إنّ المرصد التونسي لاستقلال القضاء: اذ يذكّر باستكمال عضوية الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وذلك بانتخاب 10 قضاة من الرتب الثلاث مباشرة من قبل زملائهم يوم 7 جويلية 2013 و 5 أعضاء من الاساتذة الجامعيين من قبل المجلس الوطني التأسيسي في جلسته العامة بتاريخ 10 جويلية 2013 اضافة الي 5 من القضاة المعينين بالصفة وجميعهم سبق تعيينهم مباشرة من قبل السلطة التنفيذية. واذ يؤكد على ما اقتضاه القانون المؤرخ في 2 ماي 2013 المتعلق بإحداث هيئة وقتية للإشراف على القضاء العدلي من اختصاص شامل لهذه الهيئة في المسار المهني للقضاة من تسمية وترقية ونقلة وتأديب ونظر في مطالب الاستقالة والاحالة على التقاعد المبكر ورفع الحصانة اضافة الى ابداء رأيها الاستشاري في مشاريع القوانين المتعلقة بسير العمل القضائي وأساليب اصلاح منظومة القضاء العدلي وتقديم اقتراحاتها بقصد تطوير العمل القضائي مع تمتعها لهذا الغرض بالاستقلالية الادارية والمالية. وإذ يلاحظ ان ممارسة تلك الهيئة لمهامها يستوجب توفير جميع الامكانات البشرية والمادية اللازمة لوجودها واستمرارها وضبط نظامها الداخلي الذي ينظم سير عملها طبق ما يقتضيه القانون المحدث لها. وفي ضوء ذلك يعرض المرصد المعطيات الخاصة بالاجتماع الاول للهيئة الوقتية للقضاء العدلي: أولا: في أشغال الاجتماع 1) انعقد بتاريخ الجمعة 19 جويلية 2013 بمقر محكمة التعقيب بالعاصمة اول اجتماع لتلك الهيئة بدعوة من الرئيس الاول لمحكمة التعقيب السيد ابراهيم الماجري بصفته رئيس الهيئة وهي الوظيفة الوحيدة التي نص عليها القانون. وقد حضر الاجتماع اضافة الى رئيس الهيئة 18 عضوا وتغيب أحد الاعضاء من غير القضاة. وقد خصصت الجلسة الاولى اساسا لتوزيع الوظائف داخل الهيئة وإحداث لجان متخصصة مع الاشارة ان انعقاد هذه الجلسة لم يسبقه ضبط لجدول اعمالها او الاعلان عن انعقادها للعموم. 2) يشار الى ان اجتماع الهيئة في مقر احدى المحاكم قد تم بصفة مستعجلة بسبب تأخر السلطة التنفيذية عن تخصيص مقر مستقل لها وهو ما يعكس بصفة جلية طبيعة التعامل السلبي مع هيئة ناشئة ممثلة للسلطة القضائية ويستعيد واقع القضاء في ظل النظام السابق الذي لم يسمح بوجود مقر خاص للمجلس الاعلى للقضاء دون اعتبار ما يضاف الى ذلك من غياب أيّة خطة لتركيز تلك الهيئة وتوفير احتياجاتها الضرورية. 3) يلاحظ ان الظروف الاستثنائية لانعقاد اول اجتماع للهيئة تجد تبريرها حسب المشرفين عليها في الصبغة الاستعجالية لإعداد حركة القضاة من تسمية وترقية ونقلة بالنظر الى تجاوز الآجال المعتادة لإعدادها والإعلان عنها. وفي هذا السياق يذكر ان رئيس الهيئة الوقتية قد بادر في تاريخ سابق للمؤتمر الانتخابي وقبل تكوين الهيئة الى اعلان قائمة الشغورات في الخطط الوظيفية بنفس الصيغة التي جرى عليها العمل لدى المجلس الاعلى للقضاء المنحل وقد تضمن الاعلان قائمة في المراكز الشاغرة بالإدارة المركزية لوزارة العدل ومختلف المحاكم باستثناء المحكمة العقارية وفروعها وتحديد اجل اقصاه موفى جويلية 2013 لتقديم طلبات القضاة في حدود الشغورات المعلنة. ويتضح ان اشغال الاجتماع الاول للهيئة لم تتضمن النظر في تلك الشغورات والمصادقة عليها مراعاة لما يقتضيه الفصل 12 من القانون المحدث للهيئة الذي نص على ان هذه الهيئة "تعلن عن قائمة الشغورات في مختلف الخطط الوظيفية الخاصة بكل رتبة قضائية". ثانيا: في قرارات الاجتماع 1) تمت دعوة اعضاء الهيئة الى اجراء انتخابات على عدد من الوظائف لم ينص عليها القانون الاساسي المتعلق بإحداث الهيئة وتخص وظائف نائب رئيس الهيئة والمقرر والناطق الرسمي، وقد ترشح لخطة نائب الرئيس أحد القضاة من الاعضاء المعينين بالصفة وهو السيد رضا بن عمر وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب وأحد القضاة من الاعضاء المنتخبين عن الرتبة الثالثة وهو السيد خالد العياري الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بالكاف، وقد آل التصويت السري على المترشحين الى فوز الاول بالوظيفة المذكورة بعد ان تحصل على 11 صوتا في مقابل 8 اصوات تحصل عليها منافسه. ويشار في هذا الصدد الى ما نبه اليه المرصد التونسي لاستقلال القضاء في بيانه الصادر في 6 ماي 2013 على اثر تعيين القاضي السيد رضا بن عمر في خطة وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيب من "انفراد السلطة السياسية بالتعيين دون مشاورة " بقصد "تصعيد القضاة الموالين لها والالتفاف على سلطات الهيئة الوقتية قبل ارسائها واساسا ضمان حضور السلطة التنفيذية بصفة مباشرة في تركيبة الهيئة المشرفة على القضاء". أما بالنسبة لبقية الوظائف فقد تمت تزكية العضوين المترشحين لها من بين القضاة المنتخبين وهما السيدة ليلى الزين وقد اسندت لها وظيفة مقرر الهيئة والسيدة وسيلة الكعبي وقد آلت اليها وظيفة الناطق الرسمي للهيئة وكلتاهما مستشارة بمحكمة التعقيب. 2) كما صادقت الهيئة على احداث ثلاث لجان متخصصة هي: أولا لجنة الاعداد المادي للحركة القضائية والمقصود من احداثها التحضير لمشروع الحركة القضائية وخصوصا دراسة طلبات التعيين والترقية والنقلة، وثانيا لجنة تركيز الهيئة ويتضح ان من مشمولاتها الاساسية العمل على تذليل الصعوبات المتعلقة بوسائل العمل المادية والبشرية والسعي في توفيرها، ثالثا لجنة النظام الداخلي التي عهد لها تقديم مشروع ينظم سير عمل الهيئة ومختلف هياكلها. 3) يلاحظ ان الهيئة قد اتجهت الى احداث وظائف دون بيان مشمولاتها والمصادقة على انشاء لجان متخصصة اغلبها ذات طبيعة وقتية او اجرائية (لجنة النظام الداخلي ولجنة تركيز الهيئة). ثالثا: في الملحوظات 1) يتبين ان الهيئة لم تحرص في اولى اجتماعاتها على ضبط خطة عملها وتحديد احتياجاتها فيما يتلاءم مع مهامها واساليب تحركها اضافة الى طبيعة علاقاتها مع الجهات المعنية بعملها كرئاسة الحكومة ووزارة العدل ووزارة المالية والمعهد الاعلى للقضاء… ويشار في هذا الصدد الى أنّ وزارة العدل قد رفضت تمكين الهيئة من الملفات الشخصية للقضاة وبقية المعطيات الخاصة بأوضاعهم المهنية ودعتها – في مخالفة لمقتضيات الاستقلالية – الى الاطلاع بوزارة العدل على تلك المعطيات. ومن الواضح ان ممارسة الاختصاصات المتعددة للهيئة والتي تتجاوز حسبما ورد بالقانون المحدث لها 9 اختصاصات اساسية تقتضي مسك الملفات والسجلات الخاصة بالملحقين القضائيين والقضاة بصفة مستقلة حفاظا على مصداقية عملها ونجاعته. 2) يلاحظ ان الاقرار لهيئة القضاء العدلي بالاستقلالية المالية (الفصل الاول من القانون الاساسي المؤرخ في 2 ماي 2013) يقتضي افرادها بميزانية خاصة تضمن استقلالها وتغطي نفقاتها العامة وجميع مستلزماتها ويستوجب ذلك التحضير لميزانية الهيئة بسعي من هياكلها المختصة وبالتنسيق مع وزارة المالية. 3) يتضح ان مسارعة الهيئة الى اجراء انتخابات طبق صيغ معينة لعدد من الوظائف التي لم يرد ذكرها بالقانون المحدث للهيئة او احداث اللجان الثلاث دون بيان مشمولاتها فيه مخالفة لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الاول من القانون الاساسي المؤرخ في 2 ماي 2013 الذي نص على الزامية وضع النظام الداخلي للهيئة بقصد تنظيم سير عملها. وفي ضوء ذلك فان تحديد مختلف اللجان وإجراءات سيرها وانتخاب اعضائها وبيان مشمولات الوظائف التي تقتضيها اعمال الهيئة تبقى من المسائل الاساسية التي يتم ضبطها بالنظام الاساسي. 4) يتبين من الانتخابات المجراة في اول جلسة للهيئة الوقتية ان نتائجها قد افرزت اختلالا في تمثيلية مختلف الاعضاء على مستوى الوظائف التي تم احداثها من ذلك: انفراد الرتبة الثالثة من صنف القضاة بجميع الوظائف الاربع (رئيس ونائب رئيس ومقرر وناطق رسمي) دون بقية الاصناف او الرتب القضائية وتركز تلك الوظائف بمحكمة التعقيب دون غيرها من المحاكم في حين كان من الوارد مراعاة تمثيلية الاصناف او الرتب الاخرى. انحصار وظيفة الرئيس ونائبه في صنف القضاة المعينين وقد ادى ترشح احد القضاة المنتخبين من الرتبة الثالثة لوظيفة نائب الرئيس الى عدم اختياره رغم حصوله في الانتخابات المباشرة على اعلى نسبة من الاصوات بالنسبة لبقية الرتب ( 139 صوتا ) وهو ما يشير الى المحافظة داخل الهيئة على نفوذ كبار القضاة المرتبطين تقليديا بالسلطة التنفيذية بحكم تسميتهم مباشرة من قبلها وطبق اختياراتها. تأثير الأعضاء من غير القضاة الواقع انتخابهم من قبل المجلس الوطني التأسيسي على نتيجة التصويت لصالح القضاة المعينين فيما يتنافى مع الطبيعة المستقلة والمتوازنة للهيئة الوقتية وان كان من السابق لأوانه استخلاص النتائج النهائية بخصوص مساهمة الاساتذة الجامعيين في دعم التوجهات المستقلة داخل الهيئة ومدى ارتباطهم بالأحزاب التي دعّمت عضويتهم بها. 5) يتجه بناء على ماسبق اعتبار ما تم بشأن الوظائف او اللجان المحدثة او الانتخابات المجراة من قبيل القرارات الوقتية في انتظار تهيئة النظام الداخلي للهيئة الذي يضبط على ضوء قانونها الاساسي حقوق اعضائها وواجباتهم وسير الهياكل التابعة لها كرئاسة الهيئة والمكتب الدائم ومقرر الهيئة وكتابتها… ويضمن تمثيلية مختلف الاصناف والرتب داخل تلك الهياكل. عن المرصد التونسي لاستقلال القضاء الرئيس أحمد الرحموني