية والفكرية الاستجابية الحقيقية ونتقين من أنّهم قادرون بعد اختيار التوجيه المناسب لمؤهلاتهم من متابعة التسلق في مدارج العلوم والمعرفة بأنواع شعبها المختلفة والعكس ينتج عنه الندم والحسرة والمطالبة باعادة التوجيه الجامعي وربما الانقطاع عن متابعة الدراسة والضياع ويصبح النجاح والفرح همّا وغمًّا! هذا فضلا عمّا شاهدته وعايشته من خلال عديد النماذج لعائلات لهم أبناء جامعيون لكنّهم على رصيف البطالة.. أم أنّهم انقطعوا لتتالي رسوبهم أو ان شهائدهم لم يعد لها نفاذ في سوق الشغل... وهذا ناتج عن خلل في التوجيه. ومن هنا فحسب تقديري أنصح أبناءنا التلاميذ بالابتعاد عن اختيار الشعب التقليدية وأن يوجهوا وجهتهم الى الشعب المستحدثة وخاصة منها التقنية والمهنية التابعة لعديد الجامعات أو لمراكز التكوين التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والهجرة بالنسبة لذوي المؤهلات المتوسطة والتي حتما ستؤدي بهم إلى سوق الشغل لا الوطنية فقط بل لشروط سوق الشغل الدولية المستوردة للكفاءات التونسية التقنية والمهنية مثل الاتحاد الأوروبي أو الخليج العربي ودول الاتحاد المغاربي وحتى يبقى الرهان على الانسان في وطني هو أحسن رهان.