سجلت تونس حدثا نوعيّا في تاريخها بتعيين امرأة على رأس الحكومة التونسيّة. ولئن استقبل البعض بترحيب كبير هذه الخطوة باعتبارها جاءت تتويجا لمشاركة المرأة في الحياة السياسية وأماكن صنع القرار، إلا أن كثيرين اعتبروا أن تعيين قيس سعيد لنجلاء بودنّ ما هي إلاّ خطوة "لتلطيف انقلابه" و"تأنيثه"، حسب وصف البعض واعطائه لمسة من "الشعبوية"، حسب تعبير البعض الآخر. ويذهب مراقبون الى اعتبار ان نجلاء بودنّ لن تكون رئيسة حكومة ذات صلاحيات واسعة، وانما وزيرة اولى لدى رئيس الجمهورية الذي عينها استنادا للأمر 117 وبالتالي ستكون واجهة تتحمل أعباء الاجراءات الاستثنائية التي اعلن عنها قيس سعيد شهر جويلية الماضي. وفي هذا السياق، اعتبر القيادي بحركة تحيا تونس ماهر العباسي أن حظوظ الحكومة التي ستقودها نجلاء بودن قد تكون ضعيفة ان لم تكن منعدمة وتعيينها هو فقط لتزيين صورة الانقلاب. وأضاف ماهر العباسي في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع فايسبوك أنه يطالب منذ سنوات بتعيين امرأة في منصب رئيس حكومة وهو متأكد أنها أن وصول امرأة لمنصب رئيسة دولة أو رئيسة حكومة ستنجح .واستدرك العباسي أن ما وقع "هو تعيين مساعدة دون صلاحيات لإمبراطور تونس كامل الأوصاف وكامل الصلاحيات". وتابع العباسي: "المساعدة سترأس حكومة غير شرعية خارقة للدستور وترأس حكومة خارقة حتى للتدابير الاستثنائية التي عملها الامبراطور ". وينصّ الأمر الرئاسي عدد 117 الصادر يوم 22 سبتمبر 2021 على أنّ الحكومة تتكون من رئيس ووزراء وكتاب دولة "يعينهم رئيس الجمهورية". وتسهر الحكومة على تنفيذ السياسة العامة للدولة "طبق التوجيهات والاختيارات التي يضبطها رئيس الجمهورية". والحكومة مسؤولة عن تصرفها "أمام رئيس الجمهورية". بدوره، قال النائب المستقل بالبرلمان حاتم المليكي تصريح لإذاعة "اكسبراس": "كنت أتمنى أن تتولى المكلفة بتشكيل الحكومة هذا المنصب في ظروف طبيعية وبصلاحيات كاملة"، معتبرا أن تزامن تكليف أول امرأة تونسية بهذا المنصب وتجريدها من كل صلاحيتها هي نقطة سلبية. بدوره علق المدون والكاتب نور الدين الغيلوفي على تعيين امرأة على رأس الحكومة، ودوّن: "كلمة في أقلّ من أربع دقائق أعاد فيها لأوّل مرّة في تاريخ تونس رئيسة حكومة امرأة ثلاث مرّات... كأنّ الرئيسة يمكن أن تكون رجلا.. وكأنّه، فجأة، تحوّل إلى نصير للنسوية". وأضاف: "مشكلة التونسيين ليست في تاء التأنيث ولا في نون النسوة.. تعيين امرأة لرئاسة الحكومة ليس سوى مناورة.. فإذا احتجّ الناس على سياسات الحكومة قيل إنّهم أعداء المرأة." وتابع الغيلوفي "تعيينه لامرأة على رئاسة حكومة، في ظلّ أمره الرئاسي، ليس احتراما للمرأة بل استضعاف لها واستهانة بمقامها واحتقار لقدرتها." من جانبه، توجه النائب سمير ديلو إلى المكلفة بتشكيل الحكومة نجلاء بودن متسائلا: "كيف ستواجهين أسئلة العالم حول عدم شرعية حكومتك؟ " وقال ديلو في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك إن "تعيين رئيسة للحكومة لأوّل مرّة في تاريخ تونس قرار يستوجب الإشادة، متسائلا "هل هي لحظة تاريخيّة فعلا ؟" مضيفا أن "رمزية تعيين امرأة في هذا المنصب " الرّفيع " أي في منصب رئيسة حكومة يتزامن مع تعليق الدّستور و تفرّد رئيس الجمهوريّة بصلاحيّات فرعونيّة". وأضاف ديلو "الارتياح والفخر بأن تكون تونس سبّاقة دوما كلّما تعلّق الأمر بالتّمكين للمرأة وبتساوي الحظوظ يبقى مشوبا بمرارة أن يكون رئيسة حكومة بلد يعيش انقلابا على الشّرعيّة الدّستوريّة ..!" يذكر أن قيس سعيد، كلف أمس الأربعاء نجلاء بودن رمضان، بتشكيل الحكومة الجديدة، على أن يتم ذلك في أقرب وقت، وفق بيان صادر عن الرئاسة. ونجلاء بودن رمضان من مواليد 1958 أصيلة ولاية القيروان، وهي أستاذة تعليم عال في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس، مختصّة في علوم الجيولوجيا، تشغل حاليا خطّة مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وشغلت منصب رئيسة وحدة تصرف حسب الأهداف بالوزارة ذاتها، وكُلّفت بمهمة بديوان وزير التعليم العالي السابق شهاب بودن سنة 2015.