ما تعرض له النائب و رئيس النجم الساحلي رضا شرف الدين اليوم في سوسة من عملية اطلاق نار بطريقة تؤشر على وجود مخطط اغتيال لشخصية وازنة سياسيا و اقتصاديا و رياضيا مثله، لا يمكن قطّ أن يمثّل مفاجأة مدويّة بالنظر إلى أنّ الأجواء العامة في البلاد و تواصل الخطر الارهابي يشي بوجود تهديدات جديّة تستهدف الدولة و الاستقرار السياسي و الأمني بشكل عام. السياق الذي تتنزّل فيه هذه الحادثة هو الآخر قد يفسّر جزءا هاما من ملابسات و أهداف هذه العملية. فالبلاد و على الرغم من النجاح في تنظيم انتخابات ديمقراطية رشحت عنها سلطة سياسية جديدة على رأس مؤسسات الدولة التشريعية و التنفيذية، فإنّها مازالت تعيش على وقع حالة من التخبط و الارتباك الخطير الذي يهدّد كيانها وسيرورتها في ظلّ عدم وضوح الرؤية و حسم خلافات "صبيانية" خاصة صلب الحزب الأغلبي في البرلمان نداء تونس الذي صدّر أزمته التي ألقت بظلالها على أداء الحكومة و الأفق السياسي بصفة أدق. الأهم من ذلك من حيث التوقيت، يكمن في تزامن وقوع الحادثة مع استقالة الوزير الأزهر العكرمي و نشر الاعلامي معز بن غربية مؤسس قناة التاسعة للفيديو "القنبلة" الذي كان محلّ جدل واسع في الساحة السياسية والاعلامية خلال الأيّام الأخيرة. هنا قد يذهب الظنّ لدى البعض بأنّ العملية في حدّ ذاتها وليدة صراع "كسر العظام" بين مافيات و عصابات قويّة و نافذة تتحكم في خيوط اللعبة السياسيّة و تحكمها شريعة الغاب. بيد أنّ نفي رضا شرف الدين في تصريحات اعلامية لوجود أيّ علاقة له بقناة التاسعة يعدّ خير ردّ على من ارتأى الغوص في جوانب من شأنها مزيد تعويم الأمور و تضبيب المشهد. مكان الواقعة وهو سوسة التي شهدت أكثر من عملية ارهابية منذ سنة 2013، علاوة عن افشال مخططات اغتيال لشخصيات بارزة في الجهة مثل المفكرة ألفة يوسف و رئيس حزب المبادرة الدستورية كمال مرجان، كما أعلنت عن ذلك السلط الأمنية في وقت مضى، يعزّز فرضية أنّ محاولة اغتيال شرف الدين تحمل أساسا بصمات ارهابية. و من المهم التذكير بأنّ اغتيال القياديين في الجبهة الشعبية محمد البراهمي ومن قبله شكري بلعيد كان في ظروف و مناخات مشابهة و تمثّل أرضية خصبة لنتوء المخطّطات الدمويّة بسبب تعثّر العملية السياسيّة وتخبّط الحكومة و الدولة و الأحزاب في متاهات التجاذبات و الصراعات العبثيّة حول شكليّات من قبيل التحوير الوزاري أو التغيير الحكومي الشامل. في المحصّلة، من المؤكد أنّ حادثة اليوم التي اهتزّ لها الرأي العام الوطني و أعادت شبح الاغتيالات من جديد بعد أن خفت تأثيره النفسي على المواطنين، قد رام خلالها المنفذون و المخطّطون إعادة خلط الأوراق و الايهام بأنّ الارهاب هو "صناعة مافيوزية" تغذيها صراعات اللوبيات المنافحة عن مصالحها و مواقعها في المشهد الحالي من خلال استغلال وضع سياسي مهتزّ وغير مستقرّ وفي ظلّ دولة مرتبكة و مثخنة بات مستقبلها رهين خصومات مراهقي السياسة و الأيادي العابثة بمستقبل وطن برمتّه.