قال رئيس الحكومة هشام المشيشي في كلمته اليوم أمام مجلس نواب الشعب إنّ الحكومة وضعت مقاومة كورونا في أعلى سلّم الأولويات وفق استراتيجية واضحة المعالم تقوم على تحقيق معادلة طموحة تتلخص في المحافظة على صحّة المواطنين بالحدّ من نسق انتشار العدوى من جهة، والحفاظ على قوت التونسيين والحدّ الأدنى من النشاط الاقتصادي. وأضاف المشيشي أن الوضع الاقتصادي صعب وهو وليد خيارات وسياسية متراكمة غابت عنها الإرادة الواضحة للقطع مع التداين غير المسؤول والشعبوية المفرطة وتعطّل محرّكات التنمية، مبيّنا أن الجميع مسؤولون عمّا وصلت إليه تونس، وفق قوله. وأكّد المشيشي أن مشروع قانون المالية لسنة 2021 هو صورة مرقّمة لتبعات هذه السياسات وانعكاساتها، معتبرا أنّ جزءا من الحلول قُدم بكل شجاعة في مشروع القانون المعروض على مجلس نواب الشعب. وأفاد رئيس الحكومة بأنّ قانون المالية لسنة 2021 هو قانون المسؤولية والجرأة، وهو قانون الصراحة والحقيقة، بالواقع اليوميّ للشعب التونسيّ وللمؤسسات الاقتصادية التونسية مبيّنا أنّ سنة 2020 كانت سنة كارثية في كل العالم، وما جعل الأمر أكثر تعقيدا في تونس هو التراكمات قبل أزمة كورونا، فنسبة التداين مرتفعة، بل هي قياسيّة، والمؤشرات التنموية في أدنى درجاتها وغيرها. وتابع مخاطبا نواب البرلمان: "اليوم يجب علينا أن نخوض معركة مفصلية لإخراج بلادنا من الوضعية الحرجة التي نعيشها، الوطن يستصرخكم، ولنا الثقة الكاملة في أن تضعوا مصلحته ومصلحة التونسيين فوق كل الاعتبارات". وتعهد المشيشي بأنّ تكون هذه الحكومة أكثر جرأة وشجاعة وإنجاز في تذليل كل الصعوبات. موارد الميزانية وقال إن الميزانية المقترحة صيغت لتكون بداية التغيير، وصيغت بناء على أكبر نسبة من الواقعية مشيرا إلى أن تونس تنتظر نسبة نموّ سلبية ب 7 في المائة لسنة 2020 وهي نسبة لم تسجّلها الدولة سابقا موضحا أن الخسائر التي تكبّدتها تونس خلال 2020، خسائر جسيمة وناتجة عن تعطّل محرّكات النمو وتعطل الإنتاج وتراجع الطلب الخارجي. وبيّن المشيشي أنّ هذه الوضعية أدّت إلى تراجع كبير على مستوى تعبئة الموارد الذاتية للدولة بحوالي 5.6 مليار دينار، وارتفعت النفقات وخاصة منها المرتبطة بجائحة كوفيد بحوالي 1.1 مليار دينار، وهو ما أدّى إلى ارتفاع في نسبة العجز ليصل إلى 11.4% من الناتج الداخلي الخام بما يعادل 12،6 مليار دينار، فضلا عن الارتفاع في نسبة البطالة إلى حدود 16.2 %. وقال رئيس الحكومة إنّ قانون المالية يهدف إلى استرجاع الثقة وإيقاف نزيف المالية العمومية ودعم الاستثمار، معتبرا أن سنة 2021 تكتسي طابعا خاصا جراء تواصل مخّلفات الأزمة وارتفاع منسوب عدم اليقين بخصوص الآفاق الاقتصادية العالمية رغم توقع استرجاع تدريجي للنشاط الاقتصادي العالمي. وتوقّع المشيشي أن تشهد سنة 2021 انتعاشة طفيفة للنمو الاقتصادي، بعد الانكماش الحاد المسجل هذه السنة، حيث اعتمدت نسبة نمو 4 % كفرضية لإعداد ميزانية 2021، وسعر برميل النفط ب45 دولارا، مشيرا إلى أنّ هذا القانون يحمل في طيّاته الجرأة على التقليص في نفقات الميزانية ب1،6 %. أزمة المؤسسات العمومية وأكّد المشيشي أنّ الدولة المسؤولة لا يمكن أن تقبل أن تكون عبئاً على مواطنيها خاصة العجز المزمن في المؤسسات العمومية، موضحا أن هذه المؤسسات جعلت لخدمة الشعب وخلق الثروة لا لتعمق العجز أو أن تحل محل الدولة في دورها الاجتماعي. وتابع المشيشي: "سنقوم بالتدقيق في المؤسسات العمومية وننشر التقارير بكل شفافية وسنطور حوكمتها وسنلائم سياستها في الموارد البشرية لتحافظ على الكفاءات وتطورها وتشجعها وتحاسبها حسب أهداف واضحة وشفافة وطموحة". طريق الإنعاش الاقتصادي وشدد على ضرورة إصلاح منظومة الدعم، وذلك عبر توجيهه إلى مستحقيه في إطار منظومة إصلاح شاملة أصبح من الممكن التسريع فيها اعتمادا على ما تمّ تحقيقه في مجال الرقمنة، مؤكّدا العمل على تعبئة موارد الدولة واستيعاب الاقتصاد الموازي صلب الاقتصاد المهيكل بطريقة سلسة ومواصلة الإصلاح الجبائي وإصلاح الإدارة والتشجيع على الادّخار والاسثمار والتصدي للتّهرب الجبائي وترشيد تداول الأموال نقدا. وأكّد أن ذلك يتطلّب تعزيز موارد الميزانية وذلك بالترفيع فيها بنسبة 9،2 بالمائة وذلك من خلال تطوير الموارد الجبائية بنسبة 12,6% وشنّ حرب حقيقيّة ودون هوادة على التهرّب الضريبي بمختلف أشكاله وتوحيد النسب الضريبية على الشركات وضبطها في مستوى 18 % وأضاف أن ذلك يمرّ من خلال ترشيد الامتيازات الجبائية والتي سيكون منحها مشروطًا بالتزام المستفيدين بإعادة استثمار الأرباح في الشركات قصد خلق ديناميكية اقتصادية ناجعة. وأفاد بأنه على يقين أنّ الإنعاش الاقتصادي لن يتحقّق إلاّ عندما تتمكّن الدولة من لعب دورها في الاستثمار، لذلك تم الترفيع في النفقات ذات الصبغة التنموية ب4،5 % مقارنة بسنة 2020 . تعطل التنمية وقال المشيشي إنّ الدولة تعاني من عجز في تنفيذ المشاريع وحتى إذا توفّرت الاعتمادات فإنّ التنفيذ يصطدم بالعديد من العوائق التي تحول دون تنفيذها مبيّنا أنّ هذه العوائق تتمثّل في التعطيلات الإدارية والعقارية والاجتماعية. وأضاف المشيشي أنّ الدولة مطالبة برفع كل العوائق الإدارية والبيروقراطية، وتحيين مقاربتها التنمويّة بإضفاء المزيد من روح التشاركية الفعليّة. وأفاد المشيشي بأنه لم يطرح يوما أن يتعاطى مع الحراك الاجتماعي السلمي بمقاربة أمنيّة متغطرسة مبيّنا أنّ ذلك لا يليق بتونس الديمقراطية، والمتسامحة، ولا يتماشى مع مقاربتنا التشاركية التي تقوم على مبدأ أساسي وهو أنّ كل تونسيّة و تونسي شريك في وطنه لأنّ زمن التعاطي الأمني الصرف ولّى وانتهى. وتابع أن الديمقراطية تقتضي وجوبا تشريك الجميع، ليس بمنطق الحاكم والمحكوم وإنما بمنطق التشارك في بناء الوطن وفق رؤية تنموية شاملة وأولويات يساهم في ضبطها أبناء وبنات الجهات لأنفسهم، بالتنسيق مع مختلف الهياكل المركزية والجهوية والمحليّة وبالتعاون مع المنظمات الوطنية، وقد يكون هذا الطريق هو الطريق الأطول في تحقيق التنمية ولكنّه بالتأكيد الطريق السويّ والطريق الذي يحقّق تنمية مستدامة لأن التنمية لا تتحقق إلا في مناخ هادئ تتظافر فيه مجهودات الجميع. وبيّن المشيشي أن الحكومة طرحت حوار اقتصاديا واجتماعيا حول قانون المالية ومخطط التنمية، وهي تبسط يدها لكلّ مبادرات الحوار البناءة، وتؤكّد أنّها تدعمها، ويجب أن تكون عنصرا فاعلا فيها مبيّنا أن الحكومة تعمل على بناء الثقة بالحوار والتشاور المتواصلين ونسعى إلى تطوير العلاقة وتدعيم الارتباط بين الحكومة وشركائها السياسيين.