أينما فسدت السلطة نبتت السجون وتكاثرت، وأينما تكاثرت السجون نبتت داخلها كتابة مخصوصة تروي مناخات السجن وعالمه الأليم. كتابات عرفتها كل شعوب العالم. ولئن اتخذت هذه الكتابات أشكالا كثيرة منها الأدبي ومنها الوثائقي، فإن السيرة الذاتية والأجناس الأدبية الحافة بها تبقى ألصق أنواع الكتابة السجنية فهي الكتابة التي تجعل من الذات محورها الرئيس. وتظهر تلك الأعمال في كتب المذكرات أو اليوميات أو السيرة الذاتية أو السير الذاتية الروائية وتصبغ تلك المؤلفات بروح صاحبها وعذاباته وبمرجعياته الفكرية والأيديولوجية. سجن النظام البورقيبي، كالنظام الذي تلاه لا يفرقان بين اليسار واليمين، السجون كلها ناطقة بلغة واحدة، ومهما تفاوتت عمليات التعذيب من سجين إلى آخر ومن تيار سياسي إلى آخر، يبقى مجرد اعتقال الإنسان بتهمة التعبير الحر جريمة إنسانية، ومن هنا علينا في البداية استبعاد أي مفاضلة بين معتقل وآخر، بدافع المزايدة في التنكيل، فكلهم في النهاية بتسميات واحدة داخل السجن “يعمل في السياسة" و"معارض" و"ضد الحكومة" و"مخرب". قبل سقوط نظام بن علي بسنوات قليلة، بدأت تظهر في المكتبات كتب استعاد فيها كتابها تجاربهم السجنية. ويعد كتاب فتحي بن الحاج يحيى “الحبس كذاب...والحيّ يروّح" و بعد الثورة تتالت الشهادات السجنية يمينا ويسارا، وأمكن إعادة نشر بعض الأعمال المهربة والمنشورة بالخارج مثل “برج الرومي" لسمير ساسي المنشورة بعنوان " البرزخ" في لندن و"أحباب الله" لكمال الشارني، أو “في القلب جمرة": في سجون بن علي لحميد عبايدية. ومهما تفاوتت درجة الفنية في هذه الأعمال، فإن القيمة الوثائقية لها، وما تقدمه من شهادات حية على ما كان يجري في سجون بورقيبة وبن علي تشفع لها دائما، خاصة أن قليلا من هؤلاء الكتاب قليل من كانت له تجربة في الكتابة الإبداعية من قبل. ما ترويه كتب اليسار واليمين عن فنون التعذيب واحد، حتى بتنا ونحن نقرأ هذه المصنفات أمام بيبليوغرافيا سجل للتعذيب في تونس عذابات متعددة وجلاد واحد لكل هذا تخصص “الشاهد” ركنا قارا وهو ركن أدب السجون نمدكم فيه بشهادات لمساجين سياسيين كانوا شهداء وشاهدين على مرحلة تاريخية مظلمة من تاريخ تونس المعاصر
