تعيش القيروان في مثل هذا الوقت من كل سنة أجواء احتفالية كبيرة بمناسبة المولد النبوي الشريف وتستعد لها كما ينبغي على جميع المستويات فتتزين وتتجمل حتى تخرج عروسا بين الولايات, ويعتبر «مولد» هذه السنة استثنائيا باعتباره تزامن مع حفل اختتام برنامج تظاهرة القيروان عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2009. وتشع كل مظاهر الاحتفالات في كامل أرجاء مدينة القيروان خلال الأسبوع الذي يسبق هذه الذكرى المولدية النبوية الشريفة. فالتجار والحرفيون والمتساكنون يستعدون لاستقبال آلاف الزوار الذين يتوافدون على أكثر المواقع قدسية في المدينة التاريخية. وقد رصدت «الإعلان» هذه الأجواء الاحتفالية من عدة زوايا في مدينة عرفت بكونها رابع المدن المقدسة في الخريطة الإسلامية, وذلك سويعات قليلة قبل انطلاق الحفل بصفة رسمية. ومدينة القيروان التي يزورها سنويا أكثر من 400 ألف سائح تعرف أوج نشاطها مع اقتراب موعد المولد النبوي الشريف لتستعيد مكانتها الروحية لدى التونسيين الذين ينتقلون إليها بالآلاف ليلة المولد للسهر والتبرك بداخل «سيدي الصحبي» ثم مسجد عقبة بن نافع الذي تحول مع مرور الزمن إلى مركز حضاري ومعرفي يؤمه طلبة العلوم الدينية فبيت الحكمة الذي شيده أمراء بنو غالب مازال يشع بعلمه ودعوته للاعتدال والتسامح الديني. القيروان تتجمل... مع إشراقات الشمس الصباحية تتحرك المدينة لتستقبل زوارها القادمين من مختلف المدن التونسية والليبية والجزائرية والمغربية على وجه الخصوص. البيوت في المدينة العتيقة والمساجد تغيرت واجهاتها الخارجية بطلائها «بالجير» استعدادا لليوم الموعود وباعة المقروض جهزوا محلاتهم بالسميد والتمر المعجون والسمن والفواكه الجافة التي هي المواد الأساسية لصناعة المقروض الذي يستهلكه التونسيون بشراهة في مثل هذه المناسبة وقال الهادي العمراني «للإعلان» وهو يطوع العجين فوق طاولة مستطيلة رشت بالزيت: «مع اقتراب موعد المولد تزداد الحركة ولا نتوقف عن العمل على مدار الساعة وخاصة ليلة المولد فالطلابيات تتضاعف إلى حد لا يوصف» أما عن زبائنه فيضيف الهادي أنهم يأتون من العاصمة والمدن القريبة من القيروان ومن ليبيا والجزائر وموريتانيا أيضا. وخلال اليوم الذي يسبق موعد الاحتفال بالمولد يتنقل الزوار ما بين جامع عقبة ومقام أبي زمعة البلوى حلاق الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك مسجد الأبواب الثلاثة وكذلك مقام سيدي عبيد الغرياني المشهور بجمال سقفه ورواقه ذي الطابع العربي المرفوع فوق أعمدة بيزنطية ثم يكون المرور إلى داخل المدينة العتيقة لتتوقف بالتأكيد أمام أحد جدران معلم ممتاز وقد علقت به ورقة كتب عليها «لكل مدينة زمزمها وزمزم القيروان ماء بروطة» إذ يشاع بين أهل المدينة أن من شرب من بئر بروطة سيعود بكل تأكيد لزيارة القيروان مرة أخرى. وتتضارب الروايات إلى حد الآن حول القصة الحقيقية لهذا المعلم الأثري على اعتبار وان المؤرخين عجزوا عن معرفة قصة هذه البئر و كل ما قيل ليس إلا وليد الخيال. وتضم مدينة القيروان معالم تاريخية بناها بنو غالب وتشتهر بنافورتها التي شيدها الاغالبة لتجميع المياه التي تنهمر بكثرة في فصل الشتاء وتغيب طوال أشهر السنة وهذه النافورة هي عبارة عن حوض له 48 ضلعا ويبلغ قطره 120 مترا، ومازالت إلى حد هذا اليوم قبلة للزوار لغرابة شكلها وكذلك موضوع إلهام للرسامين والمصورين. وفي صبيحة يوم المولد تنهض النساء باكرا لإعداد العصيدة التي تطبخ بالماء والسميد ويوضع فوقها بعد أن تصبح رخوة شيئا من العسل والسمن أو زيت الزيتون والسكر وأصبحت بعض العائلات مع مرور الزمن تتفنن في إعدادها ويعوضّ بالتالي السميد بالزقوقو، وفي المساء تتجمع العائلات حول أطباق الكسكسى المعد بلحم الخروف أو الدجاج. وخلال السهرة يرتدي أغلب الرجال الجّبة التي صنعت من الحرير وتلبس البعض من النسوة الحايك وهي عباءة نسائية من الصوف الجيد ذات اللون المائل إلى الأصفر. نشاط يزدهر.. وآخر يصيبه الركود وبالإضافة إلى تفردها بصناعة نوع خاص من الخبز المستدير الضخم ذو الرائحة الجذابة, تشتهر القيروان بصناعة الزربية وهي صناعة تشغل في ألاف العمال حتى أن القائمين على شؤونها برمجوا لها مهرجانا خاصا بها في هذه المدينة التي تعد مناسبة كبيرة للمقبلين على الزواج للظفر بواحدة منها. ويشتكي الحرفيون من هجوم الزرابي الاصطناعية على ميدانهم. ويقول احد التجار (علي) وهو يشيع بعينيه نحو احد الأسواق الذي يعرض سلعا مستوردة من آسيا «الناس أصبحوا يفضلون الزرابي المستوردة لانخفاض أسعارها إنهم لا يأبهون بقيمة الزرابي الأصلية ولا لأهميتها داخل البيت» وللتأكيد على قيمة الزربية القيروانية يقول العم علي «أعرف عائلات يفترشون زرابي قيروانية منذ عشرات السنين ولم يتغير لونها أو تفقد نعومتها, أما الزرابي الاصطناعية فهي تصيب الأطفال الصغار بالحساسية». كما تعرف القيروان أيضا بالنحاس الذي تبلغ ذروة بيعه في هذه الفترة بالذات، عندما يجتاح الزوار سوق النحاسين لاقتناء أنواع مختلفة من النحاس المطروق حيث يوجد «المقفول» و«المرش» وغيره من الطواقم الأخرى. الندوة المولودية ودأبت مدينة القيروان منذ أكثر من 35 عاما على احتضان ندوة دولية يطلق عليها اسم «الندوة المولودية» تناقش قضايا دينية يتزامن موعد انعقادها والأيام التي تسبق المولد النبوي الشريف وقد انعقدت في دورتها 37 يومي الاثنين والثلاثاء الفارطين وناقشت موضوع «دور علماء تونس في مقاومة البدع والطائفية», بحضور عديد الأئمة ورجال الفقه والدين ومفكرين والذين يتجاوز عددهم 300 شخصا وافتتاح أشغالها السيد بوبكر الاخزورى وزير الشؤون الدينية. ولا يتوقف الاحتفال بالمولد النبوي في القيروان عند زيارة المواقع التاريخية والدينية أو إعداد الأكلات الشهية وإنما هو أيضا مناسبة لختان الأطفال ولحفلات ال-خطوبة العرائس تبركا بهذا اليوم المشهود