استعرض عدد من القضاة الذين أصدر قيس سعيد مرسوما بعزلهم شهادات عن خلفيات القرار الرئاسي. جاء ذلك خلال المجلس الوطني الطارئ لجمعية القضاة التونسيين، المنعقد أمس 4 جوان 2022، بتونس العاصمة، حيث وردت شهادات عن محاولات تدخل السلطة التنفيذية في توجيه أعمال القضاة، وتصديهم بالرفض لذلك، وهو ما عرضهم لعقوبة العزل، حسب ما ورد في تصريحاتهم. شهادات القضاة وصفها القاضي حمادي الرحماني، الذي شمله الإعفاء، بأنّها "مروّعة" حول "تدخل وزيرة العدل وعائلة الرئيس في الملفات القضائية والممارسات الإجرامية لبعض منتسبي وزارة الداخلية ومحاولة الاستقواء على القضاة بالقوة والنفوذ". وجدير بالذكر أنّ القضاة المشاركين في اجتماع أمس السبت ردّدوا شعارات احتجاجية بينها "لا قضاء لا قانون من قرطاج بالتليفون" و"سكّر (أغلق) المحاكم" و"لا قضاء لا قانون من قرطاج بالتليفون". وأشار أنس الحمايدي، رئيس جمعية القضاة، في كلمته في افتتاح الاجتماع، إلى أنّه بمجرد تقرير صادر عن جهة أمنية، يعزل القاضي وهو لا يعلم لماذا عزل. وهو ما جعل القاضي اليوم دون المواطن العادي، ودون ضمانات تأديبية دون ضمانات قضائية ويحرم حتى من حقه في اللجوء إلى المحكمة الإدارية. وأضاف الحمايدي: "ليس قطع أرزاق فقط، بل هو قطع أعناق.. قيس سعيد يتحدث عن اغتيال العدالة، وهو من يقوم باغتيال العدالة في تونس". مؤتمنون على الحريات رجّح عبد الكريم العلوي، وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بقفصة، أن يكون سبب عزله خلافه مع السلطات السياسية الجهوية التي سعت في لقاء مباشر أن تضع يدها على جهاز النيابة العمومية وقضاة التحقيق، وهو ما رفضه بشهادة القضاة. وتحدث عن علاقته بالأجهزة الأمنية بقفصة التي تريد أن تمارس ما تسميه "مداهمات". وشدّد وكيل الجمهورية على أنّه لا وجود في القانون لما يُسمى مداهمات، فهناك تفتيش، والتفتيش منظم بالقانون وفيه شروط لا يمكن تجاوزها، فالضابطة العدلية لا يمكنها دخول محلات السكنى إلاّ إذا كانت هناك شبهة جناية أو جنحة متلبّس بها، يعني أنّ المجرم بصدد ارتكاب جريمته أو التحضير لها، أمّا مجرد الشكوك أو تصفية حسابات خاصة فنرفض التفتيش، حسب تصريح القاضي. وتتقاطع هذه الشهادة مع ما رواه رمزي بحرية القاضي بقطب الإرهاب، وشدّد على لا يسلّم بأنّ كل من يقول عنه الأمنيون إرهابي يعتبر إرهابيا، لآنّ القاضي هو من يقدّر ذلك. وأشار إلى أنّ الأمنيّين يتصلون عادة للإعلام بمداهمة منازل دون ذكر أسماء وعندما تطلب الأدلة المتوفرة يذكرون أنّه لا أدلة لديهم بل هم مصنّفون أمنيّا. وأضاف: "نحن نرفض إجراء التفتيش دون أدلة وإذا أرادوا التفتيش فلهم الاستناد إلى أمر الطوارئ لسنة 1978 لا الرجوع إلى النيابة العمومية". وقال: "أنا لا أعطي إذنا بالتفتيش إلاّ بالدليل وإذا عاد بي الأمر إلى ذلك الموقف فأنا متمسك بقراري". وأضاف القاضي: "أنا اشتغلت سبع سنوات في زمن الحرية وأنا مؤتمن على الحريات، لم أدرس في القانون شيئا اسمه "مداهمة" هناك "التفتيش" والتفتيش لا يكون على الشبهة. هناك آلاف المحاضر الكيدية فلو قررنا إيقاف من وردوا في 35 ألف محضر، ماذا سيبقى في تونس باعتماد الوشايات"؟ عصابات المدوّنين وسلطة "العائلة الحاكمة" ذكر الصادق حشيشة، حاكم تحقيق أول بسوسة، تم سماعه في التفقدية بمقتضى بطاقة أمنية حررها وزير الداخلية ناقش فيها أعمال التحقيق القضائي، أنّ "عصابات" منظمة مكوّنة من مدوّنين معروفين تحالفوا مع السلطة التنفيذية في القصر الرئاسي وفي وزارة الداخلية وفي مواقع أخرى للقرار، انتهكت حرمة القضاة انتهاكا جسيما وخطيرا وحياتهم الخاصة. ونبّه القاضي إلى أنّ قيس سعيد "لا يؤمن بالسلطة القضائية، هو يؤمن أنّه هو رئيس النيابة العمومية. فالإعفاءات سلطت في أغلبها على وكلاء الجمهورية الذين لم يذعنوا لرغباته عن طريق وزيرة العدل ووزير الداخلية. ولذلك هو سيعيّن وكلاء جمهورية على مقاسه في جميع محاكم الجمهورية". وأشارت القاضية خيرة بن خليفة، عضو دائرة جبائية، إلى أنّ "ماكينة" مدوّنين اشتغلت منذ ما قبل 25 جويلية 2021 لتشويه القضاء وتصفية حسابات شخصية. وذكرت أنّ هناك سيدة سعت بكل الجهود لعزلها وكلفت شقيقة زوجة قيس سعيد، عاتكة شبيل التي قدمت إلى مكتبها ولديها تسوية قضائية وطلبت إدراج مزوّدين في شركة تم الإذن فيها بالإحالة، في حين أنّ القانون لا يجيز ذلك، فتم رفض طلبها. وعند مغادرتها قالت إنّ شقيقها سيقدم عرضا. وتابعت القاضية: "شقيقة زوجة الرئيس تنوب السيدة التي تريد عزلي، وقد وعدتها بذلك وهو ما تحقق". قضاء التعليمات قال قيس الصباحي مساعد قضائي بقطب مكافحة الإرهاب إنّه طلب منهم إيقاف أشخاص ولم يخضعوا للتعليمات. وأشار إلى أنّ الملفات تكثفت بعد 25 جويلية ويطلب فيا الاحتفاظ بأشخاص وخصوصا سياسيين. وبسبب ذلك فإنّ من لا يتم إيقافه يوضع تحت الإقامة الجبرية. وأشار إلى المحاضر الأمنية الهزيلة ووصفها بأنّها "محاضر فضيحة"، ورد فيها مثلا "وبتفتيش منزله عثر على كتب تدعو إلى الفضيلة والأخلاق وحجز كتاب "رياض الصالحين". وشدّد سامي بن هويدي وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بزغوان، على أنّ من يجب أن يحاسب اليوم هي وزيرة العدل لأنّها متورطة في هذه الإعفاءات ومتورطة في التدخلات والتعليمات التي لم ننفذها، حسب تعبيره. وذكر بن هويدي أنّ قضاة بمحكمة زغوان وبناحية الفحص صدرت بشأنهم بطاقات أمنية، ورد في إحداها أن قاض هو أمين مال جمعية قرآنية وتبيّن فيما بعد أنّ الأمر تشابه أسماء. وشدّد قائلا: "نحن نطبق القانون ونحترم الحريات". ولكن في المقابل وقع سماع أغلب قضاة زغوان في التفقدية وسؤالهم عن سبب الحكم بالإدانة أو إرجاع المحجوز لشخص حكم عليه بعدم سماع الدعوى. واشار المتحدث إلى أنّ محكمة زغوان هي المحكمة الأولى في تونس التي فتحت أبحاث في تجاوز السلطة وفي التعذيب. كما فتحت أبحاثا تحقيقية ضد من كتب التقارير الكيدية وتم التوصل لمعرفة كاتبها وهو عميد بالحرس الوطني، بحالة فرار وصادرة بحقه بطاقة جلب. وروى قاضي الناحية بزغوان أحمد العبيدي مسار استهدافه التعسفي، حيث انطلقت الملاحقات باستدعاء من تفقدية وزارة العدل بشأن بطاقة أمنية مفادها أنّه أمين مال لفرع الرابطة الوطنية للقرآن الكريم ومتبرع بقطعة أرض لها. لكن باطلاعه على محضر جلسة تضمن أسماء أعضاء الفرع ومنهم اسم شخص يدعى أحمد العبيدي ومثبت رقم بطاقة تعريفه الذي لا ينطبق على رقم بطاقة هويته، فنبّه مسؤولي الوزارة إلى أنّ المسألة تشابه في الأسماء وأنّه ليس له أرض حتى يتبرع بها. وقد تولى فيما بعد تقديم شكاية للنيابة بزغوان في التقارير الكاذبة ضده، وفُتح تحقيق تعهد به مكتب التحقيق الثاني بزغوان، وعهد إلى فرقة مختصة للتحري في الموضوع وتأكدوا أنّه غير معني بالتقرير الكيدي الوارد في شأنه، وتلقى اعتذارا من إقليم حرس زغوان باسم سلك الحرس الوطني. خطة إسكات القضاة شدّد حمادي الرحماني، المستشار بمحكمة التعقيب، على أنّ قيس سعيد يريد إسكاته، ومنعه من الكتابة الحرّة تعبيرا عن رأيه، لكنّه لن يسكت. وسيدخل مع زملائه مرحلة جديدة من النضال التي لن تسمح باستمرار "هذا العبث"، حسب تعبيره. واعتبر يوسف بوزاخر، رئيس المجلس الأعلى للقضاء (الشرعي) أنّ "قيس سعيد أراد أن ينهي القضاء لكن القضاة أجابوه اليوم بأنّ القضاء سيبقى قائما مستقلا بعيد عنه". وخاطب بوزاخر القضاء: "أراد ضربكم بمؤسساتكم، ولكن مؤسساتكم قالت لا يمكن ضرب القضاة خارج إطار مشروع وطبق الضمانات.. أزاح المجلس الأعلى للقضاء ووضع مجلسا مؤقتا ولم يجد ضالّته حتى فيما وضعه فمر في أنصاف الليالي ليستولي على سلطة هذا المجلس.. أحضر قوائم وهدد بها وطلب من المجلس ممارسة هذه السياسة فلم يكن المجلس الأعلى للقضاء طيّعا في يده فأزاحه". وشدّد قائلا: "وهذا لن نسكت عنه مهما طال الزمن. سنقاضي قراراته فوق كل أرض وتحت كل سماء، في تونس وفي خارجها. لكن المهم أن تعوا أنّ المقصود من إعفاء 57 قاضيا ليس هؤلاء، إنّه يقصدكم إنّه يحاصر قراراتكم إنّه يحاكم اجتهاداتكم إنّه يحاكمكم مع تأجيل التنفيذ.. فرصة اليوم للوقوف، ليس دفاعا عنّا، بل دفاعا عن أنفسكم". القضاة يقرّرون الإضراب وأمس السبت قررت 6 هياكل قضائية ممثلة للقضاة التونسيين، الإضراب لمدة أسبوع قابلة للتجديد بداية من غد الإثنين، احتجاجا على قرار قيس سعيد عزل 57 قاضيا من مهامهم. جاء ذلك، في بيان مشترك، مساء 4 جوان 2022،وقعته جمعية القضاة، ونقابة القضاة، وجمعية القضاة الشبان وجمعية القاضيات التونسيات، والمجلس القطاعي لمحكمة المحاسبات، والمجلس القطاعي للمحكمة الإدارية. ودعا البيان القضاة إلى عدم الترشح إلى الخطط والوظائف القضائية لتعويض المعزولين، كما دعا الممضون على البيان القضاة الإداريين والعدليين والماليين إلى عدم الترشح إلى عضوية الهيئات الفرعية للانتخابات. ودعا البيان الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف ووكلاء الجمهورية إلى عدم الالتزام بالتعليمات غير القانونية الموجهة إليهم من وزيرة العدل، باعتبار ذلك "انحرافا قانونيا للهيمنة على مسار التتبعات الجزائية ولتصفية الخصوم السياسيين للسلطة الحاكمة".