نزولا عند رغبة العديد من قرائنا ننشر قصائد الشاعر محمود درويش المبرمجة في اطار قرارنا بتكريمه بعد وفاته في صفحة خاصة به وذلك نظرا لطبيعة قصائد هذا الرجل من حيث الاخراج والحجم حيث اضطررنا في مرات سابقة الى نشر بعض هذه القصائد على مرات وبالمناسبة نطلب من السادة القراء ممن لهم قصائد نادرة للشاعر أن يوافونا بها حتى ننشرها تعميما للفائدة. +++++ إلى أمّي أحنُّ إلى خبز أمهي وقهوة أمّي ولمسة أمّي وتكبرُ فيَّ الطفولةُ يومًا على صدر يومِ وأعشقُ عمري لأنّي إذا مُتُّ، أخجل من دمع أمّي! خذيني، إذا عدتُ يومًا وشاحًا لُهدْبكْ وغطّي عظامي بعشب تعمّد من طهر كعبك وشُدّي وثاقي.. بخصلة شَعر.. بخيطٍ يلوّح في ذيل ثوبك.. عساني أصيرُ إلهًا إلهًا أصير.. إذا ما لمستُ قرارة قلبك! ضعيني، إذا ما رجعتُ وقودا بتنور ناركْ... وحبل غسيل على سطح دارك لأنّي فقدتُ الوقوفَ بدون صلاة نهارك هَرمْتُ، فردّي نجوم الطفولة حتى أشارك صغار العصافير درب الرجوع.. لعُشِّ انتظارِك!
أهديها غزالا وشاحُ المغرب الورديّ فوق ضفائر الحلوهْ وحبة برتقال كانت الشمسُ. تحاول كفها البيضاءُ أن تصطادها عُنوهْ وتصرخ بي، وكل صراخها همسُ: أخي! يا سُلّمي العالي! أريدُ الشمس بالقوهْ! .. وفي ليلٍ رماديّ، رأينا الكوكب الفضي ينقط ضوءه العسلي فوق نوافذ البيتِ. وقالت، وهي حين تقول، تدفعني إلى الصمت: تعال غدًا لنزرعه.. مكان الأشواك في الأرضِ! أبي من أجلها صلّى وصامَ.. وجاب أرض الهند والإغريقْ إلهًا راكعًا لغبار رجليها وجاع لأجلها في البيد.. أجيالاً يشدُّ النوق: وأقسم تحتَ عينيها يمين قناعة الخالق بالمخلوق! تنام، فتحلم اليقظة في عيني مع السّهرِ فدائيُّ الربيع أنا، وعبدُ نعاس عينيها وصوفي الحصى، والرمل، والحجر سأعبدهم، لتلعب كالملاك، وظلُّ رجليها على الدنيا، صلاة الأرض للمطرِ حريرٌ شوكُ أيّامي، على دربي إلى غدها حريرٌ شوكُ أيّامي! وأشهى من عصير المجد ما ألقى.. لأسعدها وأنسى في طفولتها عذاب طفولتي الدامي وأشرب، كالعصافير، الرضا والحُبَّ من يدها سأهديها غزالاً ناعمًا كجناح أُغنيهْ له أنفٌ ككرملنا. . وأقدامٌ كأنفاس الرياح، كخطو حريّة وعنقٌ طالع كطلوع سنبلنا من الوادي.. إلى القمم السماويّة! سلامًا يا وشاح الشمس، يا منديل جنتنا ويا قسَمَ المحبة في أغانينا! سلامًا يا ربيعًا راحلاً في الجفن! يا عسَلاً بغصّتنا ويا سهر التفاؤل في أمانينا لخضرة أعين الأطفال.. ننسج ضوء رايتنا!
شهيد الأغنية نصبُوا الصليبَ على الجد ارْ فكّوا السلاسل عن يدي. والسوط مروحةٌ. ودقاتُ النعال لحن يصفّرُ: سيدي! ويقول للموتى: حذار! يا أنت! قال نباح وحشْ: أعطيكَ دربكَ لو سجدتَ أمام عرشي سجدتين! ولثمتَ كفي، في حياء، مرتينْ أو.. تعتلي خشب الصليب شهيد أغنية.. وشمسْ! ما كنتُ أول حامل إكليل شوكِ لأقول للسمراء: إبكي! يا من أحبك، مثل إيماني، ولاسمك في فمي المغموس بالعطش المعفّر بالغبار طعمُ النبيذ إذا تعتّق في الجرار! ما كنتُ أوّل حامل إكليل شوكِ لأقول: إبكي! فعسى صليبي صهوةٌ، والشوك فوق جبيني المنقوش بالدم والدى إكليلُ غار! وعساي آخرُ من يقول: أنا تشهّيت الردى!
تموز والأفعى تموزُ مرّ على خرائبنا وأيقظَ شهوة الأفعى. القمح يحصد مرة أُخرى ويعطش للندى.. المرعى تموز عاد، ليرجم الذكرى عطشًا.. وأحجارًا من النارِ فتساءل المنفيُّ: كيف يطيع زرعُ يدي كفًا تسمم ماء اباري؟ وتساءل الأطفال في المنفى: آباؤنا ملأوا ليالينا هنا.. وصفا عن مجدنا الذهبي قالوا كثيرًا عن كروم التين والعنبِ تموز عاد، وما رأيناها وتنهّد المسجونُ: كنتَ لنا يا محرقي تموز.. معطاءً رخيصا مثل نور الشمس والرملِ واليوم، تجلدنا بسوط الشوق والذلِ تموز.. يرحل عن بيادرنا تموز.. يأخذ معطف اللهبِ لكنه يبقى بخربتنا أفعى ويترك في حناجرنا ظمأ وفي دمنا.. خلود الشوق والغضبِ
برقية من السجن من آخر السجن، طارت كفُّ أشعاري تشد أيديَكُمْ ريحًا.. على نارِ أنا هنا، ووراء السورِ، أشجاري تُطوّعُ الجبلَ المغرور.. أشجاري مذ جئتُ أدفع مهر الحرف، ما ارتفعتْ غيرُ النجوم على أسلاك أسواري أقول للمُحْكِم الأصفاد حول يدي: هذي أساور أشعاري وإصراري في حجم مجدكُم نعلي، وقيدُ يدي في طول عمركمُ المجدول بالعار: أقول للناس، للأحباب: نحن هنَا أسرى محبتكم في الموكب الساري في اليوم، أكبر عاما في هوى وطني فعانقوني عناق الريح للنارِ
السجن تغيّر عنوانُ بيتي وموعدُ أكلي ومقدار تبغي تغيّر ولون ثيابي، ووجهي، وشكلي وحتى القمر عزيزٌ عليّ هنا.. صار أحلى وأكبر ورائحة الأرض: عطرٌ وطعم الطبيعة: سُكّرْ كأنّي على سطح بيتي القديم ونجم جيدد..